الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014
الأب الجديد
الجزء الأول من سلسلة عواصف اليتم
الأب الجديد
قصة كلاسيكية مشوقة لحياة بائسة لطفلين
للكاتبة إيمان بونقطة
عن دار الزنبقة
أتمنى الاستمتاع بها
رابط المشاهدة والتحميل
http://www.slideshare.net/
السلطعونات – قصة قصيرة هاروكي موراكامي
كان عثورهما على المطعم الصغير محض صدفة. في مساءهما الأول في سنغافورة، و بينما كانا يسيران على الشاطئ على هواهما، ولجا إلى شارع جانبي حيث صادف أن مرا على المكان من قبل. كان المطعم بناءا من طابق واحد محاطا بسور من الطوب يصل ارتفاعه إلى الخصر، مع حديقة تحوي نخلات صغيرات و خمس طاولات خشبية. كان البناء الرئيسي من الجص مدهونا بلون وردي زاه،و لكل طاولة مظلة باهتة مفتوحة فوقها، الوقت لا يزال مبكرا و المكان شبه خال، فقط هناك شيخان كبيران ذوا شعر قصير، كان واضحا أنهما صينيان، يجلسان متقابلين، يحتسيان البيرة و في صمت يأكلان تشكيلة من الأفاعي، لم ينطقا بكلمة واحدة لبعضهما البعض، و على الأرض أمام أقدامهما كان هنالك كلب أسود ضخم يتمدد في ملل، عيناه نصف مغمضتين. أثر بخار شبحي ينبعث من نافذة المطبخ، و رائحة مغرية لشيء ما يُطهى، أصوات الطهاة السعيدة تخرج مع قعقعة الأواني والمقالي، وسعف النخيل يرتجف في النسيم العليل، صامدا أمام الشمس الغارقة.
توقفت المرأة متأملة، ثم سألت قائلة ” ماذا عن تناول العشاء هنا؟”
قرأ الرجل الشاب اسم المطعم في المدخل و نظر حوله باحثا عن لائحة الطعام، لكن لم تكن هناك أي لائحة موضوعة خارجا. فكر قليلا ثم قال:” اممم، لا أدري. أنت تعلمين، نحن لسنا متأكدين من الأكل في مكان كهذا في بلد أجنبي”
-” لكني أملك حاسة سادسة فيما يخص المطاعم، يمكنني دائما أن أشتّم تلك الجيدة حقا. و هذا المطعم ممتاز دون شك، أنا أضمن لك هذا. لما لا نجربه؟”
أغمض الرجل عينيه و اخذ نفسا عميقا، لم يكن يملك أدنى فكرة عن نوع الطعام المطهو هنا، لكن عليه أن يقر أن رائحته مغرية جدا. و المطعم نفسه يملك سحرا خاصا.
- ” لكن هل تعتقدين أنه نظيف”.
جذبته من ذراعه ” أنت حساس جدا. لا تخف، لقد قطعنا كل هذا الطريق لنصل إلى هنا، فعلينا أن نتحلى قليلا بحس المغامرة. لا أريد أن آكل في مطعم الفندق كل يوم فهذا ممل. هيا بنا، دعنا نجرّب”
لما دخلا أدركا أن المكان مخصص لأطباق السلطعون. كانت لائحة الطعام مكتوبة بالانجليزية و الصينية، و كان أغلب الروّاد من أهل البلد و الأسعار جد معقولة.
وفقا للائحة الطعام فإن سنغافورةتضم العشرات من أنواع السلطعونات، مع قرابة مائة نوع من أطباق السلطعونات. طلب الرجل و المرأة بيرة سنغافورية، و بعد البحث فيما هو متوفر ، اختارا أطباق سرطانات مختلفة و تشاركاها. كانت الحصص وافرة، و المكونات كلها طازجة و التوابل جيدة.
” هذا حقا جيد” قال الرجل متأثرا.
” أرأيت؟ ماذا قلت لك؟ قلت لك أني أمتلك القدرة على إيجاد الأفضل. هل تصدقني الآن؟”
” أها. أنا أفعل” أقر الرجل الشاب.
“هذا النوع من الطاقة في متناول اليدين” ، قالت المرأة ” هل تعلم؟ الأكل أكثر أهمية مما يظن معظم الناس. قد تمر عليك أوقات في حياتك عندما تكون قد تحصلت للتو على شيء خارق اللذة. و عندما تكون واقفا في مفترق الطرق يمكن لحياتك بأكملها أن تتغير، حسب المطعم الذي تلج إليه- الجيد أو الرديء، الأمر أشبه بأن تقع على هذه الجهة من السور، أو الجهة الأخرى.”
“هذا مثير للاهتمام” قال
و أردف ” يمكن أن تكون الحياة مخيفة جدا، أليس كذلك؟”
“بالضبط” قالت و رفعت إصبعها بلؤم.
“الحياة أمر مخيف، أكثر مما يمكنك تصوره”
أومأ الشاب. وأضاف “ونحن قد حدث أن سقطنا داخل السور، أليس كذلك”.
” بالضبط”
“هذا أمر جيد”، قال الرجل الشاب بحيادية. “هلتحبين السلطعون؟ “
” امم. لقد احببته دائما، ماذا عنك؟”
” أنا احبه، و لا أمانع في أكله كل يوم”
” شيء مشترك آخر بيننا” قالت بابتهاج.
ابتسم الرجل، و رفع كل منهما كأسه من أجل نخب آخر.
قالت ” علينا أن نعود غدا، لا يمكن وجود أماكن كثيرة كهذا المكان في العالم، أقصد الأكل لذيذ جدا، ثم انظر إلى الأسعار”
أكلا خلال الأيام الثلاثة التالية في المطعم الصغير. في الصباح يذهبان إلى الشاطئ للسباحة، و يتعرضان لحمام شمس، ثم يتجولان في المدينة ويقتنيان الهدايا التذكارية من محلات الحرف اليدوية المحلية. في نفس الوقت تقريبا من كل مساء كانا يذهبان الى المطعم الصغير خلف الشارع، يجربان مختلف أطباق السلطعون، ثم يعودان إلى غرفتهما في الفندق ليمارسا الحب على مهل، ثم يقعا في نوم بلا أحلام.
كل يوم كان يمر كأنهما في جنة. كانت المرأة تبلغ من العمر ستة و عشرين سنة، و تدرس الانجليزية في ثانوية خاصة للبنات، أما الرجل فقد كان يبلغ ثمان و عشرين سنة و يعمل مدقق حسابات في إحدى البنوك الكبرى. كانت تقريبا معجزة أن يتمكنا من أخذ إجازة في نفس الوقت، وأرادا أن يجدا لنفسيها مكانا حيث لا أحد من شأنه أن يزعجهما، أين يمكن أن يستمتعا ببعضهما ببساطة. حاولا قصارى جهدهما تجنب أي موضوع من شأنه أن يعكر مزاجهما والوقت الثمين الذي يقضيانه معا.
في اليوم الرابع _آخر يوم من عطلتهما، كانا يأكلان السلطعون كما هو الحال دائما في المساء، و يغرفان اللحم من ساقي السلطعون بالأدوات المعدنية، و يتحدثان عن كيفية وجودهما هنا، يسبحان كل يوم على الشاطئ، يأكلان السلطعون حتى الشبع في الليل، ما يجعل العودة إلى حياة طوكيو تبدو غير حقيقية و بعيدة جدا. كانا يتحدثان أغلب الوقت عن الحاضر.، فيسود الصمت وجباتهما من حين إلى آخر، و يغرق كل منهما في أفكاره. لكن هذا الصمت لم يكن سيئا، فالبيرة الباردة و السلطعون الساخن يلطفان الجو بشكل جيد.
يغادران المطعم و يسيران الفندق، كما هو الحال دائما، و يختمان يومهما بممارسة الحب. بهدوء، لكن على أتم وجه. ثم يستحمان معا و سرعان ما يخلدان إلى النوم. لكن بعد فترة قصيرة، استيقظ الرجل الشاب و شعور رهيب ينتابه. كان يحس و كأنه قد ابتلع سحابة ثقيلة، فهرع إلى الحمام، و انحنى على المرحاض ليفرغ كل ما في معدته.
كانت معدته مليئة بلحم السلطعون الأبيض، لم يملك له الوقت لإدارة الإنارة، لكن ضوء القمر الطافي على سطح البحر، سمح له برؤية ما كان في المرحاض. أخذ نفسا عميقا، و أغلق عينيه و ترك الوقت يمر. كان رأسه فارغا، لا يسمح له بالتفكير في شيء. كل ما كان بإمكانه أن يفعله هو ان ينتظر. و ها هي نوبة غثيان تصيبه مرة اخرى فلا تدع شيئا باقيا في معدته.
عندما فتح عينيه، رأى كتلة بيضاء لما تقيأه تطفو على سطح ماء المرحاض. إنها كمية هائلة. يا ويلي ! ما كل هذا السلطعون الذي أكلته! فكر في نفسه نصف معجبٍ. لقد أكلت كل هذا المقدار من السلطعون يوما بعد يوم، فلا عجب إذا إن أنا مرضت، حتى و إن كنت أقطعه فهذه حتما كمية كبيرة، إنها تعادل قيمة ثلاث أو أربع سنوات من أكل السلطعون، أكلتها في أربعة أيام.
بينما كان يحدق في الكتلة التي تطفو في المرحاض و كأنها تتحرك بإهمال، فكر أولا أنه حتما يتخيل أشياء لا وجود لها. فضوء القمر الخافت لا بد من أن يجعله يتوهم. لا شك في أن سحابة عابرة قد حجبت القمر ما جعل كل شيء للحظات يبدو أظلم من ذي قبل. أغلق الرجل الشاب عينيه و أخذ نفسا عميقا، ثم فتحهما مجددا، لم يكن الأمر وهما، كانت كتلة اللحم تتحرك بكل تأكيد، و تشبه التجاعيد المفتولة، وكان سطح اللحم يهتز. قام الرجل الشاب و أضاء مصباح الحمام. إنحنى أكثر على كتلة اللحم و رأى أن ما يرتجف على السطح كان عددا لا يحصى من الدود. كان دودا صغيرا بنفس لون لحم السلطعون، ملايين منه ملتصقة بسطح اللحم.
مرة أخرى تقيأ كل ما في معدته، لكن لم يكن قد بقي فيها شيء، تقلصت معدته إلى أن أصبحت بحجم قبضة، و خرج مرير المرارة أخضر، قد اُعتصر من أحشاءه. غير مكتفٍ بهذا، ابتلع بسرعة غسول الفم و أعاد تقيأه.
قام بشفط محتويات المرحاض بالماء الدافق مرارا و تكرارا ليتأكد من ذهابها كلها، ثم غسل وجهه في الحوض مستعملا منشفة بيضاء نقية ليفرك جيدا محيط فمه، بعدها نظف جيدا أسنانه. أسند يديه على الحوض و أخذ يحدق في انعكاس صورته على المرآة. بدا وجهه هزيلا و مجعدا، و بشرته بلون الوحل، لم يستطع أن يصدق أن هذا كان حقا وجهه، بدا و كأنه شيخ منهك.
غادر الحمام، و اتكأ على الباب ثم ألقى نظرة على غرفة النوم. كانت حبيبته في السرير، نائمة بعمق. وجهها غارق بعمق في وسادتها، كانت تشخر بهدوء، غير واعية بما كان يحدث. كمروحة مرهفة، كان شعرها الطويل يغطي وجنتيها و كتفيها،و في الأسفل من كتفها مباشرة تستقر شامتان، تصطفان كأنهما توأمان.كان ظهرها يكشف بوضوح عن آثار خطوط ثوب السباحة و ضوء القمر الفضي ينفذ بهدوء عبر الستائر، مع الصوت الرتيب لاصطدام الأمواج بالشاطئ. على جانب السرير كانت الأرقام الخضراء لساعة المنبه تتوهج، لا شيء تغير، باستثناء أن السلطعون كان الآن داخلها، فقد تشاركا هذا المساء الطبق نفسه، غير أنها لم تكن على علم بالأمر.
غرق الشاب وسط كرسي من الروطان بجانب النافذة، وأغمض عينيه، وتنفس ببطء وبانتظام. قام باستنشاق الهواء النقي، و إخراج الهواء القديم. حاول استنشاق أكبر قدر من الهواء بإمكان جسده احتواءه، أراد أن تنفتح مسامات جسده على اتساعها. و كمنبه قديم في غرفة خالية، كان قلبه يخفق خفقات شديدة و جامدة.
حدق في حبيبته النائمة، فتخيل العدد الذي لا يحصى من الديدان في معدتها، هل يجدر به إيقاظها و إخبارها عن الأمر؟ ألا يجب عليهما فعل شي؟ لم يكن واثقا بما يجب فعله، فكر لفترة ثم عدل عن الفكرة، ذلك أنها لن تجدي نفعا. هي لم تلحظ شيئا و هنا تكمن المشكلة.
بدا العالم بعيدا عن المألوف، كان بإمكانه أن يسمع صريره من هذا المدار الجديد . فكر في أن أمرا ما قد حدث، و العالم قد تغير. كان كل شيء خارجا عن النظام، و ليس بالإمكان ان يعود الى ما كان عليه. كل شيء قد تغير ، و ليس بإمكانه سوى ان يستمر في هذا الاتجاه الجديد. قرر أن يعود غدا إلى طوكيو، إلى الحياة التي خلفها وراءه. على السطح لم يتغير شيء، لكن لا اعتقد أنه سيكون بامكاني الانسجام معها مرة أخرى. لن أشعر مطلقا تجاهها بنفس الطريقة التي كنت أشعرها حتى البارحة. لكن ليس هذا كل شيء، فأنا لا أعتقد أن بإمكاني الانسجام مع نفسي أيضا، فالأمر أشبه بوقوعنا من سور مرتفع إلى الخارج، دون ألم و دون صوت و هي لم تلحظ حتى هذا الأمر. جلس الشاب على كرسي الروطان حتى الفجر، يتنفس بهدوء. من وقت إلى آخر تشق صرخةٌ هدوء الليل، و تقرع زخات المطر النافذة كنوع من العقاب. تمر غيوم المطر و ينكشف وجه القمر مرة تلو الآخرى و المرأة لم تستيقظ أبدا، أو حتى تستدير في فراشها.اهتز كتفها بضع مرات، هذا كل ما في الأمر. كان يرغب في النوم أكثر من أي شيء آخر، أن يستغرق في النوم و يستيقظ ليجد كل شيء قد حُل، و تعود الأمور إلى نصابها، تجري بسلاسة كما هي العادة. لم يرغب الرجل الشاب في شيء أكثر من الغوص في نوم عميق، لكن بقدر ما كان يمد يده ليمسك به، كان النوم بعيدا عن متناوله.
تذكر الرجل الشاب أول ليلة، عندما عبرا على مطعم جانب الشارع، الرجلان الصينيان اللذان كانا يأكلان طعامهما بصمت، الكلب الأسود ذو العينين المغمضتين، و الرابض عند قدميهما، و المظلات الباهتة على الطاولات، و كيف كانت هي تشد على ذراعه. بدا و كأن سنة قد مرت على هذا، في حين أنه بالكاد قد مرت ثلاثة أيام، ثلاثة أيام تغير خلالها، عبر قوة غريبة، إلى واحد من أولئك الرجال الكبار الرماديين المشئومين. كل هذا في مدينة سنغافورة الساحلية، الجميلة و الهادئة. وضع يديه أمامه و حدق فيهما باهتمام، نظر في باطن كفيه و ظاهرهما، لا يمكن لشيء أي يخفي حقيقة أنهما كانتا ترتجفان و لو قليلا.
” مم، لطالما أحببت السلطعونات، ماذا عنك؟” كان بإمكانه سماعها تقول هذا.
” لا أدري” فكر.
أحس قلبه محصورا بشيء عديم الشكل، محاطا بغموض عميق و مريح. لم يعد يملك أدنى فكرة عن وجهة حياته، و ما الذي يمكن أن ينتظره هناك. لكن مع بدء بزوغ الفجر أخيرا تبادرت إلى ذهنه فجأة فكرة:” شيء واحد أنا متأكد منه، لن آكل السلطعون ثانية حيثما ذهبت.”
تمت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة جهان سمرقند .2014 كل الحقوق محفوظة .النشر الاولي كان في هذه المدونة عند اعادة النشر لا يسمح بذلك الا بالعزو الواضح للمترجم والمصدر .
اصدارات دار الزنبقة للنشر الالكتروني الحر
الاثنين، 29 سبتمبر 2014
على مدى شهرين ليطعم القطط التي هجرها اصحابها في حلب هربا من القصف
سائق اسعاف سوري ينفق 4$ يوميا على مدى شهرين ليطعم القطط التي هجرها اصحابها في حلب هربا من القصف
الدنيا ما زالت بخير
منقول من مهيرة عبد العزيز
كتاب ( مسؤولية المثقف )
ما هي مسؤولية المثقف تجاه مجتمعه؟ وما هي رسالته في المجتمع الإنساني عموماً ومجتمعه خصوصاً؟
· كيف نشأت طبقة المثقفين؟
إن قضية المثقف قضية حساسة جداً وعلى درجة كبيرة من الأهمية على الصعيدين الاجتماعي والإقليمي، وقد تشكّلت طبقة المثقفين بعد نهاية العصور الوسطى منذ القرن السابع عشر وأخذت هذه الطبقة تشقّ طريقها إلى دول العالم أجمع في الشرق وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهذه الطبقة جاءت نتيجة اضطهاد الكنيسة المسيحية ومحاربتها للعلم والمتعلمين ومطاردة أصحاب العقول المفكرة والانفراد بالسُلطة ولهذا تكونت هذه الشريحة في ظل المؤثرات التاريخية والاجتماعية وتبلورت خصائصها النفسيّة والفكرية والعقائدية والروحية كردة فعل لاضطهاد الكنيسة.
· مصطلح المثقف في الرؤيا الإسلامية:
ويقول الأستاذ شريعتي: (إن مصطلح مثقف في لغتنا يختلف عن المثقف في لغتهم واستخدامنا هذه الصفة وإلباسها على مثقفين جعل الرؤيا مبهمة وغامضة، فالمثقف في لغتهم تعني الفطنة أو الذكاء أو العقل أو قدرة الإدراك والفهم والاستنتاج، ومن ثم تعني العاقل المتفهم والرجل الذي يُحسن التفكير ومن ثم تطلق على أهل الفكر وهذا يعني كل إنسان ذكي يبرز ذكاؤه وفكره وفهمه عن سائر مواهبه الأخرى في حياته ومجتمعه فهو مثقف.
والمثقف اصطلاحاً هي الطبقة التي تقوم بعمل عقلي، وهناك طبقة تقوم بأعمال يدوية وبدنية وهم (الحرفيين)، فالذين يعدّون العقل الأداة الأساسية لعملهم نسميهم (أهل الفكر)، والذين تعتمد أعمالهم على سواعدهم نسميهم (عمالاً يدويين)، الطبقة المثقفة متمثلة بـ (المعلمون، أساتذة جامعات، محامون، قضاة، سياسيون، قادة أحزاب، فنانون، نحاتون، أطباء، مهندسون، رجال دين، فلاسفة... إلخ).هكذا يصنّف الغرب طبقة المثقفين وأهل الفكر، لكن مفهوم المثقف في الرؤيا الإسلامية مختلف تماماً.
فالمثقف الذي لا يستند على قاعدة عقائدية وسعة أفق في التفكير ويستقرئ واقع مجتمعه وأمته من موقع المسؤولية والتكليف هو ليس بمثقف، فالثقافة ليست مهنة كما هي عند الغرب لأننا نشاهد الكثير من المثقفين (المفهوم الغربي) تطرح أمامه مشاكل تمسّ مجتمعه وتمسّ حياته لكنه لا يستوعبها ولا يدري أنها تمسّ حياته فيكون تعليقه على أنها ليست من شأنه في حين أنها من شأنه تماماً فهذا ليس بمثقف، ومن هنا فليس المثقف وحده هو الذي يزاول عملاً فكرياً فقد يكون حداداً وصاحب حرفة لكنه يملك أفق تفكير واسع وشعور كبير بالمسؤولية ويمارس نشاطاً فكرياً وعقائدياً، والعكس نلتقي بأناس أكاديميين حملة شهادة عليا ويقومون بأعمال عقلية لكنهم لا يفهمون واقعهم جيداً ورؤاهم مضطربة وقراراتهم غير عقلانية، وبهذا نصل إلى نتيجة وهي أن المفكر بمعناه الإصطلاحي (صفة لفكر إنسان ما) أما المثقف بمعناه اللفظي فهي صفة لعمل إنسان ما.
هذا هو المدخل المنطقي لبحث الأستاذ شريعتي، حيث يفرز هذه الطبقة بعوامل وجودها وظروف نشأتها وتأثيرها على العالم وتأثر المسلمين بفكرها ومنهجيتها فكانت.
· طبقة المثقفين المقلّدة للغرب:
هناك طبقة مقلّدة للعلمانيين من المسلمين وقعت في فخ التقليد حيث عملت على تغريب المجتمع الإسلامي دون معرفة بالظروف الاجتماعية والعصر التاريخي وأوضاع الشعب وأحواله ولهذا كانت النتائج عكسية لأن ظروف نشأة العلمانيين في الغرب مختلفة عن نشأة هذه الطبقة المقلدة، هؤلاء أخذوا حقائق عصرهم وتاريخهم ومجتمعهم واحتياجاته وتحركوا على هذا الأساس، أما الطبقة المقلدة فأخطأت التقدير فمجتمعاتنا لا تعاني من اضطهاد علماء الدين لأن ديننا الإسلامي يشجع على العلم ويدفع باتجاه النور والوعي والبحث العلمي، فعملت الطبقة العلمانية المقلدة على محاربة الدين والوقوف ضد كل ما هو روحاني عقائدي ولهذا فشلوا فشلاً ذريعاً وعاشوا في عزلة عن مجتمعاتهم لأنهم انطلقوا في الاتجاه الخطأ.
· المثقف المسلم وهويته:
المثقف المسلم هو الذي يرتكز على عقيدة صحيحة ليفكر بالشكل الصحيح فيتحرك بالاتجاه الصحيح ليغير مجتمعه، ليشعل النور فيه.
· فما هي مسؤولية المثقف كما يذكر الدكتور شريعتي؟
إن مسؤولية المثقف ودوره يشبه أساساً الدور الذي يلعبه الأئمة وقادة التغيير والتبديل، أي الأنبياء والرسل وأئمة المذاهب في المجتمعات القديمة.
· فالمثقف يعمل على:
1- إضرام نار الوعي في مجتمع هامد.
2- خلق مبادئ جديدة.
3- خلق حركة وطاقة في أعماق وجدان الشعب.
4- يثور على الجمود والتخلف ويجتث جذورها.
5- مسؤولية المثقف هي القيام بالنبوة في مجتمعه حين لا يكون نبي.
6- نقل رسالة الله إلى الجماهير.
7- قيادة الحركة في المجتمع المتوقف وإضرام نيران جديدة في مجتمعه الراكد.
8- المثقف هو أن يجسّد السبب الأساسي والحقيقي لانحطاط المجتمع ويكتشف السبب الأساسي للركود والتأخر.
9- ينبه المجتمع الغائب عن الوعي الغافل إلى السبب الأساسي لمصيره وقدره التاريخي المشؤوم ويبدي له الحل والهدف وأسلوب السير الصحيح الذي يلزمه من أجل أن يتحرك ويتخلص من هذا الوضع.
10-يحصل على الحلول اللازمة لشعبه على أساس إمكانياته واحتياجاته وآلامه وعلى أساس الثروات الموجودة في مجتمعه.
11-يخطط للتغيير بشكل مدروس قائم على أساس استخدام صحيح للثروات ومعرفة دقيقة للآلام باكتشاف الروابط الحقيقية القائمة والأسباب والنتائج بين أنواع الانحطاط والانحرافات والأمراض بين العوامل والظواهر الموجودة في الداخل والخارج.
12-هو من ينقل المسؤولية التي يحسها إلى كافة المجتمع ويجعل المتناقضات الاجتماعية الموجودة في قلب مجتمعه داخل وعي الناس وأحاسيسهم.
· القوى المضادة للمثقف:
المثقف يحارب على جبهتين في آنٍ واحد، الأولى ضد المتقوقعين والتقليديين من المسلمين الذين انزووا في زاوية من زوايا المسجد وعزلوا الإسلام عن المجتمع وأبدوا ردود فعلهم السلبية إزاء أية حركة فكرية حرّة تبرز في المجتمع.
الجبهة الثانية: طبقة المثقفين الذين اغتربوا عن ذواتهم فقلدوا الغرب واستنسخوا التجربة الغربية المضللة.
الجبهة الثالثة: الخرافات التي تفرزها العادات والتقاليد البالية.
الجبهة الرابعة: طبقة الحكام المتسلطين الذين يحكمون الشعوب بالحديد والنار ويقمعون الحريات.
· نمط الثقافة للمثقف المسلم:
ويقصد نمط الثقافة الروح الغالبة على مجموعة معارف مجتمع ما وخصائصه وإحساساته وتقاليده ونظراته ومُثله لأنها كلها تحتوي على روح مشتركة يؤلف بينها كلها شكل يسمى (الثقافة) وكل إنسان يتنفس ويتغذى وينمو في هذا الجانب الثقافي، ومن هنا فإن معرفة ثقافة مجتمع ما هي بمثابة معرفة حقيقة بواطن المجتمع ونقاطه الحساسة وضعفه.
ومن هنا على المثقف المسلم أن يفهم أن الروح الغالبة على ثقافته هي الروح الإسلامية وأن الإسلام هو الذي صنع تاريخ مجتمعه وحوادثه وقاعدته الأخلاقية ونقاطه الحساسة، وإذا لم يدرك هذه الحقيقة الواقعة كما فعل أغلب مفكرينا فسوف يسقط ضحية لجوه المصطنع المحدود، وإذا اعتبر نفسه مجرداً من العقائد الدينية وتنفس في جو أوروبا القرن التاسع عشر والقرن العشرين فسوف يسقط فريسة للخطأ في معرفته بالناس وتفاهمه معهم ولن يقع منهم موقع القبول.
إنه كتاب قيّم يستحق القراءة المتأنية والعميقة ليعرف شبابنا المسلم منطلقاتهم الصحيحة في دنيا الثقافة وموقعهم الحقيقي بين الشعوب الأخرى، وليبنوا داخلهم أسس ثقافية ترتكز على العقيدة الإسلامية.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)