وائل عبد الفتاح يكتب: ..
اتركوا التافهين الذين يفتخرون على الشاشات بأنهم ينتمون إلى نظام مبارك.
اتركوهم، فمبارك نفسه لو نظر فى المرآة بصبغته وتهدُّل أوداجه كمومياء تصلح للفرجة سيتبرأ من الأيام السوداء التى تحولت معها #مصر إلى صحراء وبالوعات فُتحت علينا الآن لتُخرِج كل أنواع الحشرات والبكتيريا.
لا يحن إلى أيام مبارك إلا التافه وصاحب المصلحة فى عودة العصابة والعاجز والمحتار، والذى كان يعيش الفساد والاستبداد كأقدار إلهية.
حنينهم بلا فائدة.. فلا أيام مبارك ستعود ولا أحد يريدها إلا نوعا من الخوف من المجهول أو الحنين إلى أيام مضت، وروْعتها فى أنها الآن تاريخ/ بلا مسؤولية.
هناك طبعا من رتَّب حياته أو صعد بنجاحاته فى ظل دروب أيام مبارك وكان يظن أنها أبدية لن تنتهى فى يوم/ ولا ستؤدى إلى ثورة يخرج فيها المصريون عن صمتهم وشبكات التواطؤ التى تجعل شخصا متواضعا/ مجرد موظف/ يستمر فى مقعده ٣٠ سنة يقود فيها بلدا كبيرا مثل #مصر وينتهى به إلى بلد فى أَسْر الخارجين من البالوعات، أو مجتمع عندما خرج من أقفاصه فوجئ بالمأساة التى عاشها، وأنه أسير حرب عبثية على الحكم تتداول فيها الكيانات السلطوية تجريب فشلها علينا دون أن يظهر عاقل واحد أو قادر واحد على تقديم خطاب: كيف سنعبر إلى المستقبل؟ كيف سنبنى #مصر جديدة؟ كيف سنصل إلى حقيقة أن مصلحتنا فى دولة تقوم على العدل والحرية، على حرية الفرد، على التعدد، دولة مواطن لا دولة يقدَّس فيها الحاكم ليدوس البشر باسم الله أو الوطن أو أى شىء آخر...
ويبدو أنه فى ظل العجز الذى لم نتجاوزه بعد مبارك سنظل فترة قادمة فى أَسْر الحياة التكافلية بين العناصر المؤسسة للدولة القديمة والإخوان. كلاهما، كما تقول دورات الحياة لبعض الكائنات، لا يقدر على الحياة دون الآخر.. والصراع بينهما يؤدى إلى نوع من التعايش حسب المرحلة.
وتحت سُ#حب النفايات الصاعدة من البالوعات يبدو أننا مقدمون على جولة أخرى من الحياة المشتركة بين الدولة القديمة/ والإخوان... لكنها أصعب دورات الحياة ليس بسبب الحرب على الإرهاب كما تقول بروباجندا الدولة القديمة/ ولا بسبب معاداة الانقلاب كما يأتى فى بروباجندا الإخوان ومن بقىَ فى تحالفاتهم.
الأصعب فى هذه الدورة أن هناك قوى كانت شريكة فى المعركة/ من كل جوانبها.. هذه القوى ليست مجرد حشود شعب حالم بمستقبل ما بعد الاستقلال كما حدث فى ١٩٥٤/ ولا مجرد جمهور يتفرج على حرب شرطة مبارك مع الجماعات الإرهابية أو كورس من مثقفين وسياسيين كانوا يغنُّون تلك الأغنيات البائسة عن التنوير فى مواجهة الظلامية كما حدث فى التسعينيات..
هذه القوى ليست أيضا مجموعات من حكماء شماليل وقفوا مع المرسى فى «فيرمونت» يتكلمون عن اتفاقات لم تكن اتفاقات ووعودا تبخرت قبل أن تغلق الميكروفونات... لأنها كانت اتفاقات حكماء/ تصوروا أن لمعانهم التليفزيونى يمكن أن يصبح تعويضا عن الكيان السياسى...
هى قوة أخرى تماما...
قوة شاركت فى إسقاط ثلاثة رؤساء/ حكام متشابهين، من مبارك مرورا بطنطاوى وحتى المرسى...
هذه القوة ضعيفة التكوين السياسى/ لكنها مؤثرة وحاسمة فى إسقاط الأنظمة المعوِّقة لأحلامها بمصر جديدة.. ولهذا سنجد من المسجونين فى سجون محمد إبراهيم، بطل عودة الدولة الأمنية، شبابا كانوا فى مقدمة صفوف إسقاط المرسى، لكنهم متهمون بأنهم إخوان، وهى التهمة التى من أجلها لا بد أن يبقى الإخوان تنظيمًا له قدرة على إنتاج مظلوميته، فالدولة الأمنية بمشتملاتها أو بسعيها إلى الاستحواذ على السلطة ليست قادرة على هزيمة الإخوان بهذه البروباجندا الفاشلة التافهة المضادة للتفكير الغارق فى البغبغة والشرشحة ولا بتلك الأجهزة الأمنية التى لا بد من محاسبتها على الخطايا فى مواجهة الإرهاب وجماعاته أو الكشف عن حقيقة التواطؤ بالإفراج عن الإرهابيين (وهو ما كشف عنه مقال مهم لحسام بهجت فى موقع «مدى #مصر» عمن فكَّ أَسْر الجهاديين؟، قراءته مهمة لمن أراد الخروج من الهستيريا...).
الدولة الأمنية ليس لديها سوى أدوات القهر القديم ومظلوميات تنافس مظلوميات الإخوان ليغرق العقل تحت ركام هائل من ملامح التسول العاطفى... واجترار الدموع.. ومن خلف كل هذا تنشط المفاوضات واللقاءات التى ترتب لمرحلة ما بعد الانتخابات.
إنها سيناريوهات قديمة أصحابها يريدون حذف العناصر الجديدة التى رغم ضعف تنظيمها/ وعدم قدرتها الحالية على العبور من الاحتجاج إلى السياسة/ هى القوة المعطلة لكل سيناريو قديم... ولهذا فكل طرف ينتظر أن تعلن هذه القوة الجديدة انسحابها/ أو وقوعها فى دائرة اليأس الكامل وتعلن «ولا يوم من أيام يا مبارك» أو على الناحية الأخرى «ولا يوم من أيامك يا مرسى..».
.. إنها خزعبلات حرب الجثث الطافية، وتريد أن تحكمنا، وبعد التضحيات التى قُدمت منذ ٢٥ يناير لم نكن لنقف متفرجين على حرب الجثث.