(13) مدينة الحب والحر
الجمعة 28 رمضان
في منزل محمود حنفي بحارة الست نعيمة المتفرعة من شارع
الباب الأخضر
الساعة العاشرة صباحا
ميرفت وماجدة تقومان بعملية التنظيف والترتيب الأسبوعية
المعتادة
ومها ومديحة تقومان بجمع الملابس لغسلها
الأب والأم استيقظا مبكرا وجلسا في الحجرة الكبيرة يرتبان
لأمر الخطوبة والشبكة
محمود ما زال نائما لكن الأب طلب من مديحة :ادخلي صحيه
علشان نلحق نصلي الجمعة في مسجد المرسي أبو العباس
يخرج صوت محمود من داخل غرفته حاضر أنا صاحي من بدري
تدخل مديحة أقرب الميمات إلي قلبه لتري ماذا يفعل وتناكشه
شوية
وجدته ينهض وفي يده رباعية بحري للكاتب العالمي محمد
جبريل
-خلصت الرباعية ولا لسة
-لسة باقي كم صفحة
-وإيه أخبار أنيسة والشيخ حماد
-ينظر إليها محمود شذرا ثم يرميها بالمخدة وهو يقول اخرجي
يا قليلة الأدب هي دي أخرة قراية الروايات
ويرجع محمود إلي قراءة الرباعية ليري ماذا حدث مع أنيسة
والشيخ حماد حيث ينتهي الجزء الرابع من الرباعية (علي تمراز)
وتنتهي الرباعية بعودة أنسية مرة أخرى إلى ممارسة الجنس مع الشيخ حماد،
ولكن في هذه المرة ليس بغرض المتعة أو الحصول على النقود، ولكن بغرض الإنجاب مهما
تكن الوسيلة- فالصراخ في أعماقها، والعمر يجري، والمعايرات لا تنتهي، والإنجاب أمل
تدفع حياتها ثمنا لتحقيقه، الثمرة تشغلها، ولا تهمها الوسيلة وهي واثقة أن هذا
الأمر لن يعرفه أحد (إذا سكت الشيخ حماد، فهو ما تأمله، وإذا تكلم، فمن يصدقه ؟
وأخيرا انتهت الرباعية كم أنت عبقري يا محمد ياجبريل
يغلق الكتاب ويقوم ليحمل فوطته والجلابية البيضاء
الأب :يلا بينا يا محمود هنتأخر
-ماشي يا بابا أنا جاهز بس هجدد وضوئي
خرجا من المنزل وماشيا في شارع الباب الأخضر شمالا قاصدين
مسجد المرسي أبو العباس
وسأل الأب محمود تحب نمشي من علي البحر ولا من جوة
-نمشي من جوة علشان أشوف الحواري والدكاكين اللي وحشتني
من زمان مشفتهاش
-خلاص ندخل من زقاق مطاوع ومنه إلي فندق آمون
-عارف يا بابا بفكر أعمل الشبكة في فندق آمون أنا
وسلوي وحسين ومديحة
-بس قاعة الفندق مكلفة يا ابني وإنت في عرض كل قرش
-خلينا نفرح يا بابا وعموما خلينا نعرف التكلفة من الفندق
-دخلا استقبال فندق آمون
-لو سمحت عاوزين نسأل عن حجز القاعة 100 نفر ؟
-الموعد إمتي يا فندم اليوم والساعة
-هو العيد إن شاء الله الأحد أو الاثنين خلينا الثلاثاء
-للأسف يا فندم كل القاعات محجوزة أسبوع العيد كله
-الأب بركة يا جامع مش قلتلك بلاش ياابني موضوع الفندق
محمود لموظف الاستقبال :طيب في فاضي إمتي
-في قاعة 6 الصغيرة فاضية يوم السبت بكرة وهي تاخد 50 نفر
-نظر محمود لأبيه والأب مازالت تقاطيع وجه تعبر عن دهشته
-بكرة يا محمود
-خير البر عاجله يابابا
-بكم حجز هذه القاعة ؟
-القاعة والبوفيه ونمرتين أغاني عشرين ألف جنيه بعد الخصم
يا فندم
-صعق محمود ونظر إلي أبيه المشدوه من وقع المبلغ المطلوب
-محمود ينسحب قائلا شكرا جزيلا هنفكر ونكلمكم إن شاء الله
-ولا يهمك يا فندم ، فندق آمون في خدمة حضرتك
-خرجا من الفندق وبعد خطوات أطلقا العنان للضحك المكبوت
داخلهما
عشرين ألف يا ظلمة دا مهر عروسة يا ظلمة
انس الموضوع يا بابا
خلينا نسرع الخطي علشان صلاة الجمعة خلاص بدأت
تعالي ندخل من حارة الصاغة ومنها إلي حارة وكالة الليمون
وخرجا من حارة وكالة الليمون إلي شارع فرنسا (العامر ليلا
المهجور نهارا) الذي أفضي بهما مباشرة بعد أمتار قليلة إلي ميدان المساجد
الذي يضم مسجد أبو العباس المرسي أو المرسي أبو العباس
كما يطلق عليه الاسكندرانية ومسجد البوصيري صاحب قصيدة البردة في مدح النبي عليه
الصلاة والسلام ومسجد ياقوت العرش
-يصل محمود وأبيه إلي ميدان المساجد ويعطي محمود ظهره
لمسجد المرسي أبو العباس لينظر إلي البحر ويستنشق رائحة البحر المميزة في الأنفوشي
والتي يختلط فيها نسيم البحر برائحة السمك المشوي
-محمود :يأخذ نفس عميق ويقول شامم يا حاج رائحة السمك
المشوي
الأب :سمك مشوي في نهار رمضان كدة هتفطر يا ابني يلا بينا
ندخل الجامع عشان نصلي
-شوفت يا بابا الجمال المعماري للمسجد لو كان معنا حسين
الآن كان زمانه حكي لنا تاريخ المسجد وتاريخ صاحب المسجد كمان
-الأب وليه حسين في لوحة رخامية علي يمين الباب مكتوب
عليها كل شئ علقوها من كذا شهر
-هي فين ؟
-هناك
-أيوة شفتها بس خلينا نصلي الأول وبعد الصلاة نقف نقراها
براحتنا
-حضرا الخطبة الثانية وصليا ركعتي الجمعة ثم ركعتي السنة وشاهدا باب المقام الأخضر
للمرسي ثم انصرفا إلي خارج المسجد
اتجه محمود إلي لوحة تاريخ المسجد وصاحبه
حيث كتب عليها بخط رقعة :هذه هو مسجد العارف بالله
أبوالعباس المرسي
ويضم هذا المسجد ضريح الشيخ شهاب الدين أبو
العباس أحمد بن حسن بن على الخزرجى الأنصارى المرسي، الذي يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة.
أقام أبو العباس في الأسكندرية ثلاث وأربعين سنة إلى أن مات
في الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة 686 هـ وعمره سبعين سنة ودفن في مقبرة باب البحر.
يشرف المسجد على الميناء الشرقي بالأنفوشي وهو مبنى على
الطراز الأندلسي وبه الأعمدة الرخامية
والنحاسية وأعمدة مثمنة الشكل، وأهم ما يميز المسجد الزخرفة ذات الطراز العربى
والأندلسي، وتعلو القبة الغربية ضريح أبي العباس وولديه.
يقاطع الأب محمود الذي يقرأ بصوت مسموع :أول مرة أشوفك مهتم
بتاريخ المرسي أبوالعباس مع أنك عايش في المنطقة بقالك 30 سنة
-محمود (في تأثر ) يمكن السفر جعلني أحن للذكريات وكمان
الحاضر المؤلم يجعلنا نهرب إلي الزمن الجميل
-طب ياسيدي كمل بسرعة علشان الجو حر
ويكمل محمود قراءة اللوحة :في سنة 882 هـ الموافق 1477م كان المسجد قد أهمل فأعاد بناءه الأمير قجماش الأسحاقي
الظاهري أيام ولايته علي الإسكندرية في عصر الملك الأشرف قايتباي وبنى لنفسه قبراً بجوار أبي العباس ودفن فيه سنة 892 هـ.
وفي عام 1179 هـ الموافق 1775م وفد الشيخ أبو الحسن علي بن علي المغربي إلي الإسكندرية وزار ضريح أبي العباس المرسي فرأى ضيقه فجدد فيه كما جدد المقصورة والقبة ووسع في
المسجد.
وفي عام 1280 هـ الموافق 1863م لما أصاب المسجد التهدم وصارت حالته سيئة قام أحمد بك الدخاخني شيخ
طائفة البناءين بالإسكندرية بترميمه وتجديده وأوقف عليه وقفا، وأخذ نظار وقفه فيما
بعد في توسعته شيئا فشيئا.
الأب وقد نفذ صبره
:فاضل علي نهاية حصة التاريخ دي كتير يا مستر محمود
-خلاص يا حاج فاضل سطرين
بس
وظل المسجد كذلك حتى أمر الملك
فؤاد الأول بإنشاء ميدان فسيح يطلق عليه ميدان
المساجد علي أن يضم مسجداً كبيراً
لأبي العباس المرسي ومسجداً للإمام البوصيري
والشيخ ياقوت العرش.
وقام بوضع التصميم الحالي
له المهندس المعماري الإيطالي ماريو روسي وتم الانتهاء من بنائه العام 1943م.في عهد الملك فاروق الأول
***
بعد
أن انتهي محمود من قراءة اللوحة مصمص شفتيه وتصعب علي التاريخ العريق للأجداد
والحاضر المزري والمستقبل المجهول للأحفاد
-لكن تظل الأسكندرية لها سحرها ويكمن هذا السحر في عبق
التاريخ المتنوع من تاريخ إسلامي هنا وتاريخ قبطي وفرعوني وروماني هناك
-فعلا الأسكندرية مدينة عالمية علي أرض مصرية
مدينة العلم والعشق
مدينة الحب والحرب
الأب : تقصد مدينة الحب والحر
-خلاص يا ابن فطوطة خلصت الجولة السياحية
يلا بينا بقي علي البيت الجو حار والدنيا صيام
-حاضر يا بابا
وصلا شارع الباب الأخضر
من أقرب طريق وبأسرع خطي ومنه إلي حارة الست نعيمة ومنها دلفا إلي البيت
دخل محمود غرفته
و الأب دخل غرفته أيضا لينال قسطا من نوم القيلولة حتي آذان
العصر
خرج محمود بعد قليل وتذكر أنه نسي شنطة الفلوس في شقة سدش
فقرر الذهاب فورا حتي يستطيع الرجوع قبل المغرب وطلبت منه
مديحة أن تذهب معه حتي تحضر بعض الأغراض المنزلية من الشقة قد جلبوها معهم أثناء السحور الفسفوري ليلة أمس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق