البحث عن بدايات جديدة
عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي
آخر تحديث: السبت 10 يناير 2015 - 7:40 ص بتوقيت
القاهرة
طلبا للحقيقة وللسعادة، يستطيع الإنسان أن يعيد اكتشاف ذاته ويبحث عن
بدايات جديدة فى الحياة الخاصة والمسارات المهنية.
أثناء دراستى وعملى فى
أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، تعرفت على بعض أولئك القادرين على إعادة
اكتشاف الذات بشجاعة وجراءة نادرتين. أحدهم، وكان يحضر فى بداية التسعينيات
لماجستير الدراسات التنموية فى هولندا حيث التقينا، قرر دون مقدمات معلومة لنا
أصدقائه آنذاك التوقف عن دراسة كان قد قارب على إنهائها ومغادرة أوروبا والذهاب
إلى الشرق الأسيوى للاستقرار والعمل كمحرر صحفى متجول. وحين سألته فى اللقاء
الأخير الذى جمعنا عن دوافع التغيير الجذرى فى وجهة حياته، لم يقل إلا أنه سأم
انغلاق الأوروبيين على أنفسهم وضاق بأنماط استهلاكهم التى تقتل الطبيعة وتتجاهل
شيوع الفقر والمرض خارج الغرب ويريد بداية جديدة لذاته كإنسان يجتهد ليوعى الناس
بحقائق الدنيا بعيدا عن مركزية أوروبا والولايات المتحدة الخانقة للضمير. وقبل أن
يغادر الرجل هولندا، دعا بعض أصدقائه وكنت من بينهم إلى القدوم إلى شقته الصغيرة
لكى يأخذ كل منا ما يرغب به من متاعه ومتعلقاته، فهو قرر الذهاب إلى آسيا بحقيبة
ظهر صغيرة ودون مظاهر الرفاهية الأوروبية.
وهذا صديق آخر التقيته فى
الولايات المتحدة الأمريكية فى النصف الثانى من العقد الماضى، وكان محاميا بارزا
وكاتبا متميزا فى الشئون الاقتصادية والسياسية الدولية ونجح فى الوصول إلى منصب
رئيس تحرير مطبوعة شهرية ذائعة الصيت وبمقابل مادى أكثر من لائق. حين بدأت علاقتنا
فى التحول إلى صداقة حقيقية، أخبرنى الرجل صاحب الأصول الأمريكية اللاتينية بمروره
بأزمة نفسية طاحنة بسبب النفاق والخداع المحيطين به واللذين يتورط هو بهما إن خوفا
على منصبه أو رغبة فى الاحتفاظ بصلاته مع دوائر التأثير والنفوذ الاقتصادية
والمالية والسياسية. أخبرنى أيضا أن أزمته النفسية بدأت تنعكس بالسلب على حياته
الخاصة، وأنه يخشى أن تطلب زوجته الانفصال، وأن يرتب عجزه الإنسانى ابتعاد أولاده
عنه. وحين غادرت الولايات المتحدة إلى لبنان فى 2009 انقطع تواصلنا لفترة محدودة،
ثم عاد ليكتب لى واكتشفت أنه استقال من منصبه المرموق وذهب مع زوجته (وللمرة
الأولى فى زواجهما) لعملها هى فى جنوب إفريقيا، وأنه يرعى أولاده خاصة ابنته
الصغيرة ويعد كتابا عن خبرته المهنية فى المجال الصحفى والسياسى وعن قراءته
للمجتمع الأمريكى.
هذان نموذجان لحالة
إنسانية أشمل وأعم، وغير قاصرة لا على المجتمعات الأوروبية ولا على الولايات
المتحدة. حين تتعثر خطانا أو نشعر بالابتعاد عن الحقيقة والسعادة، قد يكون من
الأفضل لنا السعى إلى بدايات جديدة وصادقة لننقذ إنسانيتنا أو ما تبقى منها
ونتعامل بوعى مع المتاح لنا من وقت وطاقة وقدرة وفرص. وكما البشر كما المجتمعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق