السبت، 10 يناير 2015

وَظِيفَةُ السُنَّةِ عند الشيخ الغزالي

 
وَظِيفَةُ السُنَّةِ عند الشيخ الغزالي 
«يقول الشيخ الغزالي رحمه الله 
لقد كنت عندما أحب الاستشهاد بالكتاب والسنة في موضوع ما .. ألاحظ هذه الحقيقة، وأجد طائفة كبيرة من الأحاديث تطابق فى معانيها وأهدافها ما تضمن القرآن الكريم من معان وأهداف، وأن هذه الاحاديث
 قد تقرر المعنى نفسه، الذي احتوته الآية،
أو تقرر معنى آخر، يدور فى فلكه وينتظم معه فى اتجاه واحد، وإن بَدَا للعين المجردة أن الصلة بينهما بعيدة.
فمن القبيل الأول ـ مثلاً ـ يقول الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ».
فإن هذا المعنى لا يخرج عن قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].

وسرد الأمثلة التي من هذا النحو يطول.
ومن القبيل الثاني ـ مثلاً ـ أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا، وَنَهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ».

فإن هذا الحكم الذي جاءت به السُنَّةُ مشتق من تحريم القرآن للترف واعتباره المترفين أعداء كل إصلاح، وخصوم كل نبوة وعوامل للهدم فى كل أمة: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34].

والنهى عن اتخاذ القبور مساجد ـ وقد جاءت به السُنَّةُ ـ هو في الحقيقة حماية حاسمة للتوحيد الذى ضل عنه النصارى بما اتخذوا من معابد على قديسيهم حتى احتج مشركو مكة بذلك وهم يعارضون الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ} [سورة ص: 7].

وَالسُنَّةُ التى تكون بهذه المثابة في تقرير غايات القرآن المرسومة أو المفهومة. أو التى تفصل مجمله وتوضح مشكله .. تأخذ قسطًا كبيرًا من عناية المسلمين، ومنزلتها من أدلة الأحكام الشرعية معروفة ..

وهناك سنن أخرى تخصص أحكامًا عامة في القرآن.
ففى قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
بينت السُنَّةُ أن الابن القاتل لاَ حَظَّ له في ميراث.

وفي قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... } [المائدة: 3].
بينت السُنَّةُ أن هناك مباحين في كل من هذه المحرمات: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان، السَمَكُ والجَرَادُ، وَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ».

وفى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].

بَيَّنَتْ السُنَّةُ أن ليس كل سارق يقطع. إذ لا قطع فيما دون النصاب المقرر، ولا قطع على جائع ينشد طعامه، ولا على مغصوب يسترد ما أخذ منه ..

فإذا ثبت القطع، ففى اليمين، وعند الرسغ، كما بَيَّنَتْ السُنَّةُ ..
وقد جاءت السُنَّةُ بأحكام يسرت بعض العزائم التى أمر الكتاب العزيز بها. فالقرآن مثلاً يأمر بغسل القدمين ويعد ذلك رُكْنًا في الوضوء .. وتنظيف الرجلين أمر لا بد منه في صحة الصلاة.

وقد بين رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الرجل إذا أدخل قدميه طاهرتين في خفيه أو جوربيه، فليس بضرورى أن يعيد غسلهما كلما أراد الوضوء.
وبحسبه أن يمسح على ظاهرهما ـ فوق الحذاء أو الجورب ـ إشارة إلى الركن الذى لحقته الرخصة.

وهذا الذي صنعه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر به ليس هوى جنح إليه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 2، 3].
إنما هو إرشاد الله له، وهو عمل يتسق مع قاعدة الإسلام الأولى في السماحة والتيسير، وليس فيه أي تناقض مع تعاليم القرآن.

ونستطيع أن نقول: إنه ليس هناك سُنَّةً تعارض حُكْمًا قرآنيًا ما، بل إنه من المستحيل أن يوجد حديث يعارض أحكام القرآن الخاصة، أو قواعدة العامة.

ثم إن الحديث الواحد لا نأخذه على حدة عند الاستدلال، بل يجب أن نأخذ كافة الأحاديث التى وردت في موضوع واحد ثم نلحقها بما يؤيدها ويتصل بها من الكتاب الكريم، ولن نعدم هذه الصلة. اهـ.

يقول العلامة  القرضاوي لقد أطلت النقل هنا قصدًا لأبين موقف الشيخ الغزالي المبدئي والأساسي من السُنَّةِ، وهو موقف العالم المسلم المتشبث بها، الغيور عليها، المدافع عنها، المهاجم لأعدائها، الحريص على حُسْنِ فهمها. أما الخلاف مع الشيخ فهو في التفصيلات والأمثلة التطبيقية، وهذه لا ينبغى أن تعكر صفاء المبدأ المسلم، والقاعدة المقررة

بحث موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية للقرضاوي مجلة مركز بحوث السنة والسيرة 8 ـ 1415 هـ

ليست هناك تعليقات: