الخميس، 15 يناير 2015

قراءة في كتاب "العرب والإيرانيون" لرضوان السيد

العرب والإيرانيون

عرض/حسين عبد العزيز
لا يعالج كتاب "العرب والإيرانيون" لرضوان السيد واقع العلاقة بين إيران والعرب في الزمن الحاضر فحسب، بل يتناول الواقع السياسي والديني في الفضاءين الإيراني والعربي خلال القرون الماضية والوقوف على التمايزات والتشابهات.

يستعين السيد في مؤلفه بالمنهج القومي والجيوإستراتيجي الذي يستخدم القوة والدين والمذهب والثقافة للتحشيد أو لفرض الوقائع على الأرض، كما يقول.

ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول وخاتمة، يبحث الفصلان الأول والثاني الحراك السياسي والثقافي والديني والمدني لدى إيران والعرب، والعلاقة المتوترة بين السنة والشيعة، أما الفصول الباقية الصغيرة فتتناول واقع العلاقات السياسية والتدخلات الإيرانية في العالم العربي.
الدولة والإسلام والمجتمع المدني 
يعود رضوان السيد في هذا الفصل إلى القرون الوسطى لتتبع مسارات التطورات السياسية والدينية في إيران مع إجراء بعض المقارنات للحالتين العثمانية والمصرية.

ظلت المؤسسة الدينية منفصلة عن الدولة في إيران ولا تتدخل في السياسة، بسبب خصوصية الشيعة الاثني عشرية (انتظار المهدي صاحب الزمان)، وتوكيل الأمور الدينية إلى الفقهاء العدول، غير أن العلاقة بالسياسي بدأت تتغير عندما أصبح الأمر يتعلق بمصلحة الجماعة، وأصبح التدخل الديني في السياسة أمرا واقعا مطلع القرن التاسع عشر مع انتصار تيار الأصوليين على تيار الإخباريين.

في هذه المرحلة عمد القاجاري فتح علي شاه بدايات القرن الـ19 وخليفته إلى إجراء إصلاحات في الجيش وإدارة الدولة، وهو ما أثار حفيظة رجال الدين الذين تزعموا حركة احتجاج نهاية القرن الـ19 ضد امتياز احتكار التبغ لشركة إنجليزية، واندفع المجتهدون الإصلاحيون على رأس الأنتلجنسيا والبازار لإرغام الشاه على إقرار الدستور والحكم الشوروي عام 1906، ومن إنجازاتها إقامة سلطة تنفيذية مسؤولة أمام البرلمان وتشجيع قيام حياة حزبية.

غير أنه سرعان ما وقع انقسام بين المجتهدين حول البرلمان والدستور، ويعزو المؤلف سبب ذلك إلى أن رجال الدين الكبار ما كانوا على درجة من التسيس تمكن من فهم التعقيدات المحيطة بقضايا الدستور والبرلمان بخلاف تلامذتهم ممن شاركوا في البرلمان.

ثم ما لبثت التجربة البرلمانية الإيرانية أن تلقت ضربة قاصمة مع وصول رضا شاه إلى الحكم عام 1925، وكان هذا الوضع مشابها -يقول المؤلف- للوضع في مصر وتركيا بين المجددين والتقليديين من رجال الدين، إلا أن المجددين والإصلاحيين ظل صوتهم أعلى لانتظامهم في مشروع الدولة للتحديث والتجديد.

تلقت الحياة السياسية في إيران ضربة أخرى منتصف خمسينيات القرن المنصرم، وبدأت مرحلة النشاط السري المعادي للسلطة السياسية، وقد جاء التمرد الديني بزعامة الخميني مبكرا، ويرد رضوان السيد ذلك إلى الطبيعة المكشوفة لنظام الشاه القائم على الاستبداد الداخلي والتبعية للخارج من جهة، ولامتلاك الجهات الدينية تنظيما فضفاضا حول آيات الله والمراجع من جهة ثانية مما يمكنها من الحركة بفعالية.

الشيعة والسنة
يقسم رضوان السيد التوتر بين الشيعة والسنة إلى ثلاث مراحل:
-
الأولى: كان فيها الصراع تكوينيا ومتشابكا، حيث كان القرن الرابع الهجري قرنا شيعيا بامتياز، ساد فيه الفاطميون بالمغرب ثم مصر والشام، وسيطر البويهيون على شرق العالم الإسلامي وصولا إلى بغداد، ومن الناحية الفكرية كانت الاثنا عشرية في طور التكوين، كما هو الحال أيضا عند السنة حيث كانوا في مرحلة التكوين الفكري (التمايز العقدي بين الأشعرية من جهة والحنابلة والسلفية وأهل الحديث من جهة ثانية).

ويرى المؤلف أن هذه المرحلة كانت حاسمة في الصراع لثلاث جهات، أنها المرة الأولى أن يقول المؤرخون بوجود صراع سني-شيعي، وأنها المرة الأولى أن تعلن الدولة العباسية عن نفسها باعتبارها دولة أهل السنة والجماعة، ولأن المذهبين الإسماعيلي والزيدي شهدا انحسارا كبيرا بين القرنين الخامس والسابع الهجريين.

-
الثانية: بدأت في القرن الثامن الهجري مع سقوط الخلافة وقيام الدولة الإيلخانية/المغولية شرق الفرات، المقابلة للدولة المملوكية غرب الفرات في الشام ومصر، وعمل كلاهما على ملء الفراغ الجيوسياسي والأيديولوجي.

ويذهب المؤلف إلى أن فشل الدولة الإيلخانية في القضاء على المماليك دفعهم لاعتناق المذهب الشيعي الاثني عشري مبدعين تقليدا جديدا حيث أظهروا إقامة دولة شيعية رغم غياب الإمام توافقا مع مصالحهم، إذ لن يخضعوا لمرجعية حاضرة.

في هذه الحقبة يقول رضوان السيد كان الصراع دينيا وجيوسياسيا على عكس الحقبة الأولى التي كان الصراع فيها جيوسياسيا فقط.

الثالثة: وهي الحقبة الحاضرة، ويعزو المؤلف سبب التوتر فيها بين السنة والشيعة إلى ظهور الدولة الوطنية واندلاع حركة الإحياء الديني لدى الطرفين والحرب الباردة والسياسات الدولية.

فالتمايز والتوجس بين الجانبين ازداد مع الخلافات الحدودية التي غيرت ما استقرت عليه الأمور تاريخيا، ثم لعبت طرائق إيران في عصر ولاية الفقيه وعلاقتها مع الشيعة خارج إيران في ازدياد هذا التوتر، وكانت الإحيائية لدى السنة أيضا عاملا آخر في ازدياد التوتر بين السنة والشيعة.

إيران والجوار العربي 
يتتبع السيد العلاقات العربية-الإيرانية منذ تولي هاشمي رفسنجاني الرئاسة في إيران، ففي عهده شهدت العلاقة بين الجانبين تحسنا ملحوظا مع وجود رغبة عربية في ذلك، لكن مع الحضور العسكري الأميركي الكبير في العراق منذ العام 2003 حدثت تطورات أثرت في العلاقات العربية-الإيرانية: 

ـ تفاقم المذابح الداخلية بين السنة والشيعة في العراق.
ـ مقتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري.
ـ قيام حزب الله بعملية ضد الجيش الإسرائيلي.
ـ التحالف بين إيران وسوريا على إقامة محور لمقاومة التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي حيث العرب منقسمون حول القضية الفلسطينية.
ـ تردي العلاقة بين إيران والسعودية وبعض دول الخليج في ضوء التوترات التي تقف وراءها إيران في العراق والبحرين ولبنان واليمن.

يؤكد المؤلف أن هناك ثلاث مسائل في المرحلة الحاضرة ستبقى لها آثار سلبية على العلاقات بين إيران والعرب في العقد القادم، استمرار الاضطراب الأمني والسياسي في العراق ولبنان والبحرين واليمن أولا، والدخول القوي على خط القضية الفلسطينية سياسيا وعسكريا ثانيا، والدخول على خط الاستقرار الداخلي في عدد من الدول العربية ثالثا.

النفوذ الإيراني عربيا
بعد تناول واقع العلاقة المتوترة بين إيران والعرب يخصص المؤلف الفصلين الرابع والخامس للوقوف على وجوه النفوذ والاختراق الإيراني للمجال العربي.

من هذه الاختراقات التهديدات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والديني التي أخذت في العقد الأخير شكلين، الأول التحالف مع حركات الإسلام السني كالإخوان المسلمين والحركات المشابهة في مصر والأردن والسودان وفلسطين، والشكل الثاني توجيه حركات الصحوة في البلدان العربية التي توجد فيها مجموعات سكانية شيعية.
لكن أهم الاختراقات الإيرانية وأخطرها وستكون لها آثار سلبية على التوحد الداخلي في المجتمعات العربية وعلى الهوية والانتماء، هو الاختراق المذهبي والسياسي، حيث بذلت إيران جهودا في نشر المذهب الشيعي في عدة بلدان عربية.

أما الاختراقات السياسية الإيرانية فأهمها حالة حزب الله، ثم النفوذ الإيراني في البحرين حيث تعد في القاموس السياسي الإيراني مملكة تابعة لإيران، ثم الاختراق الإيراني في اليمن عبر جماعة الحوثيين، ناهيك عن الاختراق الكبير في العراق.

ويعتبر السيد أن علاقة إيران مع شيعة هذه الدول تأتي ضمن مشروع ديني سياسي للثورة الإسلامية الإيرانية التي ترمي إلى إلحاق الشيعة بالمرجعية الإيرانية مع غلبة الطابع الأمني السياسي على هذه العلاقة.

بعد ذلك يتناول المؤلف سريعا العلاقة بين إيران من جهة والعراق واليمن وسوريا، وهي علاقة تجسد حال الاختراق الإيراني بوضوح سواء في العراق من خلال الشيعة هناك، أو في اليمن من خلال الحوثيين أو في سوريا من خلال العلاقة الإستراتيجية مع النظام.

بناء على ذلك يبين السيد وجود عدة بؤر توتر في العالم العربي اصطنعتها إيران، معتبرا أن حالة التوتر هذه ستستمر ليس بسبب هذه البؤر بل بسبب طريقة التفكير الإيرانية، وإذا كان العرب ما زالوا يفتقرون إلى عرض واضح وإستراتيجي تجاه إيران، فإن الإيرانيين مطالبون اليوم أكثر بالتغيير في سياساتهم الخارجية تجاه منطقتي الجوار العربي والإسلامي.

المصدر : الجزيرة

ليست هناك تعليقات: