‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطفي النجار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطفي النجار. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 26 فبراير 2014

هل اكتشفنا دواء الإيدز وفيروس سي؟

مصطفى النجار
«سى فاست»: 22 سنة من «العمل السري» قبل «الاعتماد»
«وزارة الصحة»: اعتمدنا الجهاز بعد إظهاره «نتائج مذهلة»
كومبليت كيور يدمر فيروس «سي» في 20 يومًا فقط
مريض يروي تفاصيل شفائه: تطوعت للعمل في الفريق البحثي ردًّا للجميل
فريق البحث: لا نصدق أنفسنا.. هزمنا العدو الصعب
عصام حجي المستشار العلمي لرئيس الجمهورية: العلاج المزعوم فضيحة علمية ودولية لمصر

كان هذا ملخص توالي الأحداث بعد خبر إعلان اختراع جهاز يقضى تمامًا على فيروس الإيدز وفيروس سى، وتحول النقاش من نقاش علمي طبي إلى سجال سياسي قام بتصعيده الموالون للسلطة من سياسيين وإعلاميين انطلقوا ينهشون في كل من يتساءل بحسن نية عن تفاصيل الاكتشاف ويتهمونه بعدم الوطنية والتشكيك في الجيش والتبعية للغرب، وطالب بعضهم بإقالة الدكتور العالم عصام حجي مستشار الرئيس العلمى بعد استنكاره للموضوع وتحذيره من أنه سيتسبب في فضيحة علمية ودولية لمصر!
في مصر نقوللا) لإقحام الدين بالسياسة و(لا) لإقحام الرياضة في السياسة، ويبدو أننا سنقول (لا) لإقحام الطب في السياسة بعد أن انطلقت حرب ضارية بين الساخرين والمشككين وبين الموالين والمؤيدين والمبررين، وشهدت الأيام الماضية أكبر كم من النكات والتصميمات الساخرة على إثر هذا الموضوع، وما بين الساخرين والمهللين يجب التعامل مع القضية بشكل علمى بعيدا عن المواقف السياسية ومحاولات النفاق من البعض وتضخيم إنجازات لم يتم التحقق منها بعد، ولا يصح أيضا تحقير أي جهد مبذول بل يجب شكر صاحبه لأنه اهتم بالبحث عن علاج لمرض يموت بسببه عشرات الآلاف من المصريين كل عام ويعاني الفقراء المصابون به من ارتفاع ثمن العلاج، والذي رغم ارتفاع ثمنه لا يضمن الشفاء النهائي، لذلك فهذا المقال لن ينتصر لطرف على طرف بل سيترك للتجربة العلمية والمنهج العلمي المعروف عالميا الحكم على صحة ما نشر حول هذا الاختراع من عدمه وسيأخذ القارئ إلى رحلة للتعرف على مراحل تصنيع أي دواء في العالم.
إن عملية طرح دواء جديد في السوق للاستخدام البشري عملية معقدة ومكلفة للغاية لأنها تتطلب الكثير من الدراسات والتجارب حتى يتم الموافقة عليه من قبل جهات متخصصة حكومية أو دولية، وأشهر هذه الجهات هي إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، ويمكن تلخيص هذه الخطوات كالتالي مع أخذ الـ FDA كمثال لجهة عالمية متخصصة في اعتماد الأدوية والتصديق عليها.
أولا: الحاجة إلى الدواء
تبدأ الفكرة بأن هناك حاجة إلى دواء معين من قبل شركات الأدوية المصنعة والمسؤولين عن التسويق الدوائي عقب معطيات بحثية طبية وتسويقية تحدد الخصائص المطلوبة لدواء معين وهل سيكون هناك إقبال وطلب عليه من قبل الجمهور أم لا.
ثانيا: البحث عن مواد التأثير الفعالة
تقوم شركة الأدوية بتوظيف أشخاص مختصين في علم الأدوية والكيمياء والبيولوجي والباثولوجي وغير ذلك من التخصصات المطلوبة والذين لديهم الكفاءة العالية للبحث عن دواء بالمواصفات المطلوبة وأهم هذه المواصفات طريقة التاثير mechanism of action) ) فيقومون بالبحث عن مواد ومركبات كثيرة ومتنوعة تجرب على الحيوانات وليس الإنسان وملاحظة التأثير البيولوجي ودرجة صحتها وأمانها وتحتاج هذه التجارب إلى ما يقارب ثلاث سنوات ونصف السنة ويتم فيها الحصول على عدد كبير من المركبات المطابقة للمواصفات المبدئية.
ثالثا: الموافقة المبدئية على المواد الأولية
ترسل هذه المواد إلى FDA للموافقة عليها كمواد مبدئية لدراستها على الإنسان وليس الموافقة على طرحها في السوق، وخلال 30 يوما من تاريخ إرسال المركبات إذا لم يصل أي اعتراض فإن هذا يعني الموافقة وبدء تطبيق الدراسة على الإنسان، وإذا حصل رفض لبعض المركبات فإنها لا تجرب على الإنسان، وبقية المركبات التي لم يتم رفضها يتم البدء بتجريبها على الإنسان وهذه المواد بعد هذه المرحلة تسمى Investigational New Drug
رابعا: مرحلة الاحتكار
تبلغ مدة مرحلة الاحتكار 20 سنة حيث تظل المواد المكتشفة (المادة الفعالة) ملكا للشركة المكتشفة ولا يجوز لأي شركة أخرى أن تنتج الدواء إلا بعد مضي عشرين عاما من قرار FDA والهدف من ذلك هو ضمان حقوق الشركة المكتشفة الأولى التي استمرت ما يقارب ثلاث سنوات ونصف السنة في الدراسة والبحث ودفع مبالغ باهظة للوصول لتلك المواد.
خامسا : التجارب على الإنسان
يدخل الدواء هنا 4 مراحل من الدراسة والتطبيق العملي على الإنسان حتى تعتمده إدارة الغذاء والدواء من أجل طرحه في السوق.
المرحلة الأولى
تبلغ مدة هذه المرحلة سنة كاملة ويتم فيها تطبيق الدواء على أشخاص أصحاء تماما وليسوا مرضى ويبلغ عددهم من 20 – 80 شخصًا أو أكثر، وذلك لدراسة الخصائص البيولوجية للدواء وهذه الخصائص مثل الأمان والجرعة والجرعة السامة ومدة بقائه في الجسم وطرق امتصاصه وإفرازه والشكل المناسب له، وغيرها من الخصائص، وتحديد إن كانت له آثار تسممية أم لا، فإذا وجد أنه غير سام ومن الممكن استخدامه على الإنسان يدخل المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية
وتبلغ مدة هذه المرحلة سنتين ويتم فيها تطبيق الدواء على 200 – 300 مريض على الأقل وذلك لدراسة الفعالية والمضاعفات الجانبية التي من الممكن ألا تظهر على الأشخاص الأصحاء.
المرحلة الثالثة
وتبلغ مدة هذه المرحلة ثلاث سنوات ويتم فيها تطبيق الدواء على 1000 – 3000 مريض ودراسة العوامل المدروسة في المرحلة الثانية نفسها، وذلك لتطبيق الدراسة على عدد أكبر وفترة أطول والتأكد من أن النتائج سليمة، لأنه ومن المعروف أن بعض المضاعفات الجانبية أو التأثيرات من الممكن أن تكون نسبتها قليلة أو تحتاج لفترة أطول حتى تظهر وهذا هو هدف المرحلة الثالثة.
المرحلة الرابعة
وهي مرحلة مراقبة الدواء خوفا من ظهور أعراض جانبية لم تظهر من قبل في الدراسات السابقة وكذلك تأثير الدواء في حالات وجود أمراض أخرى، لأنها لا تظهر إلا بعد التطبيق الفعلي للدواء.
سادسا: الموافقة على تسويق الدواء الجديد
بعد تطبيق الدراسات السابقة وتجريب الدواء على الإنسان والحيوان والتأكد من أنه صالح للاستخدام البشري، تقوم الشركة برفع طلب إلى FDA للموافقة على طرح هذا الدواء في الأسواق، وذلك بتقديم طلب يسمى New Drug Application – NDA ويحتوي هذا الطلب على جميع المعلومات عن الدواء الجديد والدراسات التي أجريت خلال المراحل الأولى والثانية والثالثة ونتائجها كاملة وذلك كي تسمح لهم منظمة الغذاء والدواء العالمية بطرحه في الأسواق وعمل التسويق له.
ويستمر الطلب لديها مدة سنتين ونصف السنة حتى يتسنى لهم الموافقة على طرح هذا الدواء الجديد في الأسواق وعرضه للمرضى، وفي هذه الحالة وبعد انقضاء عامين ونصف العام توجه FDA الرد للشركة إما بالموافقة أو طلب إعادة دراسة ملاحظات معينة للتأكد منها والتأكد من سلامة الدواء، ومن الممكن أن تزيد فترة السنتين ونصف السنة إلى 6 سنوات حتى تحصل الشركة على الموافقة وأحيانا بعد كل هذه الدراسات تقوم FDA برفض الدواء بالكامل وعدم السماح للشركة بتسويقه.
سابعا: عائدات الشركة المنتجة
إن هذه الدراسات بكاملها على دواء واحد فقط تحتاج إلى ما يقارب 800 – 900 مليون دولار حتى يتم الحصول على النتائج الكاملة عن الدواء، وهذه التكلفة الباهظة لدراسة الدواء والتي ستدفعها الشركة هي التي جعلت من حق الشركة احتكار الدواء لنفسها لمدة 20 عاما.
ثامنا: الدواء الأول Brand
إن الدواء الذي ستقوم الشركة بطرحه إلى الأسواق والذي يحمل اسما تجاريا معينا سيكون هو الدواء الأول ويحمل اسم Brand وبعد انتهاء عشرين عاما إذا قامت أي شركة أخرى بإعادة تصنيع الدواء باسم تجاري آخر فإنه سيحمل اسم Generic.
تاسعا : ظهور generics
حتى تقوم أي شركة أخرى بطرح بديل جديد في الأسواق للدواء الأصلي الـ brand فإنها يجب أن تطلب الموافقة من FDA، وذلك بقيامها بإعداد بعض الدراسات على منتجها الجديد الـ generic، ولكن هذا النوع من الدراسات لا يضم دراسة الجرعة والمضاعفات الجانبية وغير ذلك لأنها قد تمت من قبل الشركة الأصلية إلا أن شركة الـ generic يجب أن تقوم بدراسة المواد المضافة للدواء وطرق التغليف والأشكال المطروحة.
عاشرا: متى يعتبر الدواء دواء معترفا به؟
لا يعتبر الدواء معترفا به ومصرحا بتداوله داخليا وخارجيا إلا إذا مر بهذه السلسلة الطويلة من المراحل والتى تبدو معقدة، ولكن تم الاتفاق عالميا عليها كمعايير تمثل الحد الأدنى لحماية صحة البشر وعدم العبث بأرواحهم.
وتقريبا رحلة اكتشاف وصناعة وتجريب أي دواء واعتماده للخروج من المعمل إلى الصيدليات لا تقل عن 10 سنوات سنة، وقد تزيد على ذلك في بعض الأحيان.
وفي النهاية يجب أن نتريث ونحصل على معلومات وافية وكاملة حول الإعلان عن اكتشاف علاج نهائي للإيدز وفيروس سي لأن الأمر لن يصبح قضية داخلية فقط بل عالمية ستحوز اهتمام كل وسائل الإعلام العالمية والأوساط الطبية والبحثية الدولية التي لن تتعامل معنا بما تروجه بعض وسائل الإعلام عندنا والتي أقحمت الطب في السياسة ومارست التطبيل المعهود وحولت القضية لدعاية انتخابية.
في الخارج لا يعرفون ولا يعترفون سوى بالحقائق العلمية والطرق المنهجية فقط، وإذا ظهر ما يخالف ذلك فستكون إساءة بالغة لسمعة مصر على المستوى الدولي سياسيا وعلميا.