حسام مؤنس
تخرج مصر فى ٣٠ يونيو للتخلص من فاشية باسم الدين لتقع أسيرة لفاشية جديدة حتى وإن ارتدت غطاء (الوطن)، فقد كانت واحدة من كبرى خطايا الإخوان وحلفهم أثناء السنة التى حكموا فيها البلاد أنهم يعتبرون من يخالفهم فى الرأى خارجا عن الدين وكافرا.
بينما الآن تجد نغمة سائدة منتشرة بدأت من بقايا نظام مبارك وامتدت لوسائل إعلامهم وأثرت فى قطاعات من الرأى العام ليصبح كل من يخالفهم خارجا عن الوطن وخائنا!
المذهل هو أن أكثر من أساءوا للدين بممارساتهم هم من تحدثوا باسمه وكفروا معارضيهم، وأن أكثر من أساءوا للوطن وأجرموا فى حق الشعب بسياساتهم وممارساتهم هم من يتحدثون الآن باسمه ويخوّنون مخالفيهم. لكن المذهل أكثر أن كليهما لم يستوعب الدرس، فلا التكفير ولا التخوين أتيا ثمارهما، بل كانت غشاوة عيون للحظات، التقط بعدها شعبنا رؤيته الصافية وبصيرته الحية فخرج ضد كليهما وانتصر لثورته ولأحلامه بوطن حر عادل مستقل.
لا يعنى ذلك إطلاقا أن مصر لا تتعرض لمؤامرات، داخلية وخارجية، وأن الدولة تواجه حربا جادة وخطرة، لكنه يعنى ببساطة أن هؤلاء الذين يتصورون أن مواجهة التآمر ضد مصر وشعبها وثورتها بالسياسات الحالية، وأن مواجهة الإرهاب تتم بممارسة أمنية تزرع بذور الإرهاب وتعمقه وتزيد رقعته بأكثر مما تقضى عليه، وهؤلاء الذين يستغلون كل ذلك لإعادة الخوف لقلوب المصريين وتمرير سياساتهم واستعادة نفوذهم ومصالحهم، هؤلاء جميعا هم أنفسهم من وصلوا بنا إلى ما نحن فيه، وهؤلاء الذين كانوا طرفا فى المشكلة لا يمكن أن يكونوا جزءاً من حلها، وهؤلاء الذين ينتمون للماضى وعقولهم أسيرة لطرق التفكير القديمة لا يمكنهم إدارة المستقبل وتبنى أفكار جديدة وحديثة لمواجهة التحديات التى يتعرض لها الوطن.
ولا يعنى نقدنا إطلاقا لممارسات المواجهة الأمنية أننا لا نتعاطف وننتمى ونتألم لدماء شهدائنا من ضباط وجنود الشرطة والجيش، وهم بالمناسبة فى أغلبهم من نفس القطاع الأعظم من المصريين البسطاء الفقراء الحالمين بحياة كريمة وحرة فى وطنهم، وهم من خرجت الثورة بالأساس لهم وبهم، وهم من سنبقى نؤمن بهم وننحاز لهم وننتصر بهم، وإنما هو باختصار يعنى نقدا لمواجهة تكرار الأخطاء التى يعد عدم الاعتراف بها فى درجة الخطايا، والاستمرار عليها فى درجة الغباء، فلا يمكن أن تكون مواجهة الإرهاب بالقبض العشوائى، ولا باعتقال شباب واجه سلطتى مبارك والإخوان، ولا بتوسيع رقعة الإحساس بالظلم، ولا باستعادة ممارسات لا تمت للإنسانية ولا لاحترام الحقوق والحريات بصلة، ولا يمكن أن تكون مواجهة المؤامرات بتسييد نغمة سياسية وإعلامية وشعبية تشوه كل من يختلف، وتخوّن كل من يقول رأيا، وتعادى كل من يسعى للتنوع والتعدد.
رائحة الكراهية والتخوين مصحوبة بالتشويه وتضليل الوعى التى سادت فى مصر فى الشهور الأخيرة، هى بذاتها جريمة تتحمل جماعة الإخوان وقادتها جزءاً كبيراً من مسؤوليتها بما غرسته من انقسام فى هذا المجتمع، وبسلوكها الغاشم بعد ٣٠ يونيو، لكن أيضا تتحمل السلطة الحالية بكل أركانها جزءاً ليس هينا من مسؤوليتها، إما بكونها طرفا مباشرا فى تغذيته ونموه، أو على الأقل بصمتها عليه وعدم مواجهته بشكل جاد وبإجراءات واضحة لا بتصريحات وخطابات.
مصر لن تكون مجددا أسيرة لفاشية، أياً كان اسمها ودافعها، مصر الحرة المتنوعة المتعددة الرائعة بوحدتها فى صف أهداف ثورتها هى الباقية، وهى التى ستنتصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق