الخميس، 8 يناير 2015

كيف نقرأ التاريخ ؟


973-كيف نقرأ التاريخ ؟
خالد الخالدي –موقع قصة الإسلام
بعد مدة طويلة من القراءة والبحث في مجال التاريخ، أقدِّم للمقبلين على قراءته خلاصة تجربتي وقناعاتي في الكيفية التي ينبغيأن يُقرأ بها.
أولاً: لا بد للمقبل على  قراءة التاريخ من إدراك الفوائد العظيمة التي تعود على قارئه؛ إذ سيضيف قارئ التاريخ إلى تجربته تجارب ملايين الأشخاص، وآلاف السنين، فتجارب الصواب والخطأ عبر التاريخ ستكون أمامه، وبالتالي فإن قدرته على تجنب أخطاء الآخرين، والإفادة من تجارب نجاحهم، ستكون أكبر بكثير من قدرة الجاهل في التاريخ. ولذلك انتبه بعض خلفائنا وقادتنا إلى ذلك، وأقبلوا على قراءة التاريخ؛ فمعاوية كان يجلس بعد صلاة الفجر من كل يوم في المسجد لقراءة التاريخ، إذ كان يأتيه يوميًّا عُبيد بن شريّة الجرهمي، فيقرأ عليه أخبار الملوك القدماء وأحوالهم وحروبهم، وهذا الإمام الشافعي ينصح بقراءة التاريخ، فيقول: "من عرف التاريخ زاد عقله".
كما انتبه الأجانب في العصر الحديث لأهمية قراءة التاريخ، فهذا المؤرخ س.ل. راوس يقول في كتابه (التاريخ أثره وفائدته) الذي كتبه سنة 1962م: "إذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصل إلى حكم العالم في يوم من الأيام، فإني أنصح أولي الأمرفي أمريكا أن يهتموا جدًّا بأقسام التاريخ في المعاهد والجامعات الأمريكية، وألاّيوصلوا إلى هذه الأقسام إلا خيرة أبنائهم وأذكاهم وأنبههم، وألا يوصلوا إلى مراكز القيادة السياسية والعسكرية والاجتماعية إلا أولئك المتخصصين في التاريخ".وقد أخذ الغرب عمومًا بهذه النصيحة، إذ إن أذكى أبنائهم يتوجهون لدراسة التاريخ، وأكثر الأقسام نصيبًا من اهتمام الحكومات هي أقسام التاريخ، وأكثر القادة السياسيين والعسكريين عندهم من المتخصصين في التاريخ.
ثانيًا: يجب أن يُقرأ التاريخ بقصد الاعتبار، والإفادة منه للحاضر، لتُقلَّد تجارب الصواب،وتُتَجنَّب الأخطاء. وهو منهج القرآن الكريم في استخدام التاريخ.
ثالثًا: يجب أن يعلم القارئ في التاريخ أن كثيرًا من الأخبار الواردة في المصادر التاريخية غير صحيحة، فهناك من تعمَّد تسجيل الروايات الكاذبة في كتابه خدمة لمذهبه السياسي أو الديني، كالمسعودي. وهناك من كان منهجه من المؤلفين أن يسجل كل ما جاءه من روايات، منسوبة إلى راويها، ولم يمحصها إنما ترك هذه المهمة للقارئ، مثل الطبري. وهناك من سجلا لمبالغات والأساطير ليشد القارئ.
رابعًا: هنا كمعايير تُميَّز بها الروايات الكاذبة من الصحيحة؛ فمثلاً: لا تقبل الروايات التيتتحدث عن أخبار لا يقبلها العقل السليم، ولا تتفق مع المنطق، فمثلاً إذا علمنا مكان وقوع معركة ووجدنا أنه لا يتسع لأكثر من مائة ألف مقاتل، فإنا لا نقبل الرواية التي تبين أن عدد المقاتلين ثلاثمائة ألف. ولا تقبل الروايات التي تتناقض تمامًا مع السيرة العامة لحياة الشخصية؛ فمثلاً السيرة العامة لـ"عمر" رضي الله عنه التقوى والعدل والاستقامة، لذلك لا نقبل عنه رواية تطعن في سيرته، ولاتقبل الرواية التي تقدِّم شهادة الخصم في خصمه، خصوصًا إذا كانت تقدح في المروي عنه.
خامسًا: الكتب التاريخية التي ألفها محدِّثون أكثر صدقًا ودقة من الكتب التي ألفها أدباء ومؤرخون لا علاقة لهم بعلم الحديث وعلم الجرح والتعديل؛ فمثلاً كتاب التاريخ الكبير للبخاري، وكتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، أدق من كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، ومن كتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي، وهكذا.
سادسًا: معظم ماتم تأليفه من كتب تاريخية حديثة في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات يحتوي على سموم، حيث إن معظم المؤلفين في هذه المرحلة كانوا من العلمانيين أو القوميين أوالشيوعيين، وقد أخذوا الروايات التاريخية المكذوبة واعتمدوا عليها في كتابة التاريخ، كما فسروا التاريخ تفسيرًا ماديًّا اقتصاديًّا، وقد تأثروا في ذلك بالمناهج الغربية والشيوعية؛ ولذلك يجب الحذر من هذه الكتب.
سابعًا: هنا كمؤلفات كُتبت من قِبل مؤلفين جيدين يمكن الإفادة منها، ومن هذه الكتب: كتب د. عبدالرحمن الحجي في مجال التاريخ الأندلسي، وكتب د. عماد الدين خليل في السيرة والتاريخ الوسيط والإسلامي عمومًا، وكتب د. محسن صالح في تاريخ فلسطين، وكتاب د. عبد الشافي عبد اللطيف "العالم الإسلامي في العهد الأموي"، وهناك رسائل جامعية في موضوعات ممتازة أنتجها طلاب تخرجوا في قسم التاريخ في الجامعة الإسلامية وغيرها يمكن أن تفيد القراء.
ثامنًا: لابد من قراءة التاريخ دائمًا وعيننا على الواقع؛ لكي تتكرر تجارب النجاح، ولا تتكرر تجارب الفشل، فإذا علمنا من خلال التاريخ الطريق الذي أدى إلى  تحرير القدس  كلما خضع للاحتلال خلال آلاف السنين، نستطيع أن نسلك الطريق نفسه بدلاً من تجربة طرق أخرى تؤدي إلى الفشل بعد خسائر فادحة.
تاسعًا: يجب أنندرس التاريخ على أنه تاريخ بشر يصيبون ويخطئون، وليس تاريخ ملائكة لا يخطئون، فلانصدم من الأخطاء ونحبط، بل نتعلم ولا نكرر الأخطاء.
عاشرًا: يجب أن نعلم أن تاريخنا المليء بالحسنات والجوانب المشرقة لا يخلو أيضًا من السلبيات،والعقلية التي ينبغي أن نقرأ فيها التاريخ هي: أن الله قدَّر الأخطاء والسلبيات لكي نرى نتائجها المدمرة ونتجنبها، وقدر الحسنات لكي نرى نتائجها الرائعة ونكررها.

أحد عشر: إن قراءة التاريخ تمكِّن القارئ من استخلاص السنن الكونية؛ إذ إن عمر الإنسان القصير وحده لا يكفي لاكتشاف هذه السنن، فمثلاً أثر الإيمان في تحقيق النصر لايعرف كسُنَّة بدون دراسة التاريخ، وأثر الترف في سقوط الدول لا يُعرف بدون دراسة أحداث مدة طويلة من الزمن.

ليست هناك تعليقات: