الخميس، 15 يناير 2015

رواية المغامر لأحمد صبرة قراءة أحمد فضل شبلول



رواية المغامر لأحمد صبرة قراءة أحمد فضل شبلول

اختار الدكتور أحمد صبرة لحظة فاصلة في عمر مصر، لينسج من خلالها تفاصيل روايته الأولى "المغامر"، التي تشبه اللحظات التي عاشتها مصر خلال السنوات السابقة بعد 25 يناير 2011، ما بين انهيار سلطة وصعود سلطة أخرى، والفرق بين اللحظتين (لحظة أحداث الرواية واللحظة الآنية) أكثر من مائتي سنة. 

تتكرر الأحداث وتتشابه، وكأن رواية "المغامر" محاولة إسقاط سياسي على الوضع الراهن في مصر الآن، والفرق أن الصراع كان بين المماليك والعثمانيين والإنجليز والفرنسيين على كعكة مصر، دون حساب لأهل البلد الأصليين الذين يدفعون دائما الثمن، أما الصراع الدائر الآن فهو بين أبناء البلد الأصليين من أتباع محمد مرسي أو أعضاء مكتب الإرشاد أو الإخوان المسلمين، وأتباع السيسي ومؤيديه من أغلب المصريين، وأتباع مبارك وكوادر الحزب الوطني المنحل، مع وجود أياد وفرق خارجية بطبيعة الحال، بعضها ظاهر وبعضها خفي. 

اعتمدت رواية "المغامر" على بعض المراجع التاريخية من أمثال: "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للجبرتي، و"المصريون المحدثون: شمائلهم وعاداتهم" لإدوارد لين، ورواية بالألمانية اسمها "محمد علي وبيته" للروائية الألمانية لويز مولباخ (ويشير صبرة إلى أن تلك الرواية لم تترجم إلى العربية حتى الآن، واقترح أن يقوم بترجمتها لإتقانه الألمانية)، كما اعتمد على "مذكرات إدريس أفندي" للمستشرق الفرنسي بريس دافين، وكتاب "إغاثة الأمة بكشف الغمة" للمقريزي وغير ذلك من مراجع ألبسها اللحم والدم ومنحها النبض والحياة، لتتجسد أمامنا عملا روائيا كبيرا وقع في 614 صفحة وصدر عن دار العين للنشر بالقاهرة 2014. 

لعب صبرة على خطين متوازيين في روايته وخاصة في القسم الأول "التكوين"، وهما حسن العطار ومحمد علي، فكان يتنقل بينهما برشاقة وخفة فائقة، ففي الشهر والعام الذي ولد فيه المصري حسن العطار بالقاهرة، وهو مارس 1769 يولد في مدينة قولة الخاضعة للحامية التركية محمد علي، وعلى مدى عشرة فصول في هذا القسم نتعرف على السمات الأساسية لطفولة الشخصيتين اللتين سيجمع بينهما القدر بعد سنوات طويلة في القاهرة، وكل منهما ينفر من الآخر، حسن العطار بوطنيته وشجاعته وحكمته التي أخبرنا عنه وصورها لنا المؤلف طيلة الرواية، ومحمد علي ذلك الشاب المغامر الطموح الذي استطاع أن يستثمر الخلافات والدسائس ليعتلي عرش مصر بترشيح من شيوخ الأزهر وعلى رأسهم الشيخ عمر مكرم. 

وعلى مدار الرواية نرى أن الشعب المصري، لا حول له ولا قوة، وأن الكل ينهش فيه بدءا من الباب العالي في الآستانة، وحتى أصغر عسكري درك بالشارع، وأن الصراع الخارجي متعدد الأطراف، بين العثمانيين والمماليك والإنجليز والفرنسيين ولا حساب يحسب لهذا الشعب سواء في المحروسة أو القاهرة، وبقية أجزاء مصر، الكل يأخذ منها بحجة حمايتها وحماية شعبها، ولا أمن يتحقق ولا أمان يشعر به الناس. 

لقد صور لنا أحمد صبرة كل هذا من خلال العلاقات والتفاعلات والحكايات اليومية التي تجسد كيف كان يعيش هذا الشعب خلال تلك السنوات، من خلال شبكة من الشخصيات التي أثرت الرواية وتصاعدت بالأحداث إلى مستويات فنية راقية، جعلتنا نعيشها كما لو كنا جزءا منها، بخاصة أننا مررنا في السنوات القليلة الماضية بما يشابهها. 

الأمر المحير في رواية "المغامر" لأحمد صبرة، هو خلوها تماما من أي ذكر لمذبحة القلعة الشهيرة التي وقعت عام 1811 والتي تخلص بها محمد علي من المماليك الذين قُتل بعضهم وفر بعضهم الآخر إلى الجنوب، كما يقول التاريخ. وهو أمر يلفتنا لأن هذه المذبحة هي التي مكنت لحكم محمد علي بعد ست سنوات من توليه عرش مصر، وجعلته ينفرد تماما بالحكم، ويأتي بأسرته وأخوته ليشاركوه في إدارة شئون البلاد. 

وإذا كان البعض يعتبر أن محمد علي هو مؤسس مصر الحديثة، بما استقدمه وما أرسله من بعثات خارجية إلى فرنسا وإنجلترا، لتعود كوادر تلك البعثات للنهوض بمصر، وبما أقامه من مشروعات بعضها باق حتى الآن، فإن رواية أحمد صبرة لا ترى ذلك، وإنما اعتبرت أن محمد علي وجه آخر من وجه السلب والظلم والاستبداد والطغيان والفساد، وتدلنا عبارة مثل "أراد محمد علي الاستيلاء على قوافل التجار القادمة إلى السويس، فصالحوه على مقدار من المال" (ص 532) على أسلوب إدارته للبلاد، فهو لم يفرق كثيرا عن أسلوب المماليك الذين نجح في إزاحتهم من طريقه بمساعدة شيوخ البلد وعلماء الأزهر الذين كانوا يأملون منه الكثير في سبيل تحقيق الأمن للمصريين، فإذا به يتبع أساليب أكثر دهاء ومكرا وخديعة ممن سبقوه. 

وكما رأينا في روايات تاريخية سابقة، فإن قصص العشق والغرام تسري في تضاعيفها، لتكسر من حدة وجهامة المواقف الصعبة والمتأزمة سياسيا وعسكريا، فإننا نقرأ في "المغامر" أكثر من قصة حب وهيام، وأرى أن صبرة قدمها لنا لكسر حدة الصراعات والخلافات وعسكرة الرواية، ولعل قصة الحب الأكثر رمزية في الرواية هي القصة التي وقعت بين هوى (زوجة حسن العطار الأولى، وللاسم دلالته) والفرنسي جان بول، بمساعدة وبمباركة زينب بنت الشيخ البكري التي كانت تهيئ لهما مواعيد وأماكن اللقاء. 

وإذا كان بعض كتابنا من أمثال توفيق الحكيم في "عصفور من الشرق" وطه حسين في "أديب"، والطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال"، ويوسف إدريس في "البيضاء"، وغيرهم، قد اتخذوا من المرأة الغربية رمزا للحوار مع الغرب، فإن أحمد صبرة جعل المرأة المصرية (هوى) هي التي تدخل في حوار (روحي وجسدي) مع الشاب الفرنسي فتهواه ولا تستطيع مفارقته، وتدفع حياتها ثمنا لذلك. 

من الأشياء أو الأخطاء التي استوقفتني في الرواية، قول المؤلف عن صديقي حسن: "يأتيان إليه ويجلسان حتى حوالي (التاسعة) حيث يؤذن لصلاة العصر" (ص 147). وقوله في ص 197: "الساعة حوالي الرابعة .. تبقى ساعتان حتى يؤذن لصلاة الظهر". 

وتبقى رواية "المغامر" للدكتور أحمد صبرة قطعة حية من تاريخ مصر في حقبة شديدة الأهمية، لكن يجب قراءتها بوعي شديد وحذر أشد، ذلك أن المؤلف ليس مؤرخا يحاول أن يسرد الأحداث بحيادية، ولكنه روائي فنان أراد أن يدلي بدلوه في هذا الجدل الدائر عن بداية عصر محمد علي، ويتضح لنا جليا أنه لم يكن يحب هذا الرجل، ولا الطريقة التي أجلسته على عرش مصر أكثر من أربعين سنة.
http://gate.ahram.org.eg/News/584395.aspx

ليست هناك تعليقات: