العوامل التي أدت الى ظهور الخميني
١٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦بقلم مروة كريديه
باحثة في الأنتروبولوجية
لطالما لفت نظري الحالات الفردية التي تركت تحولات في مسارات الشعوب، سواء كانت هذه المسارات توصف بالسلبية أم الإيجابية ، وسواء أثبت الوقت صحة تلك الخيارات الفكرية والسياسية أم لا ...
وقد صادف الاسبوع المنصرم سنوية الامام الخميني ، ولعل معظم الدراسات تركّز على الجوانب التي أثمرتها التجربة الخمينية في إيران، غير أني كباحثة في علم ثقافات الشعوب ، فإني أركز على البُنى والعوامل التي ولّدت هذه الأفكار أكثر من اهتمامي بالموضوع نفسه، لأن البيئة المحيطة والعوامل الاقتصادية والاقليمية والسياسية والثقافية والاجتماعية.. هي التي تساعد بشكل مباشر في انتاج الافكار لا سيما التغيرية والثورية منها ....
ففي إيران فإن الوضع الذي أدى إلي ظهور الخميني، كان مختلف عن الوضع الذي أدّى لظهور حركات الإسلام السياسي في الدول العربية ، والسبب يعود إلي البنية العقائدية والمجتمعية للشعب الإيراني، علاوة على خصوصيات الشيعة الاثنا عشرية وغياب الإمام المنتظر.
فالجماعة الشيعية تنيط بالمجتهدين إدارة أمورها الدينية فترةما يعرف بالغيبة (غيبة الامام المنتظر )، لذلك فإن للمرجعيات الروحية سلطة مستقلة، واتصال مباشر بالجمهوروالشعب ،يعد أوثق من صلة السلطة السياسية به.
كما أن المجتهدين لا يتعاطون الشؤون السياسية التفصيلية ،على اعتبار أن لا مشروعية سياسية لها في ظل غيبة هذا الإمام المنتظر.
كما أن المجتهدين لا يتعاطون الشؤون السياسية التفصيلية ،على اعتبار أن لا مشروعية سياسية لها في ظل غيبة هذا الإمام المنتظر.
و المتتبع لسياق الأحداث التاريخية يجد أن رضا شاه، كان حريصا على إرضاء رجال الدين و المرجعيات الروحية الشيعية في مشهد وقم و النجف في البداية ( ما بين عامي 1923 و 1925 )، والذين كانوا يسعون جاهدين إلى المطالبة بالحفاظ على دستور يضمن لهم الإسلام على المذهب الجعفري ويحارب البهائية .
غير الشاه لم يتعامل مع الرموز الدينية المجتمعية ولم يحترم الثقافة التراثية الشعبية التي تترك أثرًا في حياة الشعوب أقوى من القوانيين المكتوبة ، فقد كان الشاه متأثرًا بتجربة مصطفى كمال أتاتورك ، فركّز جهده على بناء دولة تعتمد على تقليص دور المقدس الديني و وجود رجال الدين والمرجعيات الروحية في اواسط الطبقات النافذة والحاكمة
واتخذ العديد من الاجراءات في الميدان الاجتماعي ، فمنع الحجاب وارتداء الزيِّ الديني في الوظائف الرسمية ، وحاول أن يركز في المناهج على إيران الفارسية وأكاسرتها، وماضيها ما قبل الإسلام ،الأمر الذي أدّى إلى نفور شعبي واستياء جماهيري كبير.
غير الشاه لم يتعامل مع الرموز الدينية المجتمعية ولم يحترم الثقافة التراثية الشعبية التي تترك أثرًا في حياة الشعوب أقوى من القوانيين المكتوبة ، فقد كان الشاه متأثرًا بتجربة مصطفى كمال أتاتورك ، فركّز جهده على بناء دولة تعتمد على تقليص دور المقدس الديني و وجود رجال الدين والمرجعيات الروحية في اواسط الطبقات النافذة والحاكمة
واتخذ العديد من الاجراءات في الميدان الاجتماعي ، فمنع الحجاب وارتداء الزيِّ الديني في الوظائف الرسمية ، وحاول أن يركز في المناهج على إيران الفارسية وأكاسرتها، وماضيها ما قبل الإسلام ،الأمر الذي أدّى إلى نفور شعبي واستياء جماهيري كبير.
ولا بد من إلقاء الضوء على مرحلة تعود لبداية القرن العشرين ، وهي فترة فترة مهدت ، لوصول رضا شاه للحكم ، فهي بلورت الخوف من الليبرالية المتطرفة والدستوريين الذين ظهرت لهم السيطرةآنذاك ، بعد أن خاض الإيرانيين ثورة عام 1906 من أجل إقرار هذا الدستور ، فقد قاد الشيخ فضل الله نوري حركة مناهضة للأوضاع السياسية السائدة ، والدستور عام 1909، فرجال الدين والمرجعيات الروحية الشيعية ، هم الذين دعموا رضا شاه للوصول إلى السلطة .
لذلك أصيبوا بخيبة أمل بالغة، عندما أظهرَ نزعته المعادية لهم، و استخفافه بالرموز الدينية ، إلى أن عملت القوى البريطانية والسوفيتية الى ننحيته عن الحكم سنة 1941، فالفترة ما بين 1925 و1941 كانت توصف بالعنيفة واستبدادية.
ثم تلتها فترة حكم ولده محمد رضا شاه، والتي شهدت نضالا في النصف الثاني من الأربعينيات من أجل إخراج السوفييت ،إذ كانت الدولة الايرانية وقتها مهددة بالاحتلال السوفياتي من الشمال، وكان التدخل البريطاني في كلّ صغيرة وكبيرة واضحًا و صارخًا ..
ثم تلتها فترة حكم ولده محمد رضا شاه، والتي شهدت نضالا في النصف الثاني من الأربعينيات من أجل إخراج السوفييت ،إذ كانت الدولة الايرانية وقتها مهددة بالاحتلال السوفياتي من الشمال، وكان التدخل البريطاني في كلّ صغيرة وكبيرة واضحًا و صارخًا ..
كل ذلك أدى إلى ظهور أفكار على الساحة تطرح مسألة هوية البلاد والخوف عليها، وظهرت مرجعيات مثل آية الله كاشاني و آية الله طباطبائي الذين دعموا تنظيم نواب صفوي المعروف "فدائيان إسلام "... وقد تولّى هذا التنظيم أمر اغتيال كلّ من يشكلّ خطرا على هوية البلاد بنظرهم…
وساهم في ذلك الاصطدام الذي حصل بين المصالح البريطانية من جهة ، ومحمد مصدق رئيس الحكومة الإمبراطورية من جهة أخرى في الفترة الممتدة من 1951 وحتى 1953 ، فقد حاول هذا الأخير تأميم البترول الإيراني، الأمر الذي أدى إلي الإطاحة به عبر انقلاب أنجلو – أمريكي ، أعاد الشاه إلي البلاد محمد رضا شاه، وهكذا تحوّل الافتراق عن النظام السائد إلى قطيعة عام 1954.
فمحمد رضا شاه وصل الى السلطة بمباركة ودعم أميركي انكليزي ...وأدت الى بروز العنصر الديني في مواجهة سياسة الشاه ... و وحدت رجال الدين والمرجعيات ،ورجال الجبهة الوطنية تدريجيّا حول الخميني ،الذي خرج في آذار 1963 حاملا القرآن بيدٍ ودستور1906 ، ليعلن أن الشاه خان الإسلام وخان الدستور، الأمر الذي دفع بالشاه إلى قمع التظاهرات بعنف في شهر حزيران 1963 ، ونفى الخميني إلي تركيا في أواخر 1964 والتي انطلق منها إلى النجف في العراق...
عمل الخميني ما بين 1965 و1975 ، إلى ترجمة أفكاره ورؤيته السياسية ،التي ظهرت في كتابه " الحكومة الإسلامية " عام 1971، وقد طرح فيه آلية الحكم الإسلامي البديل لحكم الشاه، والذي تركزت أفكاره حول مسألة ولاية الفقيه في عصر الغيبة.....
ولا أستطيع في هذه العجالة استعراض تفاصيل الأحداث الصدامية الدامية، وممارسات جهاز السافاك في إيران حيال الثورة، غير أن ما يستطيع الباحث أن يجزم به وفق الوقائع العملية ، أن الأفكار والخطاب التأسيسي لفكر الخميني والثورة ، خرج من المنفى و السجون ومعتقلات أجهزة الامن الإيرانية ، علاوة على الطبقية الصارخة بين افراد الشعب حيث شكل الفقر الشعبي المدقع نقمة على بذخ الشاه وترفه ، في بيئة خلت من السياسة والديموقراطية والثقافة فبرزت الأزمة بصورتها الصارخة في الستينات في ظل نظام شمولي انتهى بالثورة اواخر السبيعينيات ووصول الخميني الى سدّة الحكم ليعلنها جمهورية إسلامية ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق