عمرو حمزاوي -- الشروق
تحدث صحافة خدمة السلطان وأبواق الأجهزة الأمنية وبرامجهم الفضائية تشوهات حادة في المساحة الإعلامية المصرية والمهن المرتبطة بها.
لست من هواة شخصنة الأمور العامة، ولست من الذين يختزلون المسالب في نفر من المتجاوزين أو المتورطين، ولست من المعنيين بالرد المستمر على الإفك الذي يروجه خدمة السلطان وأبواق الأجهزة الأمنية عن المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان عبر توظيف الصحافة والبرامج الفضائية لثقتي في أن الإفك لا يدوم في الأرض وأن التعامل معه إن بصيغة تفنيدية أو بصيغة انتقامية يصرف النظر والجهد عن العمل على تحقيق صالح الوطن في لحظة تحديات كبرى.
لذلك لست براغب هنا بالاشتباك مع كتاب أعمدة لا يمتلكون الكثير من الأفكار ولا يجيدون إلا التعريض بأخرين إما طلبا لشيء من الاهتمام العام أو أملا في أن يلتفت أحد في دوائر الحكم والنفوذ والمال أو في أي من مؤسسات وأجهزة الدولة إلى "الخدمات الرائعة" التي يمكن أن يقدموها لاغتيال المعارضين معنويا وشعبيا، ولا تشعرني صحف أبواق الأجهزة الأمنية وبرامجهم الفضائية إلا بالإشفاق على من تدربوا في الجامعات والمعاهد أو في محطات مهنية على البحث عن المعلومة وتوثيقها ونشر الحقيقة والالتزام بالموضوعية والنزاهة ثم تحولوا في إطار علاقة "الاستتباع في مقابل الحماية والعوائد" إما إلى مروجين لتقارير أمنية بدرجة رؤساء تحرير الصحف أو مرددين لمفردات التقارير هذه كتابة وعلى الهواء مباشرة بدرجة "مفكرين كبار" و"خبراء استراتيجيين" أو منفذين مباشرين لتعليمات دوائر الحكم والنفوذ والمال أو المؤسسات والأجهزة لتخوين هذا وذاك واغتيال آخرين معنويا وشعبيا بدرجة "صحفيين وإعلاميين مخضرمين."
ما يهمني ويعنيني هو رصد التشوهات الحادة التي تحدثها صحافة خدمة السلطان والأبواق وبرامجهم الفضائية في المجال الإعلامي المصري. وهذه التشوهات يتصدر قائمتها الطويلة إلغاء قيمة المعلومة والحقيقة والموضوعية والنزاهة المهنية، وإحلال ممالأة السلطان ونفاق الحكام وقبول الالتحاق بدوائر النفوذ والمال بحثا عن الحماية والعوائد والمصالح الشخصية (معنوية ومادية) كمنظومة بديلة ليس لها إلا أن تفسد العمل الصحفي والتليفزيوني.
ويلي ذلك خطر صرف نظر واهتمام الأجيال الوسيطة والشابة العاملة في المجال الإعلامي عن الاجتهاد والتطور الذاتي وتنمية القدرات المهنية ومن ثم الحيلولة دون الارتقاء جماعيا بالصحافة وبالقنوات الفضائية. جيل الشيوخ والمجموعات المتقدمة في العمر حسمت اختياراتها وبين صفوفها أسماء كثيرة لم تنقلب على المعلومة والحقيقة والموضوعية، وأسماء أكثر قبلت الاستتباع وخدمة السلطان وتمارسهما بإمكانيات تتفاوت. الأجيال الوسيطة والشابة هي التي تتحول إلى ضحية بدفعها بعيدا عن القراءة والإطلاع والمتابعة والتوثيق واختبار أساليب جديدة في الكتابة الصحفية والتغطية التليفزيونية، والزج بها إلى البحث عن موضع قدم في شبكات الممالأة والنفاق الواسعة ومزاحمة من سبقوهم إلى الاستتباع وبنفس الأدوات المعهودة - الترويج لتقارير الأجهزة الأمنية وتنفيذ تعليمات الحكام والنافذين وملاك الصحف والقنوات الفضائية.
أما التشوه الثالث الذي يطول العاملين والمشتغلين في المجال الإعلامي ويتجاوزهم فيتمثل في صناعة صورة نمطية بالغة السلبية عن الصحافة والبرامج التليفزيونية كمواطن لنشر الإفك وساحات تغيب عنها المعلومة والحقيقة والموضوعية وتعجز عن تناول قضايا الوطن وتحدياته الكبرى بجدية وبعين على التقدم والتنمية والعدل والحق. لذلك تخفق الصحافة والبرامج التليفزيونية في الاضطلاع بالمهمة المقدسة المنوطة بالإعلام في المجتمعات المعاصرة، مهمة السلطة الرابعة التي تراقب باسم الصالح العام ونيابة عن المواطنات والمواطنين السلطات العامة ومؤسسات وأجهزة الدولة والجهات الخاصة وتتتبع أفعالها وممارساتها وتكشف اختلالاتها ومناحي الفساد بها وتطالب بتغييرها وتصر على الشفافية والمعلومة والحقيقة، إن في السياسة أو خارج سياقاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق