أثناء قراءتي للكتاب القيم [أخبار جلال الدين الرومي] لصاحبه الفاضل أبو الفضل محمد القونوي، استوقفني كلامه على كتاب لأحد علماء الدولة العثمانية محمد شاهين –رحمه الله- باسم [نقد المثنوي] والذي سطره بلغة الترك .. وقد أثناء الباحث على هذا الكتاب خيراً، وأخبر بأنه قد طبع طبعة تعود لأكثر من خمسين عاماً ..
وقد أنبأنا عنه بأنه رجل صريح، يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، وهكذا هم الأعلام .. لا يخشون إلا الله .. وقد نقل منه عدة نقول .. وعلق عليها .. ومن هذه النقول .. وهو في بلد يرزخ تحت احتلا ل الدولة الخرافية الصوفية المولوية، ومن بعدها الداعمة للصوفية أعني الكمالية، حيث يقول: (يجيء المثنوي إلى قصص كليلة ودمنة فيُلبسها طربوش المولوية وثيابها، ثم لا يكتفي بذلك حتى يُلبس فكرة وحدة الوجود ذلك الطربوش وتلك الثياب!!).
وقال في موضع آخر: (لم يقدر المثنوي أن يكون كشافاً للقرآن قط كما زعم الجلال، فإن معاني القرآن من الوضوح والبيان بمكان لا يحوج إلى كشف، بعكس المثنوي الذي يموج في الإبهام، والأسرار، والضبابية؛ بل لو قلنا إنه يأخذ بيد المرء من النور إلى الظلمات لما أبعدنا!!).
ثم قال: (صحيح أن الجلال لم يقل أنه نبي لكنه زعم أن مثنويه كتاب نزل من السماء، نزل من عند الله، ويؤيد ذلك بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعم قد يكون الجلال والمولوية يؤمنون بأن المثنوي كتاب منزل من عند الله على قلب الجلال، وهم كذلك بيد أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينكرون هذا، ويَرُدُّون كتاب أساطير مليء بالأخطاء والمبالغات)
وقال شاهين: يقول الجلال إنه قد نزل إليه كتاب، وأنه يُلهمه من قِبَل الله!! يقول هذا في ديباجة المثنوي، وبهذا يُرى نفسه نبياً، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً لولا أن الجلال قد صرح بأن المثنوي كتاب منزل من السماء، ملهم به إليه فإن كان لهذا الكلام معنىً فإن معناه أن الجلال يدعي النبوة، ومن زعم أنه يُفهم من ديباجته غير هذا فهاهي الديباجة أمامه فليقرأ وليذكر لنا فهمه).
وخلص شاهين إلى القول بأن: (غاية المثنوي هي تلقين عقيدة الوجود الواحد، وأن الصوفية ومنهم الجلال إنما اخترعوا بدعة السرِّ والأسرار وهم يقصدون بها عقيدة وحدة الوجود، فالسر المكتوم هو هذه العقيدة، والواقف عليها منهم هم شيوخ الطريقة الكبار، أما المريدون فمساكين لم يبلغوا هذه المرتبة).
هذا مما نقل الباحث، وحسبك أن تعلم أن العالم محمد شاهين، لم يقرأ كتاب المثنوي كاملاً، يقول أبو الفضل: (لم يتيسر للناقد في كتابه الوقوف على ترجمة كاملة للمثنوي، وإنما كان نقده اعتماداً على ترجمة الأجزاء الثلاثة منه، من قِبًل عابدين باشا).
قلتُ –أي أبو عمر الدوسري-:
رحم الله الشيخ محمد شاهين، فقد أجلى وأبان، عن طريق دعاة الضلال وأعوان الشيطان، الجلال ومن في غيه من بني صوفان، والشكر موصول لمن كان السبب في هدايتنا لهذه النصوص لعالم بني عثمان، الشيخ أبا الفضل القونوي صاحب الأخبار، والذي كشف فيه الحقائق وبدد الأسرار، فدعائي له أسراراً وجهار، ليلاً ونهار ..
ولي مقترح وسؤال: فهذا السفر الرائع من أبي الفضل أرشدنا على شخصية؛ بل طريقة، بل بناء على شفا جرف هار .. وهو والله حقيقة، وقذيفة، ولطلاب الحق نصيحة .. فيه بيان سببٍ من أسباب الإعياء .. وفيه ذكر الداء .. ونشره دواء وشفاء .. وسؤالي هذا السفر الخالد ما كنا لنعلمه لولا نقل الباحث الشيخ عنه .. فيا شيخنا الفاضل: لما هذا السفر العجيب .. ذو الخبر الأكيد .. والبحث الفريد .. يغتاله الغبار، ويخفيه الأشرار، ثم لا تقوى همة الأخيار، لأن تجليه للنور، فتكشف الحقيقة وتبين الزور .. فهل يعاد طبعه بلغة الترك ثانية، وهم أولى وأهم، ثم نقله ليهز عروش الباطل بلغة القرآن، مع تحقيقٍ يسير، ومنكم يصير، لأنكم في هذا الشخص قد بحثت باليسر والعسير .. تحقيقٌ يبين الحقائق، ولا يزيد الصفحات صفحات فيتعب القارئ والبائع .. يسهل وصوله وحمله، ونقله ونشره .. هو بالحق يصدع، ولأهل الباطل يردع .. فكلي أمل في وصول السؤال .. للشيخ الباحث الفاضل.
كتبه
أبو عمر الدوسري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق