الحضور في زمن الفرجة – فهمي هويدي
أخشى على حكومة مصر الجديدة من غواية الصور وسياط الإعلام،
ذلك أنني لاحظت أن بعض الوزراء ما إن حلفوا اليمين حتى نزلوا إلى الشارع لكي يثبتوا أنهم في الميدان ويتابعوا ويديروا بأنفسهم عجلة العمل في محيط اختصاصهم.
في الوقت ذاته وجدت أن بعض المعلقين سارعوا إلى توجيه سهام النقد إلى تشكيلها واتهموا رئيس الحكومة «بالمنظرة» بعدما أصدر عدة قرارات سريعة تعلقت بمنع شرب المياه المعدنية ومنع المواكب والهدايا والتهاني، ودعوته إلى استمرار الوزراء في العمل 15 ساعة يوميا.
أرحب بالحماس والهمَّة والرسالة القتالية التي أرادت الحكومة أن تنهض بها،
ولا أستريح للدور الوصائي الذي أصبحت وسائل الإعلام تفرضه على المجتمع، بعدما تحول مقدمو البرامج إلى زعماء ومصلحين يوجهون الرأي العام ويعطوننا دروسا فيما يجوز وما لا يجوز.
مع ذلك فإنني أدعو الجميع إلى التريث، فربما أدرك الوزراء مثلا أن وجودهم بشخوصهم في مواقع العمل أو أن بقاءهم أطول مدة في مكاتبهم ليس أفضل سبل الإدارة.
وربما أدرك الإعلاميون أنهم تسرعوا في إصدار الأحكام وبالغوا كثيرا في ممارسة دورهم، ولو أن كلا منهم صبر قليلا ورتب أوراقه جيدا لاختلف أداؤهم ولكان النفع من وراء ذلك أكبر.
أدري أن زمن الفُرجة له لغته، وأن الوجود في الصورة وعلى شاشات التلفزيون بات من علامات الحضور ودلائل الجدية والإنجاز،
من ثَمَّ فأغلب الظن أن رئيس الوزراء والوزراء استشعروا حبورا وبهجة حين طالعوا يوم الاثنين الماضي (3/3) «مانشيت» جريدة «المصري اليوم » الذي تحدث عن «حكومة محلب في الشارع»،
كما سرهم أن جريدة «الأهرام» نشرت في اليوم ذاته عنوانا عريضا على ثمانية أعمدة تحدث عن «ضربة البداية لحكومة المقاتلين»،
وتضمن التقرير الذي احتل صفحة كاملة تحت العنوان ثلاث صور كبيرة لوزراء في الشارع أو في مواقع العمل خارج مكاتبهم،
واحدة لوزير الصحة والثانية لوزير الآثار والصورة الثالثة لوزيرة القوى العاملة،
وكانت صحف اليوم السابق قد نشرت صورا مماثلة لوزير الداخلية وهو في جولاته الميدانية.
بالتوازي مع تلك الجولات وجدنا أن رئيس الوزراء قدم 7 تعهدات في أول بيان له وجهه إلى الرأي العام مساء يوم الأحد 2/3، واعتبرتها جريدة «الأهرام» «أول مواجهة مع الواقع».
هذه التعهدات هي:
فرض الأمن ومواجهة الإرهاب، مع الحفاظ على احترام حقوق الإنسان والسعي لإيجاد حلول عاجلة لكل المتطلبات الأساسية التي تحقق الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للشعب (هل كان يقصد العدالة الاجتماعية؟)
ــ الاهتمام بالمشروعات القومية الكبرى وعلى رأسها مشروع قناة السويس
ــ الامتداد العمراني للوصول بالمساحة المعمورة في مصر من 5.5 إلى 30٪
ــ السعي لمعالجة الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد وتوفير المناخ الاستثماري
ــ ضمان توفير مناخ سياسي ديمقراطي بحيادية ونزاهة
ــ التوازن في العلاقات الخارجية مع الاهتمام بالبعد العربي والإقليمي والأفريقي
ــ الإصلاح المؤسسي والإداري والحفاظ على أصول الدولة.
وجدت في التعهدات طموحا واضحا أشرت إليه من قبل، كما أنها ذكرتني بوعود المائة يوم التي أطلقها الرئيس السابق محمد مرسي في بداية استلامه للسلطة، ولم يستطع الوفاء بها، لأنه وعد بما لا يستطيع تحقيقه، فضلا عن أن مشكلات الواقع أكثر تعقيدا وعمقا مما بدا له على السطح.
أثار انتباهي في هذا السياق أن الصحف التي نشرت وعود رئيس الوزراء وصور الوزراء، وهم في الشارع، ذكرت أنه تم إخلاء منطقة الإسعاف (في قلب القاهرة) من الباعة الجائلين،
ولكن بعد ساعة من انصراف الشرطة عاد أولئك الباعة مرة أخرى إلى المواقع التي احتلوها منذ عدة أشهر.
وهو ما يعني أن ثمة مشكلات صغيرة لا يكفي ولا يجدي فيها أن يصدر قرار بمنع الباعة من التجمع في مكان ما،
لأن الدراسة المتأنية تفرض على المسؤولين أن يتحروا جذر المشكلة، وأن يوفروا لهم بديلا يطمئنون إليه في تحصيل أرزاقهم.
وهو ما ينطبق أيضا على مطالبة رئيس الوزراء بوقف كل الاحتجاجات، لأن المناشدة تصبح بغير قيمة والاستجابة للطلب لن تتحقق إلا إذا بذل جهد للتعرف على الأسباب التي تدفع العاملين إلى الإضراب.
كنت قد أشرت من قبل إلى جسامة مسؤولية رئيس الوزراء الجديد، الذي يفترض أن يواجه جبل المشكلات (كما ذكر هو) خلال أشهر قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
فضلا عن محدودية هامش حركته، لأن مصير بعض الملفات الشائكة التي وضعت أمامه (الأمنية بوجه أخص) ليست بيده ولكنها بيد مراكز القوة الحقيقية في الوضع الراهن،
بسبب من ذلك فقد تمنيت أن يتمهل المهندس محلب ووزراؤه وأن يتداولوا فيما بينهم أولا حول أولويات عملهم وما يستطيعون إنجازه خلال الأشهر القليلة المقبلة.
كما تمنيت أن يصبر الإعلاميون على الوزارة، بحيث يراقبونها ولا يحاكموها، لأن العبرة بالمآلات.
وأذكر هنا بالحكمة الصينية التي تقول إنه ليس مهما أن يكون القط أبيض أو أسود، لأن الأهم أن يكون قادرا على القضاء على الفئران.
«وفئراننا» كما ترون لا تعد ولا تحصى!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق