ظلت الثقافة العربية فى تاريخها المعاصر تعتمد على ما يغدقه عليها السياسى والكادر السياسى من تفريغ للتجربة التى عاشها السياسى وتجليات العرج الروحى الذى عاناه السياسى العربى، وظلت النظرية الكتابية العربية تقتات على ما تفرزه هذه التجربة من تجليات.
وفى قراءة عاجلة لتاريخنا الكتابى المعاصر نلحظ أن السياسة كانت هى بالفعل المنقذ الحقيقى لحالات الإفلاس الكتابى العربى، إذ نلحظ أن الواقع الكتابى العربى يعيش فى زمن معين حالة من البطالة الفراغية، وذلك حين يهجر السياسى مكانه فى الإبداع على وجه العموم لا التخصيص. ومع تحفظنا على هذا النهج نقول إن السياسى الذى فقد بوصلته الإبداعية فى وقت مبكر قد عاد واسترد هذه البوصلة لتعيده إلى عالم الكتابة من جديد، وعلينا هنا أن نستبعد عوالم كتابية لمبدعين من أمثال طه حسين ونجيب محفوظ وحتى يوسف السباعى، ذلك أن معظم هؤلاء قد انخرطوا فى وقت مبكر فى الكتابة المجردة من السياسى والمنظر الثورى، وذلك تحت وطأة النظام السياسى وسلطته القامعة. ويمكن أيضا ملاحظة أن الأدباء الساسة قد خنقهم الاضطهاد والقمع، وهو ما جعلهم يبحثون عن متنفس يمكن أن يفرغوا من خلاله معاناتهم التاريخية مع الكتابة، وقساوة اللجم الذى تمارسه السلطة السياسية عليهم، فكان أن وجدوا أن الكتابة الأدبية كانت تمثل بالنسبة لهم خشبة الخلاص التى من الممكن أن تقودهم إلى بر الأمان النفسى والصحى.
•••
ومن هنا نقول إن «الحكّة» الكتابية حول تقسيم الأدب إلى ملتزم وغير ملتزم كانت من الطروحات الفائضة للكاتب السياسى ومن حمولته تحديدا. وأنا باعتبارى من كتاب سبعينيات القرن المنصرم أعترف بأنى قد عانيت فى كتاباتى كثيرا تحميل كتاباتى البعد الملتزم، حيث كان يقف لنا آنذاك بالمرصاد الناقد المؤدلج وهو يبحث عن افتراقنا أو انجذابنا للأدب الملتزم بقضايا الوطن والأمة.
وأذكر بعض الأدباء والكتاب الذين رفضوا فى وقت مبكر هذا الانضواء، حيث جرى تخوينهم وتأكيد إفلاسهم البرجوازى. وقد كان عليهم أن يدفعوا ثمن هذا الانحراف. ولأن الأدب العربى ليس له هذا النوع من الحراس من النقاد المؤدلجين نقديا كان العمل الإبداعى العربى يقف وحيدا فى ساحة النقد يتلقى كل الركلات الترجيحية ولا يجد من يدافع عنه سوى النقاد «الساسة» إن جاز التعبير.
وعلى الجانب الآخر كان المبدع الذى تعمقت تجربته بالانضمام إلى الحزب السياسى يتسيد المشهد الكتابى العربى، ويحصّن كتابته بالمرجعية التنظيمية والسياسية العربية. وحين استرد القارئ العربى أذنه الاستماعية وكشف طابق الانضواء فى لجوء السياسى إلى الأدب كى يفرغ تجربته الحزبية، سرت مصطلحات جديدة أخذت تسمى القصائد التى تعتمد النهج السياسى بالقصيدة المنبرية أو الإنشائية، وصار معظم الكتاب يتحاشون فكرة الكتابة من باب الالتزام السياسى والتنظيمى.
•••
وإزاء هذا التهور فى البناء والنهج نلحظ أن الأدب العربى قام بخطوات انسحابية من المناخ الالتزامى عموما قى الأدب، وحدث فى مقابل هذا الانسحاب حالة فراغية فى الأدب العربى عموما، وهو ما أدى إلى تشرذم المدارس الإبداعية العربية فبدت الساحة الإبداعية العربية كأنها تعانى القحط الإبداعى وفقدان النهج. ونظل على أمل أن تنهض الكتابة الأدبية العربية من كبوتها هذه وتلتحق بالكتابة الوضاءة التى تنير طريق الكتابة بالإبداع الحقيقى الذى لا يتوخى إلا النهوض بالإبداع
اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=11012015&id=4a568a89-b8b6-4f51-b156-e11f231279f6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق