السبت، 10 يناير 2015

الشيخ الغزالي أول المدافعين عن السنة

الغَزَالِي مُدَافِعًا عَنْ السُنَّةِ:

وما يؤسف له أن كثيرًا من الناس يجهل الموقف المبدئي للشيخ الغزالي من السُنَّةِ، وهو موقف الالتزام الكامل بها، والمحاماة عنها، والاشتباك مع خصومها، بقلمه البليغ، وبيانه الدفاق.
ولقد شَدَّدَ النَّكِيرَ في أكثر من كتاب له على الذين يزعمون الاستغناء بِالسُنَّةِ عن القرآن مُسَفِّهًا رِأْيَهُمْ، وَمُضَلِّلاً اتِّجَاهَهُمْ. كما حمل في الوقت نفسه على الذين يخوضون في السُنَّةِ، ويتحدثون عنها، دون أن يعايشوا القرآن ويضربوا في معرفته بسهم وافر.

مَنْزِلَةُ السُنَّةِ مِنَ القُرْآنِ:
وقد تعرض لذلك مُبَكِّرًا في كتابه " فقه السيرة " مُبَيِّنًا (مَنْزِلَةَ السُنَّةِ مِنَ الكِتَابِ) فقال: «وَالقُرْآنُ هُوَ قَانُونُ الإِسْلاَمِ، وَالسُنَّةُ هِيَ تَطْبِيقُهُ، وَالمُسْلِمُ مُكَلَّفٌ بِاحْتِرَامِ هَذَا التَّطْبِيقِ تَكْلِيفَهُ بِاحْتِرَامِ القَانُونِ نَفْسَهُ، وَقَدْ أَعْطَى اللهُ نَبِيَّهُ حَقَّ الاتِّبَاعِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، لأَنَّهُ ـ فِي ذَلِكَ ـ لاَ يَصْدُرُ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ عَنْ تَوْجِيهِ رَبِّهِ، فَطَاعَتُهُ هِيَ طَاعَةٌ للهِ، وَلَيْسَتْ خُضُوعًا أَعْمَى لِوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ.
قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (1).
وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (2) وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3).
إِنَّ السير في ركاب المرسلين هو الخير كله، ومن ثم كانت سُنَّةُ محمد - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مَصْدَرًا لِشَرِيعَتِهِ مع الكتاب الذي شرفه الله به، وجمهور المسلمين على هذا الفهم

إِضَاعَةُ السُنَّةِ إِضَاعَةٌ لِلْدِّينِ كُلِّهِ:
وفي كتابه " دستور الوحدة الثقافية للمسلمين " يقول:
«
تواجه السنة النبوية هجومًا شديدًا في هذه الأيام، وهو هجوم خال من العلم ومن الإنصاف، وقد تألفت بعض جماعات شاذة تَدَّعِي الاكتفاء بالقرآن وحده.
ولو تَمَّ لهذه الجماعات ما تريد لأضاعت القرآن وَالسُنَّةَ جَمِيعًا، فإن القضاء على السُنَّةِ ذريعة للقضاء على الدين كله. إن محاربة السُنَّةِ لو قامت على أسس لوجب أَلاَّ يُدَرَّسَ التاريخ في بلد ما
عَلاَقَةُ السُنَّةِ بِالقُرْآنِ:
وأبرز كتاب تناول فيه الغزالي صلة السُنَّةِ بالقرآن، بتوضيح وتفصيل وتأصيل، هو كتاب " ليس من الاسلام " ولا بأس أن أنقل هنا بعض الفقرات منه ـ وإن طالت ـ لبيان الموقف الحقيقى للشيخ من السُنَّةِ، ولننصفه من خصومه، الذين غلا بعضهم، بل فَجَرَ في خصومته له، سامحهم الله.
القُرْآنُ ثُمَّ السُنَّةُ:
يقول الغزالى تحت هذا العنوان:
«
المصدر الأول لتعليم الاسلام هو القرآن الكريم وهو من المصادر الأخرى بمنزلة الجذع من فروع الشجرة وثمارها.

إن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَلِّغُ عن الله ويوضح مراده، ويكمل الأحكام فى الصور الجزئية الكثيرة التى ليس من شأن الدستور العام أن يتعرض لها.
فالقرآن مثلاً عرض للبيع ـ وهو أشيع المعاملات ـ فذكر من أحكامه ما لا يتجاوز أصابع اليد عَدًّا.
أما السُنَّةُ ففيها بضع مئات من الأحاديث التى تفصل وتشعب ...
وَلِلْسُنَّةِ ـ عدا هذا النطاق التشريعى ـ ميدان أوسع، وينبغى أن نطيل التأمل فيه.

بحث موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية للقرضاوي مجلة مركز بحوث السنة والسيرة 8 ـ 1415 هـ

وَظِيفَةُ السُنَّةِ عند الشيخ الغزالي

 
وَظِيفَةُ السُنَّةِ عند الشيخ الغزالي 
«يقول الشيخ الغزالي رحمه الله 
لقد كنت عندما أحب الاستشهاد بالكتاب والسنة في موضوع ما .. ألاحظ هذه الحقيقة، وأجد طائفة كبيرة من الأحاديث تطابق فى معانيها وأهدافها ما تضمن القرآن الكريم من معان وأهداف، وأن هذه الاحاديث
 قد تقرر المعنى نفسه، الذي احتوته الآية،
أو تقرر معنى آخر، يدور فى فلكه وينتظم معه فى اتجاه واحد، وإن بَدَا للعين المجردة أن الصلة بينهما بعيدة.
فمن القبيل الأول ـ مثلاً ـ يقول الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ».
فإن هذا المعنى لا يخرج عن قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].

وسرد الأمثلة التي من هذا النحو يطول.
ومن القبيل الثاني ـ مثلاً ـ أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا، وَنَهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ».

فإن هذا الحكم الذي جاءت به السُنَّةُ مشتق من تحريم القرآن للترف واعتباره المترفين أعداء كل إصلاح، وخصوم كل نبوة وعوامل للهدم فى كل أمة: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34].

والنهى عن اتخاذ القبور مساجد ـ وقد جاءت به السُنَّةُ ـ هو في الحقيقة حماية حاسمة للتوحيد الذى ضل عنه النصارى بما اتخذوا من معابد على قديسيهم حتى احتج مشركو مكة بذلك وهم يعارضون الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ} [سورة ص: 7].

وَالسُنَّةُ التى تكون بهذه المثابة في تقرير غايات القرآن المرسومة أو المفهومة. أو التى تفصل مجمله وتوضح مشكله .. تأخذ قسطًا كبيرًا من عناية المسلمين، ومنزلتها من أدلة الأحكام الشرعية معروفة ..

وهناك سنن أخرى تخصص أحكامًا عامة في القرآن.
ففى قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
بينت السُنَّةُ أن الابن القاتل لاَ حَظَّ له في ميراث.

وفي قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... } [المائدة: 3].
بينت السُنَّةُ أن هناك مباحين في كل من هذه المحرمات: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان، السَمَكُ والجَرَادُ، وَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ».

وفى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].

بَيَّنَتْ السُنَّةُ أن ليس كل سارق يقطع. إذ لا قطع فيما دون النصاب المقرر، ولا قطع على جائع ينشد طعامه، ولا على مغصوب يسترد ما أخذ منه ..

فإذا ثبت القطع، ففى اليمين، وعند الرسغ، كما بَيَّنَتْ السُنَّةُ ..
وقد جاءت السُنَّةُ بأحكام يسرت بعض العزائم التى أمر الكتاب العزيز بها. فالقرآن مثلاً يأمر بغسل القدمين ويعد ذلك رُكْنًا في الوضوء .. وتنظيف الرجلين أمر لا بد منه في صحة الصلاة.

وقد بين رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الرجل إذا أدخل قدميه طاهرتين في خفيه أو جوربيه، فليس بضرورى أن يعيد غسلهما كلما أراد الوضوء.
وبحسبه أن يمسح على ظاهرهما ـ فوق الحذاء أو الجورب ـ إشارة إلى الركن الذى لحقته الرخصة.

وهذا الذي صنعه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر به ليس هوى جنح إليه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 2، 3].
إنما هو إرشاد الله له، وهو عمل يتسق مع قاعدة الإسلام الأولى في السماحة والتيسير، وليس فيه أي تناقض مع تعاليم القرآن.

ونستطيع أن نقول: إنه ليس هناك سُنَّةً تعارض حُكْمًا قرآنيًا ما، بل إنه من المستحيل أن يوجد حديث يعارض أحكام القرآن الخاصة، أو قواعدة العامة.

ثم إن الحديث الواحد لا نأخذه على حدة عند الاستدلال، بل يجب أن نأخذ كافة الأحاديث التى وردت في موضوع واحد ثم نلحقها بما يؤيدها ويتصل بها من الكتاب الكريم، ولن نعدم هذه الصلة. اهـ.

يقول العلامة  القرضاوي لقد أطلت النقل هنا قصدًا لأبين موقف الشيخ الغزالي المبدئي والأساسي من السُنَّةِ، وهو موقف العالم المسلم المتشبث بها، الغيور عليها، المدافع عنها، المهاجم لأعدائها، الحريص على حُسْنِ فهمها. أما الخلاف مع الشيخ فهو في التفصيلات والأمثلة التطبيقية، وهذه لا ينبغى أن تعكر صفاء المبدأ المسلم، والقاعدة المقررة

بحث موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية للقرضاوي مجلة مركز بحوث السنة والسيرة 8 ـ 1415 هـ

كتب وأبحاث في الدفاع عن السنة النبوية


كتب وأبحاث في الدفاع عن السنة النبوية 

1-السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله عبد العظيم الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م.
2-الغارة على السنة النبوية، د. الحسن العلمي، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، 1424هـ،
3-السنة المطهرة بين أصول الأئمة وشبهات صاحب فجر الإسلام وضحاه، د. سيد أحمد رمضان المسير، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ط1، 1402هـ/1981م.
4-دفاع عن الحديث النبوي، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م.
5-السنة المطهرة والتحديات، د. نور الدين عتر، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1419هـ/1999م،

6-مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين وروايات الإخباريين، أكرم ضياء العمري، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 
 7-الرد على شبهات المستشرقين ومن شايعهم من المعاصرين حول السنة، أحمد محمد بوقرين، الجامعة الأمريكية المفتوحة،

8- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، 
9- السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2،
10-السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م،
11-عدالة الصحابة في ضوء القرآن والسنة النبوية ودفع الشبهات، د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م،
12-المهدي المنتظر وأدعياء المهدية، محمد بيومى، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/ 1995م،

كشف علمي جديد لـ ''أحمد زويل''

كشف علمي جديد لـ ''أحمد زويل''

نشرت مجلة ساينس العلمية العالمية مقالة علمية للعالم المصري الكبير أحمد زويل تضمنت كشفًا علميًا هامًا في عالم الترانزيستور والإلكترونيات؛ حيث تمكن العالم المصري ومجموعته العلمية من الكشف عن ظاهرة جديدة تتعلق بالتوصيلات الكهربائية في هذه المواد.

ويتم الكشف العلمى الجديد عن طريق الميكروسكوب رباعى الأبعاد الذى إبتكره زويل حديثا، والذى عن طريقه تم دراسة الظاهرة بمقاييس النانوميتر فى المكان والفيمتو ثانيه فى الزمان، ومن أهم مانشر فى هذه الورقة العلمية هو أن سرعة الإتصال الكهربائى تفوق سرعة الصوت فى المادة نفسها بأكثر من ألف مرة.

وأوضحت المجلة أن زويل ومجموعته العلمية أثبتوا علميا ونظريا أن هذه الظواهر لها المثيل فى مواد أخرى كثيرة، ويمكن إستخدامها فى تطبيقات النانوإلكترونيك، خاصة أن التوصيل الإلكترونى له خاصية الحركة الباليستية التى تتسم بالسرعة الفائقة والدقة المتناهية كظاهرة عامه فى مواد الالكترونيات.

السنة حق

 
السُنَّةُ حَقٌّ:
ويزيد ذلك الشيخ إِيضَاحًا فيقول تحت هذا العنوان (السُنَّةُ حَقٌّ):
«إذا صح أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بشيء أو نهى عن شيء، فإن طاعته فيه واجبة، وهى من طاعة الله.

وما يجوز لمؤمن أن يستبيح لنفسه التجاوز عن أمر للرسول فيه حكم: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاَ مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

والمسلمون متفقون على اتباع السُنَّةِ بوصفها المصدر الثانى للإسلام بعد القرآن الكريم. لكن السنن الواردة تتفاوت ثبوتًا ودلالة تفاوتًا لا محل هنا لذكره.
وقد وضعت لضبط ذلك مقاييس عقلية جيدة، يرجع إليها في مظانها من شاء ..
وللناقد البصير، أن يتكلم في حديث ما من ناحيتي متنه وسنده، وأن يرده لأسباب علمية يبديها.
والمجال الفني لهذا الموضوع رحب ممهد، خاضه العلماء الأقدمون وتركوا فيه آثَارًا ضخمة.
لكن المؤسف أن بعض القاصرين ـ ممن لا سهم له في معرفة الإسلام ـ أخذ يهجم على السُنَّةِ بحمق، ويردها جملة وتفصيلاً.

وقد يسرع إلى تكذيب حديث يقال له، ولا لشيء، إلا لأنه لم يرقه، أو لم يفقهه.
وتكذيب السُنَّةِ على طول الخط احتجاجًا بأن القرآن حوى كل شيء بدعة جسيمة الخطر. فإن الله - عَزَّ وَجَلَّ - ترك لرسوله السنن العملية يبينها ويوضحها.
وقد ثبتت هذه بالتواتر الذى ثبت به القرآن فكيف تجحد؟ بل كيف تجحد وحدها ويعترف بالقرآن؟.

وكيف نصلى ونصوم ونحج ونزكي ونقيم الحدود، وهذه كلها ما أدركت تفاصيلها إلا من السُنَّةِ؟.
وإن إنكار المتواتر من السنن العملية خروج عن الإسلام .. وإنكار المروي من سنن الآحاد ـ لمحض الهوى ـ عصيان مخوف العاقبة ..
والواجب أن ندرس السُنَّةَ دراسة حسنة، وأن ننتفع في ديننا بما ضمت من حكم وآداب وعظات. وإن الولع بالتكذيب لا إنصاف فيه ولا رشد.
وقد تعقبت طائفة من منكري السنن فلم أر لدى أكثرهم شيئًا يستحق الاحترام العلمي.
قالوا: إن السلف اهتموا بالأسانيد وحبسوا نشاطهم في وزن رجالها ولم يهتموا بالمتون. أو يصرفوا جُهْدًا مذكورًا في تمحيصها ..
وهذا خطأ. فإن الاهتمام بالسند لم يقصد لذاته وإنما قصد منه الحكم على المتن نفسه.
ثم إن صحة الحديث لا تجىء من عدالة رواته فحسب، بل تجيء أيضًا من انسجامه مع ما ثبت يَقِينًا من حقائق الدين الأخرى، فأي شذوذ فيه، أو علة قادحة يخرجه من نطاق الحديث الصحيح ..
على أن اتهام حديث ما بالبطلان مع وجود سند صحيح له، لا يجوز أن يدور مع الهوى، بل ينبغى أن يخضع لقواعد فنية محترمة.
هذا ما التزمه الأئمة الأولون، وما نرى نحن ضرورة التزامه.
ذكر بعضهم حديث: «الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّامَ».
فقال: إن الواقع يكذبه، وإن صححه البخاري.
ويظهر أنه فهم من «مِنْ كُلِّ دَاءٍ» سائر العلل التى يصاب الناس بها.
وهذا فهم باطل، ولو كان ذلك مراد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان هناك موضع للأحاديث الكثيرة الأخرى التى تصف أدوية أخرى لعلل شتى.
والواقع «أَنَّ كُلِّ دَاءٍ» لا تعني إلا بعض أمراض البرد، فهي مثل قول القرآن الكريم في وصف الريح التى أرسلت على «عَادٍ»: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، فـ {كُلَّ شَيْءٍ} هو ما عمرت به مساكن القبيلة الظالمة فحسب.

وهذا الحديث، لو أن مسلمًا مات دون أن يعلم به ما نقص إيمانه ذرة.
إن أبابكر وعمر كليهما، لم يعلما بالحديث الصحيح عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذى قال فيه: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ - يَعْنِي وَثَنِيِّي الجَزِيرَةَ - حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».
فإن الحديث الذي حفظاه ليس فيه: «إِقَامِ الصَّلاَةَ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ».
ولو علم عمر بهذا النص الزائد ما اعترض على أبي بكر في قتاله مانعي الزكاة.
ولو علم به أبوبكر ما استدل على رأيه بالقياس والاستنباط.
ولكن فقه الشيخين في الكتاب العزيز، وحسن استفادتهما مما يعلمان من سُنَّةٍ أغنى وكفى .. ولم يضرهما ما يجهلان من روايات أخرى.
بيد أن الطعن ـ هكذا خبط عشواء ـ فى الأسانيد والمتون كما يصنع البعض ليس القصد منه إهدار حديث بعينه، بل إهدار السنّة كلها، ووضع الأحكام التى جاءت عن طريقها فى محل الريبة والازدراء.
وهذا ـ فوق أنه غمط للحقيقة المجردة ـ يعرض الإسلام كله للضياع.
إن دواوين السُنَّةِ وثائق تاريخية من أحكم ما عرفت الدنيا.
ويمكننا أن نقول: إن الكتب المقدسة لدى بعض الأمم ما تزيد فى قيمتها التاريخية عن أحاديث دَوَّنَهَا علماؤنا وحكموا على طائفة منها بالضعف، وطائفة أخرى بالوضع!!
وَالسُنَّةُ ـ لكثرة ما عرضت له من تفاصيل ـ تضمنت أحكامًا كثيرة، والأحكام قيود توضع على تصرفات الناس، والقيد عندما يجيء في مكانه الذى يناسبه ويلائمه، لا يكون هناك معنى للتبرم به والإنكار عليه
بحث موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية للقرضاوي مجلة مركز بحوث السنة والسيرة 8 ـ 1415 هـ

شبهات حول السنة النبوية 4


أَمْثِلَةٌ لِقَاعِدَةٍ:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الحَالُّ المُرْتَحِلُ»!. قَالَ: وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟ قَالَ: «الذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ».

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي».

ـ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ»، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌ مَبْرُورٌ».

وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -[قَالَ]: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ».

ـ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (*)، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

هذه إجابات شتى لسؤال واحد فما معنى هذا؟
معنى هذا أن حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد يكون مُتَّجِهًا إلى رعاية أحوال المخاطبين، فيبرز من العبادات والآداب ما يراه أليق بحياتهم، وما يراهم أمس إليه حاجة. ويسكت عن غيره، لا تهوينًا من شأنه، فقد يسكت عن أركان عظيمة القدر في الدين جاءت ببيانها آيات القرآن أو سنن أخرى.

والذى يستفاد من هذه الإجابات أنه لا يجوز أخذ حديث ما على أنه الإيمان كله.
كما أنه لا تجوز الغفلة عن الملابسات التى سيق فيها الحديث فإنها تلقى ضوءًا كاشفًا على المراد منه
المصدر
بحث موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية للقرضاوي مجلة مركز بحوث السنة والسيرة 8 ـ 1415 هـ