وقد كان في تبريز حين توفي والده في 1848، وارتقى عرش الطاووس بمساعدة أمير كبير. أظهر ناصر الدين ميولاً اصلاحية مبكرة، لكن كان له طرازاً ديكتاتوراً في حكومته. بموافقته، قُتل بعض البابات بعد محاولة لاغتياله.
استمرت هذه المعاملة في عهد رئيس وزرائه أمير كبير، الذي حتى أمر بإعدام الباب – الذي يُعتبر تجسيداً للرب في الديانتين البابية والبهائية، والذي يعتبره المؤرخون مؤسس الديانة البابية.
اتسم عهده بمحاولات تحديث المجتمع الإيراني ، حيث استقدم نظم التعليم الغربية وعلوما غربية ،
حيث أنشأ وزيره الأمير الكبير أول مدرسة نظامية تدرس علوماً غربية وتعتمد على النمط الغربي في الامتحانات.
يشبهه البعض بالخديوي اسماعيل في مصر
وقد عقد الدكتور رضوان السيد فصلا كاملا في كتابه (العرب والإيرانيون ) للمقارنة بين مصر وإيران في مائة عام قارن فيها بين ناصر الدين شاه والخديوي اسماعيل ووجد أنهما متقاربين في أمور كثيرة (1)
في ظل عدم قدرته على استعادة الأراضي المفقودة في روسيا في أوائل القرن 19، سعى ناصر الدين للتعويض بالاستيلاء على هرات، أفغانستان، عام 1856. اعتبرت بريطانيا العظمى هذا التحرك أنه تهديد للهند البريطانية وأعلنت الحرب على إيران، لتجبرها على التنازل عن هرات وكذلك أن تعترف إيران بمملكة أفغانستان.
كان ناصر الدين أول ملك إيراني معاصر يزور اوروپا عام 1873 وقام بزيارة أخرى عام 1878 (عندما شهد استعراض أسطول البحرية الملكية)، ومرة أخيرة عام 1889 وقيل أنه دهش بالتكنولوجيا التي رآها هناك. أثناء زيارته للمملكة المتحدة عام 1873، عُين ناصر الدين شاه من قبل الملكة ڤكتوريا فارس رتبة الوشاح، أعلى رتبة فروسية إنگليزية. وكان أول ملك إيراني يحظى بهذا التكريم. نشرت يوميات رحلته عام 1873 بمختلف اللغات، مثل الفارسية، الألمانية، الفرنسية والهولندية.
أثناء زيارته، قابل ناصر الدين الزعماء اليهود البريطانيين، بما فيهم السير
موزس مونتفيوره. في ذلك الوقت، اقترح العاهل الفارسي أن يشتري اليهود أراضي ويؤسسوا دولة للشعب اليهودي.
عام 1890 التقى بالبريطاني
گرالد تالبوت ووقع عقداً يمنحه فيه ملكية صناعة التبغ الإيرانية، لكنه أُجبر فيما بعد على إلغاء العقد بعدما أصدر
آية الله مرزا حسن شيرازيفتوى تحرم زراعة، التجارة، واستهلاك التبغ. أثر هذا حتى على حياة الشاه الشخصية حيث لم تسمح له زوجاته بالتدخين.
ولم تكن هذه نهاية لمحاولته لمنح المزايا لاوروپا؛ فيما بعد منح ملكية عائدات الجمارك الإيرانية إلى
پول جوليوس رويتر.
إنجازات وإصلاحات وإخفاقات وفساد
نجح ناصر الدين في إدخال مختلف التأثيرات الغربية إلى إيران. كبح من النفوذ العلماني لرجال الدين، أدخل التلغراف وخدمات البريد، مد الطرق، وافتتح أول مدرسة تقدم التعليم على الطراز الغربي، وافتتح أول صحيفة. وكان أول إيراني يلتقط له صور، وكان راعياً للتصوير الفوتوغرافي وصور نفسه مئات المرات. وكان آخر رؤساء وزراءه علي أصغر خان، الذي قام بعد إغتيال الشاه بتأمين انتقال العرش إلى مظفر الدين.
اغتيال الشاه إلا أنه في السنوات الأخيرة من حكمه، رفض بعناد التعامل مع الضغوط المتزايدة المطالبة بالاصلاح. ومنح أيضاً مجموعة من الحقوق ميسرة للأجانب مقابل مبالغ كبيرة ذهبت إلى جيبه الخاص. أجبره الضغط الشعبي عام 1872 على سحب أحد الاحتيازات الخاص بالسماح بإنشاء المجمعات مثل أعمال السكك الحديدية والري في إيران. عام 1890 اقترف أكبر أخطاؤه حيث منح امتياز لمدة 50 عام لشراء، بيع، والتعامل في جميع التبغ في البلاد، مما أدى إلى مقاطعة وطنية للتبغ ودفع به إلى سحب الامتياز. كان هذا آخر حدث يعتبره الكثير من القوى أنه أصل الوطنية الإيرانية الحديثة.
أول عملية اغتيال بأمر من زعيم ديني
أول عملية اغتيال بأمر من زعيم ديني في تاريخ إيران وربما الشرق الأوسط، في العصر الحديث حيث قام ميرزا رضا كرماني، من طلاب العلوم الدينية بتاريخ الأول من مايو 1896 باغتيال أشهر ملوك السلالة القاجارية الحاكمة في فارس( إيران)، ناصر الدين الشاه، وذلك بأمر من سيد جمال الدين الأفغاني الذي كان يرابط في اسطنبول حينها.
هل يمكن اعتبار ذلك أول فتوى دينية أسست للاغتيالات السياسية، ووضعت اللبنات الأولى للحركات الجهادية المسلحة؟ لاسيما أن صاحب الفتوى، أي جمال الدين الأفغاني أو سيد جمال الدين الأسد آبادي - نسبة إلى أسد آباد بالقرب من مدينة "همدان" في وسط إيران – يعد أول المجددين الإسلاميين في نهايات القرن التاسع عشر.(2)
وتذكر هيلاري باركر، الخبيرة في الشؤون الإيرانية والأستاذة بجامعة كامبريج البريطانية في كتابها "تاريخ إيران"، أن اغتيال ناصر الدين شاه القاجاري كان "سياسياً" بامتياز لو قارناه بالملوك الذين سبقوه في التعرض للقتل في تاريخ إيران، حيث سقط هؤلاء ضحايا للصراع على السطة بين الأسر الحاكمة أو الأسر التواقة للحكم، وليس بفتوى من مرجع ديني كجمال الدين الأفغاني، الذي كان ينشط بهدف إيجاد تغيير في العالم الإسلامي بأسره، ويئس من جعل الملك في خدمة مشروعه.
وتقول باركر بخصوص الهدف من وراء الاغتيال: "إنه كان اغتيالاً ثورياً، ليس من قبل الحساد أو أعضاء البلاط الملكي، بل بدوافع سياسية عقائدية".
وتضيف "الاغتيال تم على يد رجل ثوري سبق أن تتلمذ على يد رجل عقائدي - سياسي، والقاتل كان يعرف جيداً أن الموت المحتم سينتظره إثر قتله للملك القاجاري".(3)
وبعد مقارنة اغتيال ناصر الدين شاه بملوك أوروبيين وإيرانيين تستنتج الكاتبة "أن تنفيذ الاغتيال السياسي لناصر الدين شاه تم في مسار مختلف، حيث يمكن اعتباره بمثابة أول عملية فدائية، ولربما ليس من الإنصاف أو الواقعية لو نسبنا الاغتيال إلى تيارات إسلامية متطرفة، إلا أننا لا نستطيع أن نقاوم السؤال الذي يطرح نفسه هنا، وهو: "هل اغتيال ناصر الدين شاه كان بمعزل عن الظروف المعيشية والاجتماعية التي قد شكلت أرضية لهذا الاغتيال وما علاقتها بالتيارات الإسلامية؟".(4)
يذكر أن الصور القليلة المتبقية لـ"ميرزا رضا كرماني"، قاتل ناصر الدين شاه، والتي التقطت إحداها سويعات قبل إعدامه، تظهره في ملابس رجال الدين الشيعة، وكان مرجعه، أي سيد جمال الدين الأفغاني الذي حثه على الانتقام من الملك القاجاري، بلغ درجة الاجتهاد حسب المذهب الشيعي، وهذا ما يدعم النظرية التي تعزو عملية الاغتيال إلى تيار الإسلام السياسي المبكر، لاسيما أن العملية تمت في أحد الأضرحة الشيعية المقدسة بالقرب من طهران التي كان يطلق عليها باللغة الفارسية "دار الخلافة" بدلاً من "پایتخت" أي العاصمة.(5)
دوافع الإسلام السياسي
يذكر أن الصور القليلة المتبقية لـ"ميرزا رضا كرماني"، قاتل ناصر الدين شاه، والتي التقطت إحداها سويعات قبل إعدامه، تظهره في ملابس رجال الدين الشيعة، وكان مرجعه، أي سيد جمال الدين الأفغاني الذي حثه على الانتقام من الملك القاجاري، بلغ درجة الاجتهاد حسب المذهب الشيعي، وهذا ما يدعم النظرية التي تعزو عملية الاغتيال إلى تيار الإسلام السياسي المبكر، لاسيما أن العملية تمت في أحد الأضرحة الشيعية المقدسة بالقرب من طهران التي كان يطلق عليها باللغة الفارسية "دار الخلافة" بدلاً من "پایتخت" أي العاصمة.
إن أفكار وآراء سيد جمال الدين الأفغاني كانت ولاتزال تجد قبولاً بين الكثير من التيارات الإسلامية السنية والشيعية، والجميع يعرفه إلى جانب كونه مجدداً ومفكراً وناشطاً مدنياً، ولكن تبقى شخصية هذا الرجل في هالة من الغموض من مسقط رأسه إلى مذهبه وارتباطاته بالحكام إلى انضمامه إلى الماسونية، فأعداؤه يتهمونه بالتجسس لصالح بريطانيا، في حين يمجده محبوه من الهند إلى تركيا مروراً بإيران ومصر كمصلح ومجدد إسلامي، حيث أسس تلاميذه مجلة "المنار" في مصر، ويمكن البحث عن جذور حركة إخوان المسلمين في أفكارهم.
وكان البلاط الإيراني طرد جمال الدين الأفغاني بشكل مهين من البلاد، إثر حثه الجماهير على الثورة ضد إخفاقات ناصر الدين شاه في محاربة الفقر من جهة، وسعيه لفتح أبواب إيران على الحضارة الغربية.
وأقسم الأفغاني أن ينتقم من الملك القاجاري إلى أن التحق به تلميذه البسيط ميرزا رضا كرماني في اسطنبول بعد خروجه من السجن، وتحمله أقسى العذاب والتعذيب في السجون القاجارية، وعندما قص رواية العذاب الطويل الذي ذاقه لأستاذه، رد عليه جمال الدين الأفغاني: "حين تعرضت للظلم كيف ترضخ له؟ المظلوم هو الذي يشجع الظالم في ظلمه"، فسأله كرماني: "كيف أواجه الظلم"، فرد عليه سيد جمال الدين الأفغاني: "اذهب واقلع الظلم من جذوره".
وبعد تلقي هذه الفتوى عاد ميرزا رضا كرماني إلى طهران وابتاع مسدساً روسياً. وفي اليوم الذي كان الملك القاجاري ناصر الدين شاه في طريقه لحضور الحفل الخمسين لتتويجه ملكاً على إيران، تقدم رضا كرماني إلى موكبه بذريعة تقديم عريضة له، وأطلق النار من مسدسه ليغتال ناصر الدين شاه في 1 مايو 1896.(6)
(1) رضوان السيد ،العرب والإيرانيون .بيروت :الدار العربية للعلوم ناشرون 2015 ص 17
(2)موقع قناة العربية بتاريخ الخميس 1 رجب 1435هـ - 1 مايو 2014م KSA 22:23 - GMT 19:23
(3) هيلاري باركر .تاريخ إيران
(4)السابق
(5)موقع قناة العربية بتاريخ الخميس 1 رجب 1435هـ - 1 مايو 2014م KSA 22:23 - GMT 19:23
(6)موقع عالم المعرفة