الثلاثاء، 20 يناير 2015

الإيلخانيون



الإيلخانيون 100 سنة
(653 ـ 756هـ/ 1256 ـ 1355م)

الإيلخانيون Ilkhans سلالة مغولية حكمت إيران والعراق والقفقاس وأجزاء من آسيا الصغرى التي كانت تحت حكم السلاجقة، إثر موجة الاكتساح المغولي الثالثة بقيادة هولاكو ابن تولوي بن جنكيز خان. وكان عبور الجيوش المغولية لنهر جيحون في ذي الحجة 653هـ شباط 1256م إيذاناً بميلاد دولة الإيلخانات. ولما أتمَّ هولاكو الاستيلاء على حصون الإسماعيلية في إيران واحتلَّ بغداد، وقضى على الخلافة العباسية فيها (656هـ/1258م) أتته الأخبار بوفاة أخيه مونكو Mongke في الصين سنة 657هـ/1259م فعاد إلى أذربيجان، وتابع جيشه تقدمه في بلاد الشام. ولكن الجيش المملوكي بقيادة السلطان قطز (657- 658هـ/1259- 1260م) انتصر على المغول في معركة عين جالوت الحاسمة سنة 658هـ/1260م، فأَوقف تقدمهم، وقد برهن الأمير بيبرس البندقداري الذي تولى السلطنة بعد قطز مباشرة على أنه نِدٌّ للمغول.
اتخذ هولاكو مدينة «مَراغَة» (شرق بحيرة أورمية) عاصمة له، وحكم الدولة بعده أبناؤه وأحفاده، وحمل أكثرهم لقب «إيل خان» وهو تعبير تركي يتألف من كلمتي «إيل» بمعنى تابع و«خان» بمعنى ملك، للدلالة على أن دولة الإيلخانات كانت في الأصل جزءاً من امبراطورية المغول في الصين والتي يحكمها «الخاقان» أي الخان الأعظم، إلا أن هذه التبعية ظلَّت تبعية اسمية.
نشوء الدولة الإيلخانية وسقوطها
مَرَّت الدولة الإيلخانية بالعهود الأربعة التالية:
عهد الإيلخانيين غير المسلمين(653- 680هـ/1256- 1282م): ويستغرق حكم هولاكو وحكم ابنه أباقاAbaka الذي تذكره المصادر العربية باسم أبغا والذي نقل العاصمة إلى تبريز، وجاءَت أبرز مشكلات هذا العهد من كون حكام الدولة يدينون بديانات تختلف عنالإسلام دين معظم رعاياهم.
في عهد أباقا ازدادت العلاقات مع الغرب المسيحي التي كانت قد بدأت قبل عهد هولاكو، فوثق أباقا صلاته مع البابوية ولويس التاسع ملك فرنسة وما تبقى من الإمارات الصليبية لكونها على عداء مع المماليك.
عهد الصراع بين الإسلام والعقائد الأخرى (681- 695هـ/1282-1295م): ويضم أربعة إيلخانات هم: تاكو دار بن هولاكو، (680- 683هـ/1282- 1284م) الذي اعتنق الإسلام وسمى نفسه أحمد، لذلك أرسل يهادن سلاطين المماليك. ثم أرغون بن أباقا (683- 690هـ/1284- 1291م) Arghun الذي ثار على تاكودار أحمد وقتله لاعتناقه الإسلام. ونقل أرغون العاصمة من تبريز لأن معظم سكانها من المسلمين، وشرع في بناء مدينة بالقرب من تبريز دعاها الأرغونية ولكنه توفي قبل اكتمال بنائها.
وخلف أرغون شقيقه كِيخَاتو (690- 694هـ/1291- 1295م) Gaykhatu الذي أعاد الإدارة إلى أبناء البلاد. واقتبس نظام التعامل بالنقد الورقي، ولكنها لم تلق قبولاً من الناس فزادت المشكلة الاقتصادية سوءاً، واضطربت الحياة العامة في تبريز وبغداد وغيرهما، مما أجبر الدولة على التراجع عن هذه الخطوة بعد شهور قليلة، وأثارت طبيعة كيخاتو الأمراء الإيلخانيين عليه، فاستدعوا إلى العرش الأمير بايدو (694- 695هـ/1295م) Baydu ابن طوغاي بن هولاكو، وساعدوه على إطاحة كيخاتو وقتله، كان الإيلخان الجديد قليل الخبرة ضعيف الشخصية، ولم يمض بايدو في السلطة سوى تسعة أشهر حتى قامت عليه بعدها ثورة الأمير غازان بن أرغون Ghazan.
عهد الإيلخانيين المسلمين (695- 736هـ/ 1295- 1335م(: ويضم حكم الثلاثة الأخيرين من الإيلخانات الأقوياء، غازان (694- 703هـ) وأخوه أوليجايتو (703- 717هـOldjeytü الذي دُعي أيضاً «خُدابندة» أي عبد الله (خربندا في المصادر العربية) ثم أبي سعيد بن أوليجايتو (716- 736هـ(، ويمثل هذا العصر الحقبة الذهبية للدولة للإصلاحات التي تمت في مجالات الإدارة والمال والاقتصاد والعمران، ويعود الفضل الأكبر فيها إلى غازان ووزيريه رشيد الدين فضل الله وعلي شاه، واعتنق غازان الإسلام على المذهب السني وجعله دين الدولة الرسمي واتخذ موقفاً ودياً من الشيعة.
عهد انحلال الدولة وسقوطها (736-756هـ/1335-1355م(: وفيه وصل ثمانية من الحكام الضعفاء إلى العرش، فكثرت دسائس الأمراء المغول الطامعين بالسلطة. ويمكن القول إن الجلائريين والمظفريين والسربداريين وغيرهم تركوا إيران في فوضى عارمة وُفِّق تيمورلنك فيما بعد بالقضاء عليها.
العلاقات الخارجية
دارت بعض الحروب بين الإيلخانيين وأبناء عمومتهم حكام دولة القبجاق (شمال بحري قزوين والأسود)، ثم بينهم وبين دولة مغول بلاد جغتاي، وكان سلطانها يمتد من أواسط آسيا (حوض نهر إيلي) إلى ما وراء النهر، ولكن أهم حروب الإيلخانيين كانت مع دولة المماليك في مصر والشام، واقتصرت آمالهم بعد هزيمتهم في عين جالوت (فلسطين 658هـ/1260م) أمام المماليك على محاولة انتزاع بلاد الشام من المماليك. كما طمحوا، بعد اعتناقهم الإسلام إلى مد نفوذهم إلى الأماكن المقدسة الإسلامية في الحجاز وكانت مشمولة بحماية سلاطين المماليك، وفي المقابل رأى المماليك أن من أول واجباتهم السعي لتحرير العراق من الحكم الإيلخاني وإعادة الخلافة العبَّاسية إلى بغداد.
 وكان من نتائج ذلك أن جرت بين الطرفين غارات كثيرة وحملات اجتياح واسعة، ووصلت جيوش الإيلخانيين مع حلفائهم من الكرج والأرمن تخوم دمشق أكثر من مرة، ونجح المماليك في ردهم على أعقابهم في كل مرة. وجنحت العلاقات بين دولتي الإيلخانيين والمماليك نحو السلم في عهد أبي سعيد، وتم عقد معاهدة للصلح بينهما (723هـ/1323م).
ومع أن الغزو المغولي كان أعظم كارثة حلَّت بالعالم العربي الإسلامي فإن أحفادهم الإيلخانيين، بدلوا مواقفهم من الحضارة  العربية الإسلامية بعد أن استقرت أمورهم وأقاموا صلات وثيقة مع المسلمين، فعملوا على إعادة بناء المدن المخربة وإقامة منشآت جديدة، وتشجيع الفنون والعلوم، وبناء المدارس وتنشيط التجارة. وكان للإيلخانيين أثر واضح في مزج حضارة شرق آسيا (الصين) بالحضارة العربية الإسلامية.
وكان الغزو المغولي وما رافقه من أحداث حافزاً على ظهور الكثير من المؤلفات التاريخية التي يتحدث بعضها عن تاريخ المغول أنفسهم، وعن الدول والشعوب التي تأثرت بأعمالهم، كما فعل «عطا ملك الجويني» (ت 681هـ/1282م) أحد رجال الإدارة عند الإيلخانيين، في كتابه «تاريخ جهانكشاي» (تاريخ فاتح العالم)، وكما فعل رشيد الدين الهمذاني الطبيب (ت 718هـ/ 1373م) وزير الإيلخانيين في كتابه «جامع التواريخ».
شجع الإيلخانيون العلوم ذات المنفعة العملية كالطب للتداوي، والكيمياء لمعرفة خصائص المعادن، والفلك والتنجيم. ومن أشهر علماء العصر الإيلخاني الأول عالم الفلك نصير الدين الطوسي (ت 672هـ/1273م). وأسس الوزير رشيد الدين ضاحية «الربع الرشيدي» قرب تبريز (700هـ/1300م). وهي مؤسسة ثقافية متكاملة تضم معاهد للتدريس ومكتبات ومساكن للمدرسين والطلاب وما يُحتاج إليه من مرافق عامة من مصانع للورق والتجليد وطواحين وحمامات وأسواق وحدائق ومساجد.
وقد اندثر أغلب المباني التي شيدت في العصر الإيلخاني. وكان للإيلخانات اهتمام خاص ببناء أضرحة لهم، تتخذ شكل أبراج ضخمة، ذات سقوف مقببة أو هرمية مزخرفة ومغطاة بالقاشاني والفسيفساء والجص، ومن أهم ما تركه هؤلاء المدرسة الإمامية (755هـ) والمسجد الجامع (768-778) في أصفهان، وزوايا كثيرة أنشئت في ذلك العصر.

مصادر
 رشيد الدين فضل الله الهمذاني، جامع التواريخ، المجلد الثاني، نقله عن الفارسية محمد صادق نشأت وفؤاد عبد المعطي الصياد (القاهرة 1960).

ليست هناك تعليقات: