‏إظهار الرسائل ذات التسميات البحرين ، محي الدين اللاذقاني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات البحرين ، محي الدين اللاذقاني. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 5 مارس 2014

الأسطورة والتاريخ الموازي



كنت أعرف أن «كل فتاة بأبيها معجبة»، إلى أن وصلني كتاب «الأسطورة والتاريخ الموازي»، عن الشيخ محمد بن خليفة بقلم حفيدته الشيخة مي الخليفة، فإذا بي أكتشف أن كل فتاة معجبة حتى الانبهار بجدها أيضا.
وقد حكم هذا الشيخ البحرين لمدة 26 عاما، في القرن التاسع عشر، ثم تحول، حين عزله الأنجليز عن منصبه بالقوة عام 1868، الى اسطورة شعبية، أضاف اليها المخيال الكثير من الصفات الخارقة، أثناء بقاء الشيخ لمدة 21 سنة في السجن والمنفى.
ومع أن الكتاب من النوع الضخم جدا ـ ألف صفحة ـ إلا أنك تشقه بسلاسة وارتياح، كما يشق حيزوم السفينة عباب البحر، بلغة شاعر البحرين طرفة بن العبد، وما ذاك الا لأنك لا تقرأ تاريخ شخصية واحدة إنما تطلع على تاريخ الخليج كله، وتتعرف كيف تحولت القبائل الى دول، وتلاحظ بإعجاب قدرة الكاتبة على توضيخ خفايا السياسة البريطانية، التي قسمت المنطقة وزرعت الشقاق فيها خدمة لمصالح الامبراطورية، التي تدين بوجودها لشركة تجارية هي شركة الهند الشرقية، فقد كان اللورد كرزون محقا حين قال: لولا الهند ما اشترى اللورد دزرائيلي أسهم شركة قناة السويس، ولولا القناة لما كنا في مصر، ولك أن تضيف الى مصر عدن والخليج كله ودول آسيا والشرق الأقصى، فمشاكل أفغانستان كمعبر للارهاب والمخدرات، لم تبدأ مع ابن لادن بل في عصر الجواسيس البريطانيين في حقبة محمد بن خليفة، ومن لا يصدق سيجد الجواب مسطورا في رواية «كيم» لشاعر الامبراطورية وكاتبها روديارد كبلنغ.
مي الخليفة تعترف في نهاية كتابها، أن القوة المستعمرة هي التي حفظت السجلات الدقيقة لتاريخ المنطقة، لكن لا يغيب عنها، كما غاب عن كثيرين ممن كتبوا فصولا من تاريخ الخليج، أن تلك السجلات مكتوبة من وجهة نظر القوة المتسلطة، وهنا دور التاريخ الموازي الذي يفند تلك الروايات الاستعمارية، واذا امتلك وثائق أخرى يصححها.
وأهمية الكتاب ليست هنا فحسب، بل في أنسنة المادة التاريخية، فالتاريخ ليس مجرد معارك حربية، ولكنه أخبار بشر يتآمرون ويحاربون نعم، لكنهم يعشقون ويتزوجون ويطلقون، وعلى هذا الصعيد لم يكن جد الكاتبة مختلفا، فهو عند الرحالة بلجريف «مزواج مطلاق»، وقد أفاده زواجه وطلاقه فزوجته لطيفة الزايد، هي التي ذهبت الى السلطان عبد الحميد لتوسطه عند الانجليز، لإطلاق سراحه من السجون الهندية.
هذا عن الجانب الشخصي. أما عن السياسي فأمين الريحاني يكفينا مؤونة التنقيب عن دهاء تلك الشخصية، حين يصفه بأنه ثعلب وحرباء، وكيف لا يكون حاكم جزيرة صغيرة كذلك، وهو يتعامل مع ثلاثة حيتان مفترسة تضم مع الانجليز، مملكة فارس المجاورة والسلطنة العثمانية.
في كتاب الشيخة مي الخليفة لا تتعرف على أساطير الجد وحده، بل على أساطير قراصنة وبحارة آخرين عاصروه أشهرهم رحمة بن جابر الجلاهمة، وتقرأ عن خلفيات انفصال قطر عن البحرين، والأهم من ذلك تعرف كيف أتى العتوب ومنهم الصباح والخليفة من قلب الهدار في نجد، ليتحولوا الى قراصنة وأصحاب أساطيل مع أنهم لم يركبوا البحر قبل هجرتهم القسرية الى الزبارة.
بهذه الجوانب الإنسانية ومع غزارة بالمعلومات والوثائق، يصبح التاريخ مقروءا، وهكذا لا تكون مي الخليفة قد قدمت خدمة عائلية لجدها فحسب، بل لكل المهتمين بتاريخ المنطقة.