الثلاثاء، 25 فبراير 2014

نحو فهم عقلانى للعالم

عمرو حمزاوي

فى إعلام الصوت الواحد، يروج البعض لفهم مشوه ومضطرب للعالم القريب منا الذى نتداخل معه عضويا وللعالم البعيد عنا الذى نحن جزء منه.
فلا يطلب من المصريات والمصريين تقدير التضامن السياسى والمساعدات الاقتصادية والمالية الخليجية فقط. بل يدفعون إلى تجاهل نواقص الحقوق والحريات فى دول مجلس التعاون الخليجى، والصمت عن أوضاع غير إنسانية وغير عادلة تعانى منها هناك العمالة المصرية (خاصة العمالة غير المؤهلة). وفى هذا تشوه واضطراب.
ثم يطلب منا، ومصر بشعبها ونخبها الحاضنة التاريخية للعروبة، أن ننظر بشك وريبة بل وبعدائية للشعوب العربية فى فلسطين وسوريا وليبيا. وتروج هنا وفى ظل غياب كامل للعقلانية والرشادة مقولات إفك تتهمهم جماعيا بالتآمر على مصالحنا الوطنية وبالعمالة لجماعة الإخوان وبالتورط فى الإرهاب والعنف والتخريب، وتبرر من ثم انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكبها بحقهم السلطات الأمنية التى تمنع دخول الكثير من الفلسطينيين إلى مصر وتعيد بعض الأسر السورية إلى جحيم بشار الأسد وتصنف الليبيين كغير مرغوب بهم. وفى هذا تشوه واضطراب.
يدعى إعلام الصوت الواحد أيضا أن الحكومة الأمريكية وحكومات دول الاتحاد الأوروبى تقف من ترتيبات الحكم الراهنة موقفا مناوئا وتتحالف مع دولة إسرائيل والصهيونية العالمية لإسقاط الحكم وتفتيت مصر. والحقيقة هى أن الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية لا تريد أن تضحى بعلاقاتها الاستراتيجية والحيوية مع الحكومة المصرية ولا تصدر بيانات أو تعليقات سلبية بشأن «الأوضاع المصرية» إلا لجهة انتهاكات حقوق الإنسان والحريات. أما الحكومة الإسرائيلية، وفى حدود سياساتها خلال الأشهر الماضية، فرغبتها فى علاقات إيجابية مع مصر واضحة وتوظف أدواتها المؤثرة فى صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط (اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة، ومن بين مكوناته الهامة مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) للترويج لتأييد ترتيبات الحكم الراهنة فى مصر. ولا يكتفى إعلام الصوت الواحد بقلب حقائق السياسة الدولية رأسا على عقب، بل يواصل اتهاماته للغرب الأمريكى والأوروبى بالتآمر ويوسع دائرة المتآمرين لتشمل جميع منظمات حقوق الإنسان والحريات ولتضم بتعميم مريض كل باحث أو كاتب أو إعلامى ينتقد «الأوضاع المصرية» وتلصق به فورا وبعبث بالغ مرادفات الشيطنة المعهودة، يهودى/ صهيونى/ عميل للتنظيم العالمى للإخوان المسلمين. وفى هذا تشوه واضطراب.
يدفع إعلام الصوت الواحد الرأى العام فى مصر، خاصة بعد زيارة وزيرى الدفاع والخارجية لروسيا، إلى قراءة صراعية لمنظومة العلاقات والسياسة الدولية تفترض العداء بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من جهة ودول الشرق الكبرى روسيا والصين من جهة أخرى. ويسدل ستار للتجهيل على حقيقة التعاون الإستراتيجى والاقتصادى والمالى والسياسى بين الأطراف هذه، وعلى كون تنافسها فى خانات إقليمية مختلفة والشرق الأوسط من بينها لا يعنى العودة إلى دنيا النصف الثانى من القرن العشرين والصراعات الثنائية بين معسكر غربى وآخر شرقى. وفى هذا تشوه واضطراب.
تعد مواجهة مثل هذا الفهم المشوه والمضطرب للعالم القريب والبعيد وتفنيده ضرورة قصوى لاستعادة توازن مصر وتمكيننا من النظر حولنا دون خوف أو جهل، دون بحث عن مؤامرة وراء كل باب أو التعامل بمثالية مع دول قريبة وبعيدة تحركها مصالحها، دون تعميم للكراهية باتجاه الشعوب العربية التى لا تملك مساعدتنا اليوم بل تنتظر مساعدتنا لها أو تناسى نواقص شعوب عربية أخرى والصمت عنها لكوننا نتلقى مساعداتها.


اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=24022014&id=adcf7e9b-5298-4fef-8864-7b3f83c20695

ليست هناك تعليقات: