العبث بالأمن القومي واللعب بمشاعر المساكين
كنت أستمع لراديو مصر في فقرته الصباحية، وكان ذلك في عام 2012، في فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان المتحدث من جمعية "مصر الخير"، وكان يتحدث عن جهود الجمعية في مقاومة انتشار فيروس سي، وعن جهودها كذلك في تطوير بنوك الدم المصرية التي تعاني من مشاكل لا حصر لها، وخلال الحلقة تحدث عن جهاز طورته القوات المسلحة يستطيع أن يكتشف فيروس سي في المصابين به، وذلك دون أخذ عينة دم من المريض، وكيف أن جمعية مصر الخير سوف تمول إنتاج هذا الجهاز ليتم تعميمه ونشره في سائر كفور ونجوع مصر.
كان الحديث واضحا، الجهاز للكشف والتشخيص فقط، وليس له علاقة بالعلاج، وسوف يوفر عشرات الملايين على الدولة، وعلى الأفراد، لأنه سيوفر أجهزة الكشف (بي سي آر)، وتكاليف الكشف.
خبر اختراع القوات المسلحة لجهاز الكشف منشور في بوابة الأهرام بتاريخ إبريل 2012، أي قبل عهد الرئيس المعزول، وقبل 30 من يونيو، هذا هو رابط الخبر مع صورة (سكرين شوت) :
كما نشر الخبر في جريدة الأهرام الورقية بتاريخ 12 إبريل 2012، وصورة الخبر في الجريدة الورقية مرفقة أيضا.
الخبر يقول بوضوح " تم اكتشاف وتصنيع جهاز يحمل تكنولوجيا متطورة أطلق عليه "سي فاست"، يمكنه الكشف عن إصابه أي شخص بفيروس سي خلال 30 ثانية بدون عينة دم عن طريق البصمة الكهرومغناطيسية، الجهاز ابتكرته الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة برئاسة اللواء أركان حرب طاهر عبد الله، والمخترع العميد مهندس أحمد أمين في عمل استمر على مدار 19 شهرا".
مع مرور الوقت، أصبحنا أمام خبر جديد يزعم أن الجهاز نفسه (سي فاست) يكشف ويعالج فيروس سي، والإيدز، كما أنه جهاز يساعد في عمل الكفتة (!!!)، ونشر هذا الكلام في كل الصحف والمجلات والمواقع والبرامج.
الجهاز (بوصفه جهازا للتشخيص فقط) يعتبر اختراعا عظيما، والمصريون ممتنون لأي جهة ساهمت في هذا الاختراع الذي سيساهم في إنقاذ ملايين المصريين الذين يقتلهم هذا الفيروس القاتل، ولكن ... لقد دخلت السياسة على الخط، وكما يقول المثل : "قال لك عرفت ازاي انها كدبة؟ قال لك من كبرها" !
لقد تعامل المسؤول عن هذه الكذبة مع هذا الأمر بطريقة الزيت والسكر، إنها دعاية انتخابية، وهذا هزل في موضع الجد، بل هو لعب بالنار، وينبغي أن يعتذر كل شخص تورط في هذه المسرحية السخيفة، بل ينبغي محاسبة كل من سوَّلَتْ له نفسه أن يكذب على المصريين بهذه الطريقة السخيفة الرخيصة.
اكذب ثم اكذب ثم اكذب، والكذب اليوم مأمون العواقب، وكل من يعترض على الكذب سيتهم بأنه إخوان، أو عدو لمصر، أو يكره الجيش، أو إرهابي... الخ.
والحقيقة أن هذه الكذبة فيها عدة جرائم، أهمها جريمتان، الجريمة الأولى : العبث بالصورة الذهنية للقوات المسلحة، وهذا يعتبر عبثا بالأمن القومي لمصر.
لا يجوز لأي جهة – بما في ذلك القوات المسلحة نفسها – أن تظهر الجيش المصري العظيم وكأنه يروج لأخبار غير دقيقة من أجل مكسب سياسي، أو من أجل كسب أصوات انتخابية، هذه إساءة غير مقبولة، وهذا ما حذر منه كل عقلاء الوطن، نحن نورط جيشنا في السياسة بكل شرورها، ومن ضمن شرور السياسة ... الكذب، والتهويل، والمبالغات ... الخ!
والجريمة الثانية : هي اللعب بمشاعر ملايين البسطاء، الذين عشموا أنفسهم بشفاء عاجل من هذا المرض.
هل تعلم كم مصريا الآن يحلم بالشفاء من فيروس سي؟ هل تعلم كم أبا وأما وأخا وأختا وابنا وابنة يحلمون بشفاء أبنائهم وبناتهم وأخوانهم وأخواتهم وآبائهم وأمهاتهم من هذا المرض اللعين الذي يحمله أكثر من 12 مليون مصري؟
حرام عليكم إصراركم على هز الثقة في الجيش المصري، وحرام عليكم هذا العبث بأحلام البسطاء !
ملحوظة : من المعروف في الأوساط العلمية أن أي شخص أو جهة أو مؤسسة ستتمكن من علاج الإيدز أو السرطان أو فيروس سي ستحصل على جائزة نوبل فورا، وبالتالي هذا الخبر يهز صورة مصر كلها في العالم، لأن علاج هذه الأمراض مشكلة كونية، ولا يمكن التحجج فيها بأن في الأمر سر عسكري أو بحب الوطن، هذا كلام يجعلنا أضحوكة كوكب الأرض.
رفقا بمصر، ورفقا بجيش مصر، ورفقا ببسطاء مصر !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق