السبت، 1 مارس 2014

الحنين إلى مسقط الرأس



التعلق بالأرض أحد أبرز سمات الكائن البشري.فالناس على مختلف فئاتهم العرقية والحضارية والعقائدية يرددون أو يصرحون بذلك الشعور على الدوام،حتى يكاد يكون من بين أكثر القيم رسوخاً لدى الجنس البشري.وقد تناول الكتـّاب والمفكرون في العلوم الاجتماعية هذه الظاهرة،.فمنهم من عدّها حاجة ذات أهمية لازمة لحياة الفرد وبنائه النفسي السليم،أي شعور الفرد بكينونته وانتمائه الى عالمه المحلي.
ومنهم من عرض المسألة بمفهوم العائلة التي يولد وينشأ فيها الفرد ضمن محلته أو منطقته.فيما عرضها فريق آخر بدالة المحيط الأكبر،أي المجتمع أو الجماعة البشرية التي يترعرع وسطها الفرد ويستمد منها هويته النفسية والاجتماعية.وإن أردنا تقييم وجهات النظر هذه،لوجدناها بالرغم من اختلاف زوايا النظر بينها،إلا أنها تجتمع عند نقطة مشتركة،هي أن خاصية الانشداد إلى مسقط الرأس تبقى ذات أهمية حيوية لدى كل إنسان،وتشغل مساحة خاصة من كيانه النفسي والوجداني.وفي ذلك مصداق لقول الشاعر:
((كم منزل في الحي يألفه الفتى***وحنينه أبدا لأول منزل)).
ومن هنا يأتي التساؤل:لماذا هذا التعلق بمكان الولادة؟ولماذا تظل ملاعب الطفولة وذكرياتها تشغل حيزاً خاصاَ في ذاكرة الفرد وعواطفه من دون المراحل العمرية الأخرى؟

يقدم علم النفس وجهات نظر عديدة بهذا الشأن: 
1-فمنها من يفسر ذلك على أنه نوع من (الاقتران الشرطي) بين مسقط الرأس وما يرافق مرحلة الطفولة من أحداث وخبرات وانفعالات؛بمعنى إن مسقط الرأس ومرحلة الطفولة كليهما يزرع في الآخر عاطفة الحنين،ويصبح الحب لأحدهما مشروطاً بالآخر.ووفقاً لمبدأ الاقتران هذا،فإن عاطفةالحنين إلى مسقط الرأس ستتأثر بالطفولة إيجاباً إن كانت هادئة مطمئنة،وسلباً إن كانت قلقة يعتريها الحرمان.
2- وفي وجهة نظر أخرى يجسدها النموذج المعرفي،يبرز افتراض مفاده أن الخبرات السارة أكثر قابلية للاسترجاع من الخبرات المؤذية.ووفقاً لذلك سيكون مسقط الرأس أو صور الطفولة أكثر احتمالاً للتذكر وللتعلق بها،إن كانت تتضمن خبرات سارة أكثر منها تضمناً لخبرات مؤلمة
أنصار التحليل النفسي ماذا يرون؟


أن مسقط الرأس يبقى عالقاً في لاشعور الفرد،بوصفه البيت النفسي الأول الذي اسست فيه شخصيته،ويعتقدون أن مشاعر الحب والكره لمسقط الرأس أو الناس ذوي الصلة به،ستصاغ جميعاً وفقاً لخصائص ذلك البيت،ويضربون في ذلك مثلاً بوجود الشخصية المعادية لمجتمعها أو المحبة له أو تلك التي تشعر بعدم الاكتراث تجاهه.ولكن قد يجادل مبحث آخر بقوله أن مسقط الرأس أو مكان الطفولة يظلان في كل الحالات راسخين عالقين في الذات بوصفه تلك البهجة المفقودة والصفاء المطلق،مهما كان في حقيقته حنوناً أو قاسياً،ساراً أو مؤلماً.

ألاعراض التي يتضمنها اضطراب الحنين إلى مسقط الرأس:
من بينها:الأرق الحاد،والشعور بالغربة على نحو مستمر،وركود المزاج، وفتور المشاعر،و الانفصال عن المحيط، والاكتئاب، والميل للعزلة.وقد تشتد الحالة لتصل إلى الانهيار النفسي وفقدان الطاقة والقدرة على الاستمرار..ويلاحظ أيضاً مصاحبة بعض الأعراض البدنية هذا الاضطراب،كالغثيان والتقيؤ وانخفاض ضغط الدم. 

و أخير يبقى السؤال:هل يشتاق الإنسان إلى مسقط رأسه لأنه يريد أن يشتاق إليه، أم لأنه يستحق الاشتياق حقاً؟ وهل الحنين إلى الماضي فكرة يبتكرها أغلب الناس لمناورة الحاضر والتغلب على قسوته، أم إنه يقين يتأتى من أن دهشة اكتشاف الإنسان للحياة في سنواته الأولى تبقى هي الأحلى لأنها لم تتلوث بعد بخيبات الأمل؟ 

ليست هناك تعليقات: