السبت، 1 مارس 2014

محطة الرمل.. مفتاح الإسكندرية




يعد ميدان محطة الرمل من أجمل معالم مدينة الإسكندرية، ثاني كبرى مدن مصر، وعروس شاطئها المتوسطي.
في هذه البقعة، في مقاهيها وشوارعها ومبانيها ذات الطرز الخلابة، جلس وجال مشاهير الأدباء والفنانين والشعراء من شتى بقاع العالم. وكما في الماضي لا تزال المحطة مهوى أفئدة الأصدقاء وطلاب المدارس والجامعات والوافدين من كل حدب وصوب. كرنفال مدهش من البشر والكل يبحث عن ضالته.. المثقف الذي ينقب عن أحدث الكتب والمطبوعات، والموظف الذاهب إلى عمله في هذا الحي التجاري الناشط، والسائح الراغب في تمضية وقت لطيف في أحد المقاهي أو المطاعم المنتشرة في كل ركن من أركان المكان.

المحطة نفسها ظهرت إلى الوجود مع تدشين ترام الإسكندرية، وكان المهندس الإيطالي الشهير أنطونيو لاشياك قد وضع تصميما أنيقا لها عام 1887، ومنذ تشييدها وهي تضج بالحياة. وفتحت حولها محال كثيرة لتلبية رغبات ركاب الترام، أكثرها لبيع الجرائد، وأشهرها ركن الحاج محمد الرملي المتاخم لسنترال محطة الرمل الذي يقصده الكتاب والمشاهير.

وأصبحت محطة ترام الرمل واحدة لمشاهير العالم، كالشاعر اليوناني الشهير قسطنطين كفافيس الذي عمل وقطن في محيط محطة الرمل، وتحول بيته إلى متحف في شارع متفرع من شارع النبي دانيال وأطلق عليه اسم شارع كفافيس. وكذلك الروائي البريطاني لورانس داريل صاحب «رباعية الإسكندرية». ولقد أثرت المدينة وميدان محطة الرمل في كثير آخرين.. كالأديب البريطاني إي إم فورستر، والشاعر الفرنسي جان كوكتو. والقائد البريطاني الماريشال برنارد مونتغمري، وزارها نجم الروك العالمي ألفيس بريسلي، والروائية البريطانية العالمية أغاثا كريستي، وأسطورة الملاكمة العالمية محمد علي (كلاي)، والنحات البريطاني العالمي هنري مور والمغنية والممثلة الفرنكو أميركية جوزفين بيكر. وعاش فيها المغني اليوناني - السكندري الشهير ديميس روسوس، والأديب العالمي نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والشاعر أمل دنقل، والأميرة فوزية والملكة نازلي، ونجيب الريحاني وليلى مراد وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب، وكان يقيم فيها الفنانان التشكيليان الأخوان أدهم وسيف وانلي، وغيرهما.

يتميز ميدان محطة الرمل بتمثال الزعيم سعد زغلول الشاخص نحو البحر، لنحات مصر الأشهر محمود مختار عام 1938، تتوسطه حديقة غناء تتسم بالبساطة والجمال، كانت من قبل تحتضن مسلتي كليوباترا قبل نقلهما إلى بريطانيا والولايات المتحدة. ومن أجمل المباني التجارية المتاخمة لمحطة الرمل مبنى الغرفة التجارية الذي صممه المعماري الفرنسي فيكتور لارانجير عام 1910.
وعلى الرغم من إيقاع الحياة الحديثة السريع لا يزال لمحطة الرمل ومحيطها لمحات أوروبية في كل شيء.. مذكرة بأيام ترامت لمسامع المار فيها الأغاني اليونانية والإيطالية والفرنسية. وقد شيد معظم مباني المنطقة الإيطاليون والفرنسيون، وحرصوا على تطعيمها بالألوان الزاهية وشتى أشكال الزخارف الإسلامية، ومن أهم هذه البنايات: فندق «سيسيل» بشرفاته الأنيقة وطرازه الفلورنسي، وصممه الإيطالي لوريا، وكان من أملاك الجالية اليهودية. وتجاور الفندق مقاه شعبية، بعضها يعود إلى أفراد الجالية اليونانية، ومواقف لعربات الحنطور الفولكلورية. كما يضم محيط محطة الرمل مقر منظمة الصحة العالمية الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، ومقر القنصلية الإيطالية. ويمتد شارع محطة الرمل موازيا للترام، وعلى جانبيه محال متنوعة، وفيه نادي ضباط القوات المسلحة المواجه لمسجد القائد إبراهيم، وكان من قبل نادي الضباط الإنجليز.

إلى ذلك، وكانت محطة الرمل - ولا تزال - مجمع دور السينما في الإسكندرية، ومنها سينما «راديو» وسينما «رويال»، ونقطة الانطلاق للكثير من أماكن الترفيه، كمسرح «الهمبرا» ومسرح محمد عبد الوهاب ومسرح شهرزاد ومطاعم ومقاهي كاليثيا وأثينيوس ومون سنيور. وعن أشهر وأعرق مسارح الإسكندرية مسرح «الهمبرا» يقول العم فتحي عبد الله الشهير بـ«فتحي الهمبرا» (80 سنة) لـ«الشرق الأوسط» راويا: «كان والدي حارس المسرح، وكنت أساعده منذ كان عمري 8 سنوات، ومن هنا أطلقوا علي هذا اللقب. كانت من أروع وأجمل أيام حياتي، كنت أحضر حفلات الست أم كلثوم، وكان مجرد وجودها في الإسكندرية يعني أن محطة الرمل والمنطقة المحيطة بالمسرح كاملة العدد، فلا مكان لقدم. وكان النساء والرجال يأتون إلى الحفلات غاية في الأناقة، وكانت الصالة تفوح منها روائح باريسية. وأذكر أنه في إحدى حفلات أم كلثوم، احترق الميكروفون، ولكن أم كلثوم واصلت الغناء وكأنها تغني من فوق جبل عال في منطقة صحراوية، وسط ذهول الجميع. وحضرت حفلات (العندليب) (عبد الحليم حافظ) وفريد الأطرش وغيرهما، وبعد تهدم المسرح وتحوله إلى خراب ظهرت الملاهي وبعض المحال التجارية». ويتنهد «فتحي الهمبرا» بأسى: «لكن حنقول إيه؟ قول للزمان ارجع يا زمان، ده اللي عامل جو اليومين دول الترام، ولو من غيره مش حيكون فيه محطة الرمل».


وفي شارع سعد زغلول، باتساعه ورحابته، يحلو السير والتسوق. فعلى جانبيه تتلاحم المحلات ويفترش الباعة الأرصفة عارضين بضائعهم التي تتنوع ألوانها وأشكالها وكأنها فسيفساء ملونة قوامها لعب الأطفال والأوشحة والإكسسوارات والتحف والهدايا التذكارية والأحذية. ويتميز الشارع بفخامة مبانيه، ففي بدايته يقف فندق «متروبول» العتيق، تجاوره أشهر المقاهي والمطاعم اليونانية الأصل ومنها «تريانون» و«ديليس»، و«البن البرازيلي»، ومن المحال التي خلفتها آلة الزمن «عمر أفندي» و«شيكوريل». ولا تزال بصمات الجالية اليونانية ماثلة هنا في صيدلية «جوانيديس»، ومحل «مينرفا» ومحال الملابس، «برستيج» و«فوغ» و«كلارك»، والبازارات التي تبيع التذكارات الفرعونية. كذلك يزخر الشارع بمكتبات أكل عليها الدهر وشرب، مثل مكتبتي «دار المعارف»، و«جارو»، وحلواني «بودرو» اليوناني.


ويتفرع من شارع سعد عدة شوارع، من أهمها: شارع الكنيسة المرقسية، أقدم كنائس أفريقيا والشرق الأوسط، ويضم البنوك المالية وبورصة الأوراق المالية، وتقع فيه مدرسة الطائفة اليهودية، المتاخمة للمعبد اليهودي «إلياهو حنابي» أهم وأقدم المعابد اليهودية. وشارع النبي دانيال، ويضم مسجد النبي دانيال الأثري وآثارا بطلمية، وأشهر ما يميزه باعة الكتب القديمة. وشارع صفية زغلول، القريب من المسرح الروماني وفيلا الطيور،

 وفيه سينما «ريالتو» وسينما «مترو» المتواجهتين، ومطاعم عدة، منها «استريا» و«سانتا لوتشيا»، وبعض محلات الملابس، والتوكيلات العالمية للأجهزة الكهربائية والنظارات والأحذية. ويتقاطع مع شارع صفية زغلول شارع السلطان حسين الذي يضم أشهر محلات الجلود والأصواف. وهناك شارع فؤاد حيث يوجد مسرح سيد درويش «دار أوبرا» الإسكندرية، ودور سينما «أمير» و«ريو» و«ريفولي» و«بلازا» سابقا، ومحلات الزهور.

ليست هناك تعليقات: