‏إظهار الرسائل ذات التسميات فيلم أغورا ، هيباتيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فيلم أغورا ، هيباتيا. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 23 فبراير 2014

هيباتيا شهيدة العلم في فيلم أغورا


في الاسكندرية القديمة
"أجورا" كلمة يونانية معناها "الساحة" التي كان يجتمع فيها المثقفون والشعراء والعلماء في أثينا القديمة أو في الاسكندرية في زمن الامبراطورية الرومانية بعد انقسامها حول عاصمتين: روما والاسكندرية.
أما الشخصية الرئيسية في الفيلم فهي شخصية هيباتيا.. تلك العالمة الاغريقية الأسطورية التي أثارت سخط الكنيسة القديمة التقليدية، كنيسة الاسكندرية، بسبب نبوغها العلمي وتأثيرها الكبير في المجتمع رغم كونها يونانية "وثنية" رفضت الانصياع للتعاليم الجامدة للكنيسة في تلك الفترة من القرن الرابع الميلادي.
وهيباتيا بالمناسبة، هي إحدى الشخصيات الرئيسية في رواية "عزازيل" للكاتب المصري يوسف زيدان الفائزة بجائزة جونكور العربية لعام 2009. وهي التي ينتهي مصيرها في الرواية والواقع بالقتل بطريقة تقشعر لها الأبدان، على أيدي المتعصبين، الذين يبيحون قتل الآخرين باسم الدين، بل ويحرقونها وهي مازالت حية.
وقد قدم زيدان في روايته وصفا تفصيليا أدبيا رفيعا لحادث اغتيالها في "الساحة" الرئيسية بمدينة الاسكندرية وهي في طريقها لإلقاء محاضرة على جمهورها.
وهيبا- من هيباتيا- هو الإسم الذي أطلقه على بطل الرواية، الراهب المصري الذي جاء من الصعيد إلى الاسكندرية للتزود بعلوم اللاهوت، وبدلا من ذلك انساق وراء التعلم من تجارب الحياة ذاتها. وقد تسمى باسم هيبا تحية وإعجابا بالعالمة اليونانية العظيمة التي راحت ضحية التعصب والتزمت والجهل.
أما فيلم "أجورا" فهو الأول في تاريخ السينما الذي يتناول شخصية "هيباتيا، وقد جرى تصوير الفيلم في جزيرة مالطا، حيث شيدت ديكورات هائلة لمدينة الاسكندرية القديمة التي كانت العاصمة الثانية للإمبراطورية الرومانية في تلك الفترة، بفنارها الشهير، ومكتبتها التي اعتبرت مهد العلم والمعرفة في العالم القديم.
من فيلم آجورا
أوريسيوس.. يستسلم لمنطق القوة كأي سياسي في عصره
واستخدم المخرج آلاف الممثلين الثانويين، في المشاهد التي تستخدم فيها الجموع، خاصة المشاهد النهائية في الفيلم، وذلك على نحو يذكرنا بالأفلام التاريخية الملحمية الكبيرة التي كان يخرجها سيسل دي ميل، أو الأفلام الكبيرة التي خرجت من هوليوود في الخمسينيات والستينيات. أساس موضوع الفيلم هو ذلك الصراع الشهير الذي ميز العصر الأول بعد اعتناق الإمبراطورية الرومانية المسيحية التي أصبحت الديانة الرسمية للدولة، والسماح لمسيحيين بالدعوة لديانتهم والتحرك بحرية في أرجاء البلاد.
لكن من بين هؤلاء من استخدموا الاعتراف الرسمي بديانتهم من أجل إرغام الآخرين على اعتناق المسحية، حتى أولئك الذين لم يكن يمكن اعتبارهم من الذين يقفون في معسكر أعداء الديانة بأي شكل من الأشكال.
وعلى رأس هؤلاء بالطبع "هيباتيا" عالمة الفلك والرياضيات والفيلسوفة الشهيرة التي اعتبرت الأم الروحية للعلوم الطبيعية الحديثة. رمز الحكمة
ويصور الفيلم هيباتيا ابنة رئيس مكتبة الاسكندرية العالم الكبير "ثيوس" الذي يكن له الجميع الاحترام والتقدير، باعتبارها رمزا للحكمة والتسامح، وبتركيز خاص على أبحاثها المتعلقة بوضع الإنسان في الكون، وموضع كوكب الأرض بالنسبة للشمس، وهل الأرض كروية أم مسطحة، وما الذي يبقي الأرض سابحة في الفضاء.
في الوقت نفسه يصور الفيلم علاقتها بشخصية "متخيلة" هي شخصية "أوريستوس" الروماني الذي يتدرج في السلك العسكري والسياسي إلى أن يصبح الحاكم الفعلي للمدينة وممثل الامبراطور الروماني بعد انشقاق الامبراطورية وإشرافها على التفكك، مفسحة الطريق لنظام عالمي جديد مع انتشار المسيحية.
هناك علاقة عاطفية واضحة بين هيباتيا وأوريسيوس، الذي يقف مدافعا عنها إلى ما قبل النهاية عندما يستسلم لمنطق القوة مثل أي سياسي في عصره، ويتخلى عن حمايتها أمام تشبثها بفكرة الحرية: حرية العقيدة والاختيار.
ومن جهة أخرى هناك أيضا "دافوس" العبد الذي يتحول تدريجيا إلى اعتناق المسيحية، وتمنحه هيباتيا حريته، لينطلق وينضم إلى الجماعات المتطرفة التي يقودها رجل الدين "أمونيوس" (يقوم بدروه أشرف برهوم الممثل الفلسطيني في فيلم "الجنة الآن").
يحرض "أمونيوس" على الاستيلاء على معابد الرومان والاغريق إلى أن نصل إلى اقتحام مكتبة الاسكندرية من جانب الجماعات المهووسة بالدين كما يصورها الفيلم، حيث تأخذ في هدم وتدمير المحتويات بدعوى أنها تنتمي إلى التراث الوثني، وتهدم التماثيل وتسقط الرموز الفنية وتحرق الوثائق والأبحاث العلمية والخرائط.
بعد ذلك يبرز دور الأسقف "سيرل" وتتصاعد الدعوة إلى ضرورة الفتك باليهود المقيمين في الاسكندرية والتنكيل بهم وهو ما يصوره الفيلم في مشاهد هائلة: تحطيم المحلات التجارية والاستيلاء على أموال اليهود ونهب بيوتهم ثم قتلهم بأكثر الطرق وحشية فيما يصرخ كبير الحاخامات: "لو لم يكن اليهود لما كنتم أنتم أيها المسيحيون.. لقد كان المسيح يهوديا"!
ومع اشتعال حمى رفض الآخر والفتك بكل من يختلف مع "الجماعات" التي تدعي احتكار الحقيقة المطلقة، تتجه دعوة الأسقف سيرل إلى منع الاستماع للنساء، بل وحظر بروز المرأة في المجتمع والعمل على إعادتها للمنزل، وحظر اشتغال المرأة بالفكر أو التدريس، بل والتحريض على قتل هيباتيا باعتبارها "وثنية" معادية للديانة الجديدة رغم دفاعها عن حق الآخرين في الاعتقاد كما يشاءون.
من فيلم أجورا
من مشاهد هيباتيا
يقبضون عليها ويسوقونها بعيدا ويجردونها من ملابسها، ويستعدون لحرقها في الساحة، إلا أن الفيلم لا يصور النهاية الحقيقية التي انتهت إليها هيباتيا في الواقع كما تحفظ كتب التاريخ، أي تمزيق جسدها ثم حرق أشلائه.
بدلا من ذلك نرى عبدها السابق "دافوس" الذي يكن لها حبا ممزوجا بالاشتهاء، وهو يحتضنها بقوة ثم يقوم بخنقها بينما هو يتمزق ألما وحسرة عليها، حتى يجنبها مصيرها البشع المحتوم. ولاشك أن المصير الذي تنتهي إليه هيباتيا له تأثيره، لكن تغيير المسار الصحيح يبدو غير مفهوم في سياق الفيلم.
أصداء معاصرة لاشك أن الفكرة الأساسية وراء الفيلم هي فكرة ذات أصداء معاصرة تماما. وكما تستخدم رواية "عزازيل" التاريخ للإسقاط على الواقع الحاضر، يستخدم الفيلم قصة "هيباتيا" للتطرق إلى معالجة فكرة التعصب الديني، ورفض التعايش مع الآخر، ونبذ المرأة واستبعاد دورها وتقزيمه، واحتقار العلم بدعوى تعارضه مع الدين، وغير ذلك من الأفكار المعاصرة تماما والتي تتسق مع ما يحدث في عالمنا حاليا.
ولاشك أن الفيلم يعبر عن رؤيته الفكرية باستخدام أقصى ما تسمح به لغة التعبير المرئي في السينما: التجسيد البصري للأماكن والأحداث والشخصيات، خلق حبكة تدور من حولها الدراما دون أن تكون الحبكة مقصودة في حد ذاتها، الاستخدام الموحي للتكوين وحركة الكاميرا وزوايا التصوير التي تتنوع وتتباين حسب مزاجية المشهد وما يحتويه، الموسيقى التي تغلف الصورة وتلعب دورا مباشر محسوسا تحت جلدها.
وعلى العكس من أفلام سيسل دي ميل التوراتية أو الأفلام التاريخية التي خرجت من هوليوود حديثا مثل "المصارع" وغيره، ليس الهدف من تصوير تلك الدراما الهائلة الإبهار أو إثارة المشاعر، بل أساسا، الدعوة إلى التأمل: تأمل الماضي للاستفادة من دروسه.
ولذا، يفرد الفيلم مساحات واسعة يتوقف خلالها ويركز على الفضاء، والكواكب السابحة في السماء، ويصور علاقة هيباتيا بالعالم من خلال بحثها فيما وراء العالم المحسوس المرئي والمباشر.
عندما يهددها رجل الدين "أمونيوس" بالموت إذا لم تعتنق المسيحية، تقول أمام الجميع في بساطة وعفوية مخلصة إنها تؤمن بالفلسفة.

المصدر 
مقال أمير العمري 

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_8056000/8056289.stm