‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطفي زين ، الحياة ، عكاظ ، الشروق ، اليوم السابع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصطفي زين ، الحياة ، عكاظ ، الشروق ، اليوم السابع. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 10 مارس 2014

عيون وآذان(عندما كان الحال أفضل)



فزعت من السياسة العربية إلى مكتبتي الأدبية واخترت كتاباً فوقعت فيه على التالي (باختصار):
كانت زيارة الرئيس السوري شكري بك القوتلي لبنان في 22/2/1947 حدثاً تاريخياً لما اتصفت به من حرارة في تبادل عبارات المودة بين الرئيسين اللبناني والسوري، ولاحتشاد الجماهير المتحمسة لاستقبال الرئيس السوري.
ونشرت صحيفة «اليوم»، لصاحبها وفيق الطيبي، في ذلك النهار صورة سيفَيْن متعانقين، ونشرت تحتها قصيدة الشاعر محمد علي الحوماني، ومطلعها:
يا سيف جلق عانق سيف لبنان / فقد تعاهد للجلى رئيسان
أعيت على الدهر في لبنان تفرقة / وقد تلاحم انجيل بقرآن.
ويصف الرئيس بشارة الخوري في كتابه «حقائق لبنانية» كيف استقبل الرئيس القوتلي وكيف ودَّعه ويقول «... وإذا ظهر عناق الاستقبال عناق صديقَيْن فقد كان عناق الوداع عناق أخوَيْن».
الجماهير الحادية أمام القصر الجمهوري حَدَت:
هيّا يا رفاقي هيّا / للأعالي نتهيّا
تعزَّزْ يا بيرق لبنان / حدَّك بيرق سوريّا
ما سبق من كتاب «القيل والقال والنظر في عقول الرجال» وهو العاشر في سلسلة الأدب الشعبي لابن جنوب لبنان سلام الراسي رحمه الله. لم يبقَ مثله كثيرون في لبنان وسورية.
كم مرة سألت: أين كنا وأين صرنا؟
شكري القوتلي ورث أرضاً عن والدته في الغوطة، ولم يكن يملك من المال ما يكفي لبناء بيت له فيها. وسامي الحناوي اغتاله في لبنان حرشو البرازي وهو يقول له: يا سامي قتلت كتير من ربعنا. وكان الانقلابي سامي الحناوي ينزل من الترمواي في محطة المصيطبة، أي يستعمل وسيلة نقل بفرنك. أما الرئيس ناظم القدسي فكان في شقة متواضعة في بيروت، وانتقل خلال الحرب الأهلية إلى الأردن، وكنت أعرف الكثير عنه فقد كان ابنه فيصل، وهو رجل أعمال وبنوك بارز الآن، مع أخي الأصغر بسام في مدرسة الشويفات.
كان القادة شرفاء، حتى الذين أخطأوا منهم، وكنا نعيش حلم وحدة عربية قادمة تركه لنا سياسيو عصر النهضة وشعراؤها. واليوم الحلم كابوس جاثم على الصدور.
يكفي ألماً، ففي الكتاب نفسه قرأت بيتين من الشعر يُنسبان إلى الشاعر القروي، رشيد سليم الخوري، هما:
لبنان يرسف في أغلال محنته / ولا يقال له لبيك لبنان
إذا تخاذل أهل الرأي وافترقوا / فاستنهِض الجن إن الجنَّ مِعْوان
لا أعرف الجن ولكن أعرف الشياطين وتحديداً شياطين الشعراء فقد أشار إليهم أستاذي إحسان عباس في كتابه «تاريخ النقد الأدبي عند العرب»، وهم وردوا في «الأغاني»، وأيضاً في رسالة «التوابع والزوابع» لابن شهيد الأندلسي الذي قال: امرؤ القيس شيطانه عتيبة بن نوفل، وطرفة بن العبد له عنتر بن العجلان، وأبو تمام له عتاب بن حبناء، والبحتري له طوق بن مالك، وأبو نواس له حسين الدنان، والمتنبي له حارثة بن المغلس.
حسان بن ثابت قال:
ولي صاحب من بني الشيبصان / فحيناً أقول وحيناً هوه.
وقال أبو النجم:
إني وكل شاعر من البشر / شيطانه أنثى وشيطاني ذكر.
وقال جرير:
إني ليلقي علي الشعر مكتهل / من الشياطين إبليس الأباليس.
أخيراً، هذا البيت من الشعر:
أكارم حسد الأرض السماء بهم / وقصرت كل مصر عن طرابلس.
البيت للمتنبي، ولن أقول له تعال وأنظر ما يحدث في طرابلس اليوم. هو راح وارتاح وبقينا نحن.

الأحد، 9 مارس 2014

في الحركات السياسية الإسلامية مقال مصطفي زين في الحياة اللندنية



يبدو العالم العربي كأنه يمر بمرحلة تاريخية أقرب ما تكون إلى مرحلة القرون الوسطى الأوروبية وحرب المئة عام: صراعات يتداخل فيها الديني بالسياسي بالاقتصادي، والتخلف والتوحش (بتعبير ابن خلدون) بالتوق إلى التقدم، والتمسك بالماضي بالسعي إلى الحرية من سطوة رجال الدين الذين يستخدمون موقعهم لبسط سلطتهم على الدولة والمجتمع. هم يحللون ويحرمون. يدعون القداسة في حين يغوصون في وحول السياسة وخدعها. يتحالفون مع هذا الحاكم أو ذاك. يجرمون هذه الطائفة ويرفعون من شأن تلك. يتكاثرون كالفطر. يملأون الفضاءات التلفزيونية. لا يتورعون عن الإفتاء بالقتل والتحريم، وحتى بطريقة الذبح والنحر والصلب. يمارسون كل ذلك وابتسامة الرضى تعلو شفاههم، مطمئنين إلى الثواب في الدنيا والآخرة.
في أوروبا القرون الوسطى كان الصراع محتدماً بين الديني والعلماني، أو بين الكنيسة ودعاة الدولة المدنية. في العالم العربي يدور الصراع الآن بين دول ادعت العلمانية وحركات شعبية دينية يقودها شيوخ، بعضهم معمم. ويشكل «الإخوان المسلمون» أكثر هذه الحركات تنظيماً. هم أصحاب تجربة طويلة في السعي للوصول إلى السلطة. تجربة اعتمدت وتعتمد السياسة والعنف، والتحالف مع الأنظمة ثم الانقلاب عليها. واللجوء إلى الغرب «الكافر»، على رغم العداء الأيديولوجي. أي أنهم الأكثر خبرة في الانتهازية السياسية. أما الحركات التي انشقت عنهم مثل «القاعدة»، و «جبهة النصرة»، و «داعش»، وحزب «التحرير» وغيرها، فتشكل بصراعاتها بين بعضها، وبتكفيرها الآخرين نموذجاً جديداً بقدمه، تلتحق به جماعات عربية وغير عربية. جماعات ناقمة على مجتمعاتها المتجهة إلى التطوير الفكري السياسي وإلى الحرية، وعلى الأنظمة الفاشلة التي لم تستطع تأمين الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية. هي أحزاب أو جماعات لا تسعى إلى التحرر بل إلى فرض نمط ديني من الاستبداد. استبداد عرفته الشعوب العربية وغير العربية مع أنظمة حكم بادت، مثل الدولة الدينية في أوروبا، أو السلطنة العثمانية. أي الاستبداد الشرقي والغربي.
هل نستطيع القول إن هذه الصراعات تشكل بدايات تشبه الصراع الديني في أوروبا خلال القرون الوسطى؟ وهل تكون الصيرورة التاريخية واحدة؟ أي هل تنبثق ثورة داخل الحركات السياسية الإسلامية تقود إلى انتشار التسامح والاعتراف بالمذاهب المتعددة؟
حرب المئة عام في أوروبا تخللتها مراحل هدوء وسلام كثيرة قبل أن تستقر الأمور ويجري فصل الدين عن الدولة. فهل نحتاج إلى مئة عام ليتحقق الأمر في بلداننا؟