الخميس، 27 فبراير 2014

ماهو دور المثقف في مجتمعه ؟ (2)


ماهو دور المثقف في مجتمعه ؟ (2)

هل كل من امتلأت مكتبته من جميع أصناف الكتب و أحجامها، ومن استطاع الوصول إلى المنبر أو التلفزيون أو الصحف، و من وقف ضد احتجاجات أو تصويتات أو معارضات، أو كان صوتاً لأغلبية صامتة، نستطيع أن نقول عنه مثقف؟، إذا كانت الإجابة بنعم، فمالذي يستطيع فعله هذا للمجتمع؟ للساحة؟ ومالذي سيقدمه أكثر من أي يقدم نفسه في المؤتمرات و الأمسيات و الاحتفالات والمحاضرات؟، وإذا كانت الإجابة لا ، فمن هو المثقف الحقيقي؟ وماهو دوره في المجتمع؟ ومالصورة التي وضعت له في أذاهننا من خلال الكثير من الممارسات التي نشاهدها من بعض الناس باسم الثقافة و المثقفين؟.
إن الصّورة المثالية التي جعلته شخص لا يتحدث إلاّ بالمثل العليا و الكاملة و القيم الصحيحة و المباديء ذات الأهداف السامية هي الصورة التي يراها الكثير للشخص المثقف، هذا بالإضافة إلى كون حتى بعض من يمتثلون بهذه الصفات يعتقدون بطريقة ما أنهم ينتمون إلى فئة المثقفين، فمن أين جاء هذا التصور؟ هل خلقه المجتمع المحيط بهؤلاء؟ أم هم من صنعوه وبالتالي انعكس ذلك على تصور المجتمع لهم؟
إن ما للمثقف من دور هام في المجتمع هو ما يجعله أسفل بقعة ضوء مسلطة عليه، وعلى تصرفاته وحركاته، وما يجعل ما ينتجه إما يقود به جماعة، أو يقع تحت مجهر آخرين، ولما له من مكانه بالغة الأهمية في عملية التغيير في أي وسط، وكونه القدوة للكثير، ألزمه بأن يكون هناك رقيب عليه داخل نفسه يحسب فيها كل خطواته، ولكن هذا إذا وجد الجمهور المثقف الحقيقي الذي يحمل بجدارة هذا الإسم، أو هذه الصفة...
إن المثقف هو شخص يفكر بعقل، يجيد التحكم بتصرفاته وفق ما يتناسب مع الوضع، لا يقف أمام أي مشكلة دون البحث فيها ومحاولة الوصول إلى أبعادها الشاملة ومن ثم محاولة إيجاد الحلّ لها، لا يعتقد أنه وصيّ على أحد في المجتمع إنما لكلّ إنسان حقّ له في التعبير عن رأيه، وحق عليه في الإصغاء للآخرين، يؤمن أنه حينما يخطيء لم يفشل، إنما قام باجتهادات لم تكن صحيحة بعض الشيء وأن لازالت هناك فرص أخرى، والأهم يقرأ ” بوعي ” أكثر مما يكتب...
وإن الأمر مع المثقف هو تماماً مثل المتعلم، الذي كلّما تعلّم أكثر كلّما اكتشف أنه ازداد جهلاً، لذا فهالمثقف الحقيقي لا يمكن أن يصل إلى مرحلة ويقف عندها ويقول عن نفسه : أنا مثقف، لأنه يعلم تماماً أن الثقافة ليس لها سقف تتوقف عنده، وليست محصورة في كم من الكتب أو المعلومات أو الأطروحات، فهو في كلّ مره يبحث أكثر وأكثر، ويرى أنه لازال بحاجةٍ إلى المزيد...
ولكن حينما نستعرض الآن لدينا أغلب المفكرين والأدباء الذين يتواجدون الآن في ساحتنا بشكل كبير ونحاول أن نحدد من منهم نستطيع أن ندرجه تحت مسمى ” المثقف الحقيقي ” فإن من سنستثنيهم أكثر ممن سنختارهم، وهذا واقع مؤسف، بينما الصامتين البعيدين عن الشاشة و الصحافة والإعلام و المؤتمرات و الأمسيات وكل هذا الحضور بينهم الكثير من المثقفين، ولا أدري هل السبب يعود إلى الصورة الطاغية في المجتمع لشخص ” المثقف ” ؟ أم أنه يبحث عن العزلة ويتعمدها لينشغل بذاته ويشتغل عليها؟، ولكن هل أدرك ما هو دور المثقف في المجتمع قبل أن يقمع نفسه ويعزلها؟.
ولنرى هنا أيضاً المتحدثين، الظاهرين في الإعلام من المثقفين، هل هم ممن مارسوا السلطة؟ والوصاية؟، حتى الآن وجدت كتاب ” أوهام النخبة أو نقد المثقف ” لعلي حرب الصادر عن دار الفكر العربي أفضل ما قرأت عن ” المثقف “، حتى بعد أن قرأت ” آلهة تفشل دائماً ” لإدوارد سعيد الصادر عن دار التكوين، يقول علي علي في كتابه عن دور المثقف : ( خلق واقع فكري جديد، بإنتاج أفكار جديدة، أوبتغيير نماذج التفكير، أو بابتكار ممارسات فكرية جديدة، أو بإعادة ابتكار الأفكار القديمة على أرض الممارسة وفي أتون التجربة )، ولكن هل المثقف قام بهذا الدور في المجتمع؟ هل أداه؟ وهل اشتغل عليه في داخله كي يصل إلى الجمهور بالصورة الصحيحة؟ خاصة وأنه يعتبر لدى الجمهور ” قدوة ” جاهزة أمامه، يرى حرب أن المثقف نسي كل هذا وصرف اهتمامه : ( إلى إقحام مقولات على الواقع بطريقة تبسيطية تعسفية ارتدّت عليه، فكان هو ضحيتها، أو كان المجتمع هو الضحيّة لدى محاولات تطبيقها)، إذاً فالأفكار ماهي إلاّ المحرك الحقيقي للممارسات، الدافع له، المغير لمساره، المُظهره بالصورة، لذا : ( فالعالاقة بالأفكار هي علاقة خلق وإبداع، سواء تعلق الأمر بإنتاجها وتوليدها، أو بتوظيفها واستمثارها، بهذا المعنى لا يصح الحديث عن تطبيق، بقدر ما يصح عن إعادة نتاج أو ابتكار هي ترميم متواصل للفكر في ضوء ما ينبجس ويحدث)....
إذاً فالمفترض أن بالمثقف ألاّ يعمل على أفكار وتوجهات و شعارات كان موجودة سابقاً، ليأتي هو ويطبقها دون العمل على خلق فيها أي حاله أو الإبداع، وأن يخلق له مفاهيمه الخاصة من خلال تفكيره الخاص وتوليده للأفكار والإبداع، والوعي بكلّ هذا قبل التطبيق .. هو الأهمّ!.، فالأفكار والإيمان هي الأساس التي تنبني عليها الممارسات...

ليست هناك تعليقات: