‏إظهار الرسائل ذات التسميات سلامة موسي ،حرية الفكر ، التاريخ ، الثقافة ، سقراط. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سلامة موسي ،حرية الفكر ، التاريخ ، الثقافة ، سقراط. إظهار كافة الرسائل

السبت، 1 مارس 2014

البلاغة العصرية واللغة العربية

البلاغة العصرية واللغة العربية

هي أصوات نصدرها، ورموز ننقشها، إنها اللغة. لا توجد أمة من الأمم لا تعرفها، فهي ضرورة إنسانية اجتماعية، حيث يفكر كل إنسان من خلالها، ويتواصل مع الآخرين عبرها. فهي أداة للتفكير والتواصل. وبرغم أن هناك أشكال كثيرة للتعبير عن المعنى الإنساني كالرسم والنحت والرقص وغيرها، إلا أن للغة قدرة فريدة على تجسيد ذلك المعنى، فهي وعاء الثقافة الإنسانية، فإذا أريد لها أن تؤدي وظيفة دينية أو أدبية كانت مركبة تعكس تركيبية العالم الداخلي للإنسان، وإذا أريد لها أن تكون فلسفية أصبحت مجردة تعبر عن الكليات، وإذا تحولت إلى رياضية صارت أكثر تجريدًا. هي باختصار تشكل الوعاء الثقافي الأساسي لكل حضارة، بما تحمله هذه الحضارة من فلسفة وأدب وعلم وفن وعلاقات اجتماعية بين البشر.

الخميس، 27 فبراير 2014

ماهو دور المثقف في مجتمعه ؟ (2)


ماهو دور المثقف في مجتمعه ؟ (2)

هل كل من امتلأت مكتبته من جميع أصناف الكتب و أحجامها، ومن استطاع الوصول إلى المنبر أو التلفزيون أو الصحف، و من وقف ضد احتجاجات أو تصويتات أو معارضات، أو كان صوتاً لأغلبية صامتة، نستطيع أن نقول عنه مثقف؟، إذا كانت الإجابة بنعم، فمالذي يستطيع فعله هذا للمجتمع؟ للساحة؟ ومالذي سيقدمه أكثر من أي يقدم نفسه في المؤتمرات و الأمسيات و الاحتفالات والمحاضرات؟، وإذا كانت الإجابة لا ، فمن هو المثقف الحقيقي؟ وماهو دوره في المجتمع؟ ومالصورة التي وضعت له في أذاهننا من خلال الكثير من الممارسات التي نشاهدها من بعض الناس باسم الثقافة و المثقفين؟.
إن الصّورة المثالية التي جعلته شخص لا يتحدث إلاّ بالمثل العليا و الكاملة و القيم الصحيحة و المباديء ذات الأهداف السامية هي الصورة التي يراها الكثير للشخص المثقف، هذا بالإضافة إلى كون حتى بعض من يمتثلون بهذه الصفات يعتقدون بطريقة ما أنهم ينتمون إلى فئة المثقفين، فمن أين جاء هذا التصور؟ هل خلقه المجتمع المحيط بهؤلاء؟ أم هم من صنعوه وبالتالي انعكس ذلك على تصور المجتمع لهم؟
إن ما للمثقف من دور هام في المجتمع هو ما يجعله أسفل بقعة ضوء مسلطة عليه، وعلى تصرفاته وحركاته، وما يجعل ما ينتجه إما يقود به جماعة، أو يقع تحت مجهر آخرين، ولما له من مكانه بالغة الأهمية في عملية التغيير في أي وسط، وكونه القدوة للكثير، ألزمه بأن يكون هناك رقيب عليه داخل نفسه يحسب فيها كل خطواته، ولكن هذا إذا وجد الجمهور المثقف الحقيقي الذي يحمل بجدارة هذا الإسم، أو هذه الصفة...
إن المثقف هو شخص يفكر بعقل، يجيد التحكم بتصرفاته وفق ما يتناسب مع الوضع، لا يقف أمام أي مشكلة دون البحث فيها ومحاولة الوصول إلى أبعادها الشاملة ومن ثم محاولة إيجاد الحلّ لها، لا يعتقد أنه وصيّ على أحد في المجتمع إنما لكلّ إنسان حقّ له في التعبير عن رأيه، وحق عليه في الإصغاء للآخرين، يؤمن أنه حينما يخطيء لم يفشل، إنما قام باجتهادات لم تكن صحيحة بعض الشيء وأن لازالت هناك فرص أخرى، والأهم يقرأ ” بوعي ” أكثر مما يكتب...
وإن الأمر مع المثقف هو تماماً مثل المتعلم، الذي كلّما تعلّم أكثر كلّما اكتشف أنه ازداد جهلاً، لذا فهالمثقف الحقيقي لا يمكن أن يصل إلى مرحلة ويقف عندها ويقول عن نفسه : أنا مثقف، لأنه يعلم تماماً أن الثقافة ليس لها سقف تتوقف عنده، وليست محصورة في كم من الكتب أو المعلومات أو الأطروحات، فهو في كلّ مره يبحث أكثر وأكثر، ويرى أنه لازال بحاجةٍ إلى المزيد...
ولكن حينما نستعرض الآن لدينا أغلب المفكرين والأدباء الذين يتواجدون الآن في ساحتنا بشكل كبير ونحاول أن نحدد من منهم نستطيع أن ندرجه تحت مسمى ” المثقف الحقيقي ” فإن من سنستثنيهم أكثر ممن سنختارهم، وهذا واقع مؤسف، بينما الصامتين البعيدين عن الشاشة و الصحافة والإعلام و المؤتمرات و الأمسيات وكل هذا الحضور بينهم الكثير من المثقفين، ولا أدري هل السبب يعود إلى الصورة الطاغية في المجتمع لشخص ” المثقف ” ؟ أم أنه يبحث عن العزلة ويتعمدها لينشغل بذاته ويشتغل عليها؟، ولكن هل أدرك ما هو دور المثقف في المجتمع قبل أن يقمع نفسه ويعزلها؟.
ولنرى هنا أيضاً المتحدثين، الظاهرين في الإعلام من المثقفين، هل هم ممن مارسوا السلطة؟ والوصاية؟، حتى الآن وجدت كتاب ” أوهام النخبة أو نقد المثقف ” لعلي حرب الصادر عن دار الفكر العربي أفضل ما قرأت عن ” المثقف “، حتى بعد أن قرأت ” آلهة تفشل دائماً ” لإدوارد سعيد الصادر عن دار التكوين، يقول علي علي في كتابه عن دور المثقف : ( خلق واقع فكري جديد، بإنتاج أفكار جديدة، أوبتغيير نماذج التفكير، أو بابتكار ممارسات فكرية جديدة، أو بإعادة ابتكار الأفكار القديمة على أرض الممارسة وفي أتون التجربة )، ولكن هل المثقف قام بهذا الدور في المجتمع؟ هل أداه؟ وهل اشتغل عليه في داخله كي يصل إلى الجمهور بالصورة الصحيحة؟ خاصة وأنه يعتبر لدى الجمهور ” قدوة ” جاهزة أمامه، يرى حرب أن المثقف نسي كل هذا وصرف اهتمامه : ( إلى إقحام مقولات على الواقع بطريقة تبسيطية تعسفية ارتدّت عليه، فكان هو ضحيتها، أو كان المجتمع هو الضحيّة لدى محاولات تطبيقها)، إذاً فالأفكار ماهي إلاّ المحرك الحقيقي للممارسات، الدافع له، المغير لمساره، المُظهره بالصورة، لذا : ( فالعالاقة بالأفكار هي علاقة خلق وإبداع، سواء تعلق الأمر بإنتاجها وتوليدها، أو بتوظيفها واستمثارها، بهذا المعنى لا يصح الحديث عن تطبيق، بقدر ما يصح عن إعادة نتاج أو ابتكار هي ترميم متواصل للفكر في ضوء ما ينبجس ويحدث)....
إذاً فالمفترض أن بالمثقف ألاّ يعمل على أفكار وتوجهات و شعارات كان موجودة سابقاً، ليأتي هو ويطبقها دون العمل على خلق فيها أي حاله أو الإبداع، وأن يخلق له مفاهيمه الخاصة من خلال تفكيره الخاص وتوليده للأفكار والإبداع، والوعي بكلّ هذا قبل التطبيق .. هو الأهمّ!.، فالأفكار والإيمان هي الأساس التي تنبني عليها الممارسات...

الأحد، 23 فبراير 2014

حرية الفكر وأبطالها في التاريخ

الكاتب المصري الراحل سلامة موسى وكتابه "حرية الفكر وابطالها في التاريخ"


في كتاب عمره 85 عاما يطرح المفكر المصري سلامة موسى أفكارا صالحة لقراءة بعض جوانب الحياة العربية المعاصرة عن علاقة نظام الحكم بالدين والتعصب الديني واضطهاد البعض بسبب ما يؤمنون به أفكارا صادمة في البداية إلا أنها "تفوز في النهاية" ويستفيد منها حتى أعداؤها. ويضيء موسى بنظراته الثاقبة رغم مضي كل تلك السنين على كتابه التفاعلات الجارية حالياً في المجتمعات العربية، خصوصاً التي شهدت ثورات ما زالت غير مكتملة النتائج.ويقول موسى في كتابه "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ" إن كل تقدم إنساني لابد أن يكون مصحوبا ببدعة تتمثل في فكرة أو عقيدة دينية أو اكتشاف علمي ينكره الناس ويتأخر الاعتراف بهذه "البدع".ولكنه يشدد على أن "الدين في ذاته لا يمكن أن يضطهد وإنما الذي يضطهد هو السلطة الممثلة في الدين أو المستعينة بالدين" والذين يمارسون الاضطهاد هم رجال السياسة أو رجال الدين "ولكن الكهنة أنفسهم لا يمكنهم أن يضطهدوا أحدا ما لم تكن السلطة في أيديهم".ويضيف: "وما دام الدين بعيدا عن الحكومة فإنه لا هو ولا كهنته يمكنهم أن يضطهدوا أحدا. أما إذا صارت الدولة والدين جسما واحدا أمكن رجال الدين أن يضطهدوا من يشاءون وأن يقيدوا الفكر كما يشاءون. فالاضطهاد الذي كابده الناس في الماضي من رجال الدين إنما كابدوه لأن هؤلاء الرجال كانوا قابضين على أزمة السلطة في الدولة".ويوضح موسى أن الاضطهادات التي وقعت باسم أي دين في التاريخ ليست "عيبا على الدين في ذاته" ولكنها شهادة تاريخية على ما يمكن أن يفعله الحاكم حين يسخر الدين لأغراض سياسية.ويرى أن الحكام أكثر شغفا بالدين والتسلح به من شغف رجال الدين بأمور الحكم إذ ربما يميل رجل الدين للزهد أما الحاكم فهو يحتاج إلى الدين لترسيخ سلطته مستشهدا بمطالبة مكيافيللي للحاكم بـ"حماية الدين ولو كان هو نفسه لا يؤمن به لأن الدين يعاونه على حكم الجماهير وعلى تثبيت سلطانه."وتقع الطبعة الجديدة لكتاب موسى في 212 صفحة متوسطة القطع وصدرت الشهر الجاري ضمن (كتاب الدوحة) وهو هدية توزع مع مجلة "الدوحة" القطرية.وموسى (1887-1958) من أبرز طليعة رواد النهضة الفكرية في مصر وأحد مؤسسي تيار العقلانية مع أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد وعميد الأدب العربي طه حسين وشيخ الأزهر الأسبق مصطفى عبد الرازق.وكتب موسى هذا الكتاب عام 1927 عقب أزمتين أثارهما كتابا (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبد الرازق و(في الشعر الجاهلي) لطه حسين.ويقول موسى إن الأفكار وحدها هي التي مات من أجلها المؤمنون بها فلم يحدث أن ضحى إنسان بحياته من أجل طعام أو شيء يقتنيه وإنما "من أجل عقيدة جديدة آمنوا بها ولم يقرهم عليها الجمهور أو الحكومة وسمعنا أيضا عن ناس ضحوا بأنفسهم في سبيل اكتشاف أو اختراع" مضيفا أن الثورة تكون الوسيلة إذا اتسعت الهوة بين جمود المؤسسات وضرورة التطور التي يرى أن من أجلها شرب سقراط السم راضيا.ويفسر ذلك قائلا إن سقراط شعر "أن شهوة التطور التي تنزع به إلى العلا أقوى من شهوة البقاء" وكذلك فعل الذين آمنوا بالعقائد والأفكار الجديدة وهذا يفسر كيف ضحى ألوف البشر وأريقت دماؤهم في كل العصور من أجل أفكار جديدة بشروا بها.ويرى موسى أن للتعصب واضطهاد الأفكار الجديدة أسبابا منها الجهل والخوف إذ إن طبيعة الجماعات البشرية تعتاد الجمود "ولكن البدع تفوز في النهاية لأنها وإن كانت تبدأ مع قلة من الأمة إلا أنها لما فيها من ميزات تتغلب على العادات الموروثة. وكل تقدم للإنسان مصحوب ببدعة ولولا ذلك لما تم اختراع أو اكتشاف" على الرغم من الدماء التي أريقت من أجل الأفكار الجديدة في كل العصور.ويستعرض محاكم التفتيش في أوروبا في العصور الوسطى وكيف قضت على ألوف البشر وكانت تتخذ صورا مختلفة منها الاتهام بالهرطقة "وكانت طائفة الرهبان الجوالين يتجرون بالدين يطرقون الناس وينزلون ببيوتهم يأكلون ويشربون هانئين في رغد فإذا أحسوا بضجر أو إساءة اتهموا رب البيت بالهرطقة ولم يكونوا يخشون شيئا لأنهم كانوا يعرفون أن المتهم سيقر بالتهمة لفرط ما ينال جسمه من العذاب" مضيفا أن سلوك هؤلاء الرهبان ومحاكم التفتيش تسببا في صعود البروتستانتية وزيادة نزعة الإلحاد في أوروبا.ويقول إن اضطهاد بعض الخلفاء العباسيين مثل المهدي والهادي للملحدين يشبه اضطهاد الكهنة للهراطقة في محاكم التفتيش على الرغم من أن "القرآن لم ينص على الخلافة.. والإنجيل لم ينص على البابوية... البابوية والخلافة ترجعان إلى التقاليد المأثورة لا إلى الإنجيل ولا إلى القرآن".ويرى أنه في كثير من وقائع الاضطهاد الديني في التاريخ كان "رجل الدين يتعلل بالدين وغايته في الحقيقة السياسة ولولا المصلحة السياسية أيضا لبقي الدين معتكفا وحده في جامع أو صومعة".ويخلص إلى أن رجال الحكم ورجال الدين ينظرون إلى المختلفين عنهم في الرأي أو الدين - تسامحا أو اضطهادا- وفقا للسياق السياسي.