طارق الشناوي
نور الشريف سيكتب مذكراته ولكنه لن ينشرها فى حياته -أمدّ الله فى عمره- وسيتركها لابنتيه. هكذا صرح لأكثر من جريدة، المنطق أن تُصبح المذكرات فى متناول الجميع وهو قادر على أن يضيف شيئا أو يشرح أو يجيب عن نقطة ما قد تبدو غامضة أو يرد على من لديه تصحيح ورواية أخرى. نور سيتناول بالتأكيد شخصيات عامة إما أنها تعيش بيننا وإما أن هناك كُثرا عاشروهم أو عاصروهم.. لم أتبين الأمر، لماذا يكتبها الآن ولا يريد أن ينشرها الآن؟
العديد من الفنانين لا يرحِّبون بكتابة قصة حياتهم أو بتقديمها فى عمل درامى. هكذا مثلا كانت وصية الفنانة الراحلة هند رستم لابنتها الوحيدة بسنت، وطلبت منها عدم السماح لأحد بالاقتراب ونفَّذت بسنت الوصية رغم الإغراءات المادية التى وصلت لعدة ملايين، شادية قبل نحو خمس سنوات خرجت عن صمتها لأول مرة وطالبت بإيقاف تصوير مسلسل كانت إحدى شركات الإنتاج قد شرعت فى تنفيذه بل وتم ترشيح دنيا سمير غانم لأداء دورها، شادية كما هو معروف لم تفكر فى كتابة قصة حياتها أو ترويها لأحد مثلما سجَّلت مثلا أم كلثوم حياتها بصوتها فى برنامج من إعداد وجدى الحكيم عام 73، وقبلها ببضع سنوات كان سعد الدين وهبة حريصًا على أن يسجل حياتها لتقديمها فى فيلم يخرجه يوسف شاهين باسم «ثومة»، وقال سعد وهبة إن أم كلثوم رفضت تمامًا أن تقترب وتروى شيئا عن أم كلثوم الإنسانة التى من الممكن أن تحب وتكره وتنتقم، وحاول أن يوسِّط وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة فقالت لهما «هذا خط أحمر، بعد أن أموت افعلوا ما تريدون ولكنى لن أبوح بشىء». مسلسل « أم كلثوم» الذى كتبه محفوظ عبد الرحمن كان حريصا على أن لا يقترب من الخط الأحمر.
هل يصلح الفنانون لكتابة أو لرواية قصة حياتهم..؟! كمال الشناوى بعد أن شاهد مسلسلَى سعاد حسنى «السندريللا»، وعبد الحليم حافظ «العندليب» قال لى إنه سوف يكتب قصة حياته بنفسه منعا لأى تزييف. ولا أدرى هل فعلها أم لا. مديحة يسرى قالت فى وصية لها أعلنتها على الملأ إنها سوف تسجِّل بعض لمحات من قصة حياتها فى برنامج ولكنها أكدت أنها ترفض أن يقترب أحد من حياتها ويقدمها فى فيلم أو مسلسل أيضًا بعد أن شاهدت كيف تسللت عشرات من الأخطاء الشخصية والتاريخية إلى مسلسلات السير الذاتية كانت هى شاهدة عيان على عدم مصداقيتها!
مستحيل أن نسرد فى مجتمعاتنا الشرقية كل الحقائق، لا أعتقد أن نجومنا الكبار يستطيعون ذلك، لقد فعلها يومًا الناقد الكبير الدكتور لويس عوض ونشر مذكراته دون أن يخفى شيئا، مما أثار غضب أقرب الناس إليه وتبرأت عائلته مما كتبه، عمر الشريف مثلًا قال إنه لن يكتب مطلقًا مذكراته لأن هناك أطرافا أخرى لعبت دورًا فى حياته وهو لم يستأذنها فى النشر، رغم أنه بين الحين والآخر من الممكن أن يروى شيئا فى أحاديثه تتعرض لحياته الخاصة التى يريد لها أن تظل فى إطار السرية، كمال الشناوى كثيرا ما روى لى ولغيرى العديد من التفاصيل الشخصية ولم يجد بأسا فى ذيوعها على الملأ.
من حق الفنان أن يقول «بيدى لا بيد عمرو» ويكتب بقلمه قصة حياته وهو لا يزال قادرًا على أن يتذكر تفاصيلها على شرط أن لا ينحاز إلى نفسه على حساب الحقيقة أو يكتفى بنصف الحقيقة، فى العادة يعتقد الفنان خصوصا عندما يمر به الزمن أنه كان محور الكون وأن كل ما حدث من صفقات وتلاعبات وضربات تحت الحزام كان هو الطرف المؤثر الفاعل أحيانا والمفعول به أحيانا أخرى، وليس هذا الأمر مقصورا فقط على الفنانين بل لو تابعت رجال السياسة لاكتشفت أن كل منهم يتصور أنه هو المحرك الوحيد للصراع العالمى، كثيرا ما تناقضت الروايات التى ذكرها رجال ثورة 23 يوليو عما حدث فى تلك الليلة وتناقضت أكثر عما حدث بعدها.
أتمنى أن ينجز الفنان الكبير نور الشريف قصة حياته وأن ينشرها الآن لنرى زمنا خصبا مليئا بالتفاصيل، كان نور شاهد إثبات على الكثير من أحداثه على مدى يقترب من خمسة عقود من الزمان.
نقلا عن جريدة ” التحرير ” المصرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق