الأربعاء، 19 مارس 2014

جنوح الفلاسفة الشعري .. من زاوية «كريستيان دوميه»




«الاقتصادية» من الرياض
يحاول كريستيان دوميه، الأستاذ في جامعة "باريس 8" وفي "المعهد الدولي للفلسفة" في كتابه "جنوح الفلاسفة الشعري" أن يطرح للنقاش فكرة "أن الانسياق نحو الإقفال النهائي للحقيقة هو ميل يمارس في إطار اللغات التاريخية كلها، وهو أمر يحاول الشعر والفلسفة سدى التصدي له".
ويرى دوميه أن القراء يحاولون إيهام أنفسهم بأنهم يحبذون الفلسفة والشعر في حالتيهما المجردتين. "فمن الأولى يحفظون صيغاً لا يفهمونها إلا جزئياً وتُظلم رؤيتهم وتُقلقل مفاهيمهم. ومن الثاني، ينشدون إرشادات تلقنهم كيفية العيش وأفكاراً نيرة وعبراً تتخذ شكل الانفعالات، علماً أن الأمر ليس كذلك".
يتموضع هذا الكتاب عند التخوم ويطالعنا فيه فلاسفة كـ "أفلاطون وديكارت وفيكو وليوباردي وكانط ونيتشة" لحظة يحاولون قراءة الشعر، ساعين إلى التعرف على ما يحدثهم عبر الصوت الداخلي الشاعري الغريب وفهمه والاسترسال في الحلم معه، ومحاولين التعبير عنه في نبرتهم الخاصة نوعاً ما، سواء خفية أو على العكس من خلال إبقائه مسرحياً على بعد مسافة منهم. ويضطلع هؤلاء إجمالاً بدور التأليف، وكأن هذه التوليفة أشبه بمعزوفة متعثرة إنما ضرورية، ويبحثون من دون كلل أو ملل عن السبب الذي يدفعهم إلى القيام بهذا العمل، فيدونه حيناً ويفقدونه أحياناً، كما يرى المؤلف.
الكتاب الصادر حديثاً، عن "المنظمة العربية للترجمة" من ترجمة الدكتورة المتمرسة ريتا خاطر، والتي بدورها في مقدمتها تشرح بعض صعوبات الترجمة التي واجهتها، إلا أنها تضيف توطئة معرفية تقول فيها "إشكالية العلاقة بالفلسفة والشعر هي إشكالية قديمة ترقى إلى مشهد صورة أفلاطون في الكتاب الثالث "الجمهورية"، حيث طالب بطرد الشعراء خارج مدينته الفاضلة بذريعة أنهم يحرفون الفكر عن درب الحقيقة من خلال إخضاعه لإغراء الصور المضللة. ففي البدء فرض خلاف نفسه بينهما. إذ ربط أفلاطون المعرفة بالفلسفة ووسم الشعر بالعاطفة والعالم الحسي، فجعله بذلك نقيضاً للفلسفة وعدوها اللدود. فقد شن أفلاطون حملة هوجاء على الشعر أعطى انطلاقة لمسلسل من الانتقادات التي وجهت ضده، على يدي ديكارت مثلاً أو أغامبين القائل: "يستوعب الشعر موضوعه الخاص من دون معرفته، بينما تعرف الفلسفة موضوعها وتستوعبه".
ولعل الخصام بين الفلسفة والشعر هو مجرد خدعة. فهما يتضافران معاً للكشف عن عمق الأشياء وللنبش عن الممكن في المستحيل وعن الضروري في العارض وعن العارض في الضروري.
وهكذا يكملان بعضهما البعض، فيتمم الشعر عمل الفلسفة وتواصل الفلسفة عمل الشعر فهما يؤسسان معاً فضاءنا الروحي. فعالم بلا فلسفة هو عالم أهوج تتقاذفه الرياح، وعالم بلا شعر هو عالم قاحل فقد روحه. فكما دعا نيتشه "إنه من الضروري ألا نوغل في الفكر وننسى الوجدان الذي يمثله جانب الأدب والشعر. فلابد من العودة إلى ما يعتمل في أنفسنا من عناصر بدائية للارتشاف في نبع العاطفة حتى لو أدى ذلك إلى تحطيم الفكر التحليلي".
فيما يذهب الفارابي إلى التأكيد أن الشعر نافع ولذيذ، وقد شرح ذلك بقوله "والأقاويل الشعرية منها ما يستعمل في الأمور التي هي جدّ، ومنها ما شاء أن تستعمل في أصناف اللعب. وأمور الجدّ هي جميع الأشياء النافعة في الوصول إلى أكمل المقصودات الإنسانية، وتلك هي السعادة القصوى".
يلفت المؤلف دوميه في ختام توطئته للكتاب إلى أن بعض الفلاسفة الذين لم يتطرق لهم لعدم تمحصه في قراءتهم مثل سارتر وفوكو وهيجل. "فالغاية التي يصبو هذا البحث إلى تحقيقها كانت تكمن في استكشاف بعض الحالات التي بدت فريدة و معبرة في آن". وعليه، إن ما وجه الاختيار إنما كان الجانب المتعلق بتقويم هذه الفرادة وهذا المظهر المعبر. كما أن الاختيار تأثر أيضاً بتفضيلات المؤلف.

ليست هناك تعليقات: