الأحد، 2 نوفمبر 2014

رواية الباب الأخصر لصديق الحكيم : الفصل الخامس



(5) راجعين في شوق وحنين

في تمام الساعة العاشرة مساء الأربعاء 26 رمضان (ليلة القدر) وصلت طائرة محمود القادمة من مطار الملك فهد بالدمام إلي مطار برج العرب القابع غرب مدينة الأسكندرية  علي بعد خمسين كليومترا من قلب الأسكندرية  بعدما توقف مطار النزهة عن العمل قبل سنة من ثورة 25 يناير 2011 المجيدة وحتي الآن
وكان في انتظاره زي كل سنة أبويه وصديقه حسين رمزي زميل الدراسة والعمل في مدرسة شدس الإعدادية بنات
 وللعلم فقط حسين ليس مدرس لغة إنجليزية مثل محمود بل هو مدرس تاريخ وجغرافيا (دراسات اجتماعية كما اصطلح علي تسميتها) ويحمل لقب مثقف المدرسة ويكتب مقال رأي في بعض الصحف المصرية والعربية  ويقول عن ثورة 30 يونيو أنها انقلاب عسكري ضد الرئيس الشرعي محمد مرسي وإن كان هو نفسه ليس إخوانيا ولا من المتعاطفين وهذا رأيه الذي يختلف كليا مع رأي محمود الذي يعتبر 30 يونيو ثورة شعبية خلصت مصر من حكم الإخوان الشمولي باسم الإسلام
لكنهما (حسين ومحمود )ينطبق عليهما المثل القائل
(اختلاف الآراء السياسية لا يفسد للود قضية )
 ورغم كونه مثقفا فقد لجأ حسين إلي الدروس الخصوصية عوضا عن السفر إلي دول الخليج  لأن لديه رأي أن مصر بها من الخيرات ما يكفي ولا داعي للسفر والشحططة والبهدلة في بلاد الغربة
وها هو هنا أمام بوابة الخروج قد جاء بسيارته الخاصة من النوع تويوتا كرولا موديل العام 2014 ليقل محمود من المطار مباشرته إلي شقته الجديدة في حي شدس
بعد انتهاء مشهد الترحيب والسلامات والأحضان والقبل الحارة الممزوجة بدموع الأم لفرحتها الغامرة بعودة ابنها وأشواق الأب إلي ابنه الوحيد أوديك البرابر وحنين الصاحب لصاحبه
تحركت السيارة من برج العرب نحو الشرق حيث الأسكندرية الساحرة ليلا ونهارا بها سراً غريباً يجذب إليها الناس عن بعد كما يفعل المغناطيس ببرادة الحديد
جلس محمود على الكرسي الخلفي بين أحضان أبويه ليشبع من قربهما ويشبعا من قربه بعد طول البعاد والنسيم  الصيفي العليل المتدفق من نافذة السيارة ينعش الجميع والسيارة تسير في ليل أرخي سدوله علي الطريق فتركه معتما إلا من بعض الأنوار التي تشع من مصابيح معلقة علي رؤوس أعمدة الإنارة الفارعة الطول علي جانبي الطريق
ومرت ساعة ونصف من عمر الزمن هي طول الطريق من مطار برج العرب إلي شدس بوسط الأسكندرية
مر هذا الوقت  في أسئلة متبادلة بين محمود وأبويه وصديقه حسين
 وكانت الأسئلة أكثر من الأجوبة
 ربما كانت معظم الأسئلة لا تحتاج أجوبة لأن الحال يغني عنها
كان محمود مشغولا بموضوع الخطبة وقد رتب كل شئ مع والده قبل نزوله وأيضا قد عهد إلي صديقه الصدوق حسين بتجهيز شقته طبعا تحت إشراف الوالد الذي كان يتلقي حوالات محمود الدولارية كل شهر لينجز العمل المطلوب علي أكمل وجه ممكن
وقد تم ما أراده محمود من التجهيزات كأنه كان حاضرا شاهدا لكل شئ
وفي سؤال عفوي من محمود لصديق حسين : ما أخبار البلد وأحوال العباد ؟
-أنت عارف أكثر مني كيف صارت أحوال البلاد فأنت تشاهد محطات التلفزة وتقرأ الصحف
-ليس من رأي كمن سمع يا عم حسين فالمثقف له زاوية رؤية مختلفة
-الأمور محلك سر بل تتدهور أكثر من الأول
-أنت تعرف رأيي في الثورة والثوار
- فكما يقول تامر أبوعرب كانت الثورة قوية عندما كانت المطالب الاقتصادية والاجتماعية تتصدر أولوياتها، دعمها كثير من المصريين من كل الطبقات  على أمل أن تتحسن أحوالهم ويجدوا منها اهتماما افتقدوه على مدار عقود حكم الثلاثي العسكري ناصر والسادات ومبارك
 لكن المحسوبين على الثورة وقعوا سريعا في فخ المحاصصة السياسية والحديث عن الانتخابات والأحزاب ونظام الحكم دون أن يقترن ذلك بالحديث عن خططهم لتحسين أوضاع الناس أو لتحقيق العدالة الاجتماعية وإنقاذ الاقتصاد.
انفضت الثورة عن الناس فانفضوا عنها وتركوها وحدها في مواجهة الدولة القديمة أو العميقة ورجالها وأموالها،
فقدت الثورة ظهيرها وسندها بتخليها عن الناس وفقد الناس فرصة حقيقية للحياة بتخليهم عن الثورة.
يتدخل الأب (الموظف الحكومي المؤيد للسيسي) ملطفا لهذا الجو قائلا أهم شئ في مصر أنها محروسة من كل شر وإن شاء الله بكرة أحلي
ومفيش حد بيبات من غير عشاء ولا سحور بمناسبة رمضان
ابتسم محمود وقال :صحيح يا بابا  وأردف وهويري ابتسامة حسين في المرآة الأمامية : وبكرة تشوفوا مصر
وكحيلة لتغيير الموضوع المختلف عليه
وعلي ذكر العشاء توجه محمود إلي أمه قائلا
وايه أخبار الأكل السكندري الفسفوري يا ست الكل
 وحشني كثيرا الأكل من إيديك الحلوين يا ماما  قالها وهو يرفع يديها ويقبلهما قبلة طويلة والأم تقبل رأسه وعينيها قد اغرورقت بالدموع
ويعقب الأب سريعا : لا تقلق
ماما سخرت أخواتك البنات الأربعة لعمل كل أصناف الأكل اللي بتحبه
بوري صيادية وبوري مشوي وبلطي طاجن وبوري سنجاري
كل ده يا ماما
-وأكثر يا عيون ماما علشان ترم عضمك وتغير معدتك من أكل الكبسة والمندي وترجع للأسكندرية وأكلاتها اللذيذة

****

ليست هناك تعليقات: