الأحد، 11 يناير 2015

كتاب يسرى فودة «فى طريق الأذى»



كتاب يسرى فودة «فى طريق الأذى».. أسرار 48 ساعة مع قائدى «غزوة مانهاتن» (1-5)


حمد يطلب دفع مليون دولار للحصول على «الشرائط».. ومدير «سى أى إيه»: أمير قطر أعطانا هدية مذهلة
• بن خليفة يقطع إجازته للقاء فودة فى «مطعم متواضع» فى لندن للسؤال عن تسجيلات قادة القاعدة
• مكالمة من مجهول تنتهى بلقاء مع خالد شيخ محمد ورمزى بن الشيبة فى «بيت آمن» فى ضواحى كراتشى
• خالد شيخ محمد: نحن إرهابيون.. هكذا نكسب عيشنا.. ونحن من فعلها
«صباح الرابع عشر من يونيو عام 2002، كانت قناة الجزيرة على موعد مع أكبر خبطة صحفية فى تاريخها عندما دخل فودة إلى مبناها فى الدوحة محملا بمفكرته وأسراره التى بدأ يكشف عنها. لم تكن شرائط لقائه بزعماء القاعدة قد وصلت بعد، لكنه كان قد بدأ يشعر بأن الوقت قد حان كى يُطلع رؤساءه فى العمل على الأمر».
المقدمة السابقة للصحفى والكاتب الأمريكى الكبير، رون ساسكيند، المقرب من الدوائر السياسية والأمنية فى واشنطن، استهل بها الإعلامى يسرى فودة كتابه (فى طريق الأذى.. معاقل القاعدة إلى حواضن داعش)، الصادر عن دار الشروق، واصفا حالة الدهشة التى أتابته وهو يلتهم سطور كتاب، «مبدأ الواحد فى المائة»، مطلعا على معلومات استقاها ساسكيند ـــ كما يقول ــ من مصادر المخابرات الأمريكية، ليرسم صورة دقيقة مثيرة لمنظور مهم لمشهد يخص فودة، كان من وجهة نظره «مشهد من أهم المشاهد فى حياتى».
والقصة التى يتحدث عنها الكاتب الأمريكى، هى تلك التى مر بها فودة فى أحد المنازل الآمنة وفى جعبته «اعترافات رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة، خالد شيخ محمد، والمنسق العام لعملية 11 سبتمبر، رمزى بن الشيبة». ليخرج علينا فودة بعد مضى نحو ثلاثة عشر عاما على تلك الأحداث بكتاب ــ صدر حديثا عن دار الشروق ــ يروى من خلاله تفاصيل اللقاء مع العقول المدبرة لهجمات سبتمبر، ويضيف إليه تجربة فريدة أخرى «اكثر خطورة»، عندما عبر الحدود من سوريا إلى العراق مع مهربين فى أعقاب الغزو الأمريكى.
50 مليون دولار
وفى مستهل روايته لما يجرى يتساءل فودة: «ماذا تفعل لو كنت مكانى؟ خارجا للتو من أحد المنازل الآمنة لتنظيم القاعدة فى مدينة كراتشى الباكستانية وفى جعبتى اعترافات خالد شيخ محمد، ورمزى بن الشيبة.. الأمريكان فى كل مكان فى أفغانستان وفى باكستان. القاعدة مشردة كما لم تتشرد من قبل. أحد فى قناة الجزيرة ولا فى غيرها يعلم أين أنا ولا من قابلت. أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى تحت الأرض، والعالم كله فى حالة مخاض. ثم فجأة.. فى جعبتى، أنا العبد الفقير إلى الله، معلومات تساوى 50 مليون دولار».
وقبل أن يروى فودة تفاصيل رحلته ينقل عن ساسكيند جانبا ظل خفيا حتى العام 2006: «الأمر استغرق أكثر من أربع سنوات قبل أن تتاح لى معرفة ما حدث من ورائى.. دخل جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سى آى إيه) آنئذ، دخل فى ذلك اليوم، الرابع عشر من يونيو 2006، إلى اجتماع الخامسة مساء وهو يكاد ينفجر. أصر وهو يتخذ موضعه على طاولة الاجتماعات على تغيير جدول الأعمال وعلى أن يبدأ هو الحديث: «كما تعلمون، كانت لدينا خلافاتنا مع صديقى الأمير (يقصد أمير قطر آنئذ، الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى).. ولكنه اليوم أعطانا هدية مذهلة.. ويعرض تينيت التفاصيل التى بلغته من الأمير فيما يخص لقائى بالمسئولين عن قناة الجزيرة، وهو مستمتع فخور بما لديه».
ويضيف فودة: «نوقشت الشروط أثناء الاتصال الذى جمع تينيت بالأمير فيما يخص الكيفية التى ستتعامل بها وكالة الاستخبارات المركزية مع المعلومات.. لا أحد على الإطلاق  ــ ولا حتى داخل إدارة الجزيرة ــ كان على علم بأن الأمير أقام ذلك الاتصال الهاتفى».
لقاء غامض
ولا يضيع الكاتب وقتا للإثارة، فيحكى تفاصيل ذلك اللقاء المثير قبل سرد تفاصيل رحلته فى كراتشى: «بينما كان يقضى عطلته الصيفية المعتادة فى لندن، اتصل بى رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثانى، كى يدعونى إلى عشاء فى وسط العاصمة البريطانية، ولم يكن ذلك خارج المألوف مما جمعنا من علاقة مهنية إنسانية وديَّة».
لكنّ الذى كان خارج المألوف أنه، لدى وصولى إلى ذلك المطعم الإيطالى المتواضع المتخصص فى وجبات البيتزا فى شارع جيمس (قرب شارع أو كسفورد)، لمحته قبل هبوطى من السيارة واقفا بنفسه فى انتظارى على باب المطعم. اصطحبنى مرحبا إلى ركن عميق منزوٍ من المطعم كى أفاجأ بطاولة يجلس إليها رجل ممتلئ البدن، كثيف الشعر، أملسه، أسوده إلى حد النصوع، يرتدى بدلة «اسبور» من الجينز الأزرق، وينهمك فى تناول حساء المينيسترونى الإيطالى المعروف. استغرقنى الأمر ثوانى عدة وسط ابتساماتهما قبل أن أدرك أننى أمام أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى (..) بعد ترحيب حار دعانى إلى الجلوس وقال إنه اضطر لقطع إجازته كى يرانى ويشد على يدى بعد ذلك السبق الصحفى. لم يضيّع وقتا كثيرا قبل الدخول إلى صلب الموضوع. «وين الشرايط يا ريّال؟»، شرحت له ملابسات ما حدث وأن وسطاء دخلوا على الخط ويحاولون الآن أن يساومونا للحصول على «تبرع» قبل توصيلها.
- «انزين.. أديش يعنى؟».
= عايزين مليون دولار.
- «ونت إيش رأيك؟».
= طبعا لأ يعنى، قولًا واحدا.
نظر الأمير إليّ فى تلك اللحظة كأنه ينظر إلى ساذج غر.
= «مش أفضل ندفعلهم وناخد شرايطنا؟».
بدأ إحساس بعدم الارتياح يتسرب إليَّ (..) كان كل ما يهمه الوصول إلى الشرائط مهما كلف الأمر، وكان إلحاحه لافتا للنظر. بوصولنا إلى هذه الفجوة، نظرت أنا بدورى إلى رئيس مجلس الإدارة ممازحا: «أومال ليه بقى عمّالين تقولولى ما عندناش ميزانيات ما عندناش ميزانيات؟» لم أكن على علم وقتها بما أورده ساسكيند فى كتابه بعد ذلك بأربع سنوات، ومرة أخرى لا أدرى إن كان لما أورده أى علاقة بما دار فى ذلك المطعم الإيطالى. لكنّ موقفى حينها هو موقفى فى كل حين هو موقفى الآن».
ويتساءل فودة فى موضع آخر من مقدمة كتابه: «ما الذى إذا يمكن أن يكون الأمير قد نقله إلى تينيت فانتشى به هذا إلى ذلك الحد؟ بل إلى حد أن يقول رون ساسكيند فى كتابه إنه «لدى تلك النقطة، كان لدى صحفى فى قناة الجزيرة معلومات أثمن مما كان لدى أعظم دولة فى العالم بكل قواها مجتمعة وبكل حلفائها».
فاعل خير
فى الجزء الأول من كتابه، والذى يحمل عنوان «الطريق إلى القاعدة»، يروى فودة ملابسات تلك الدعوة الغامضة التى تلقاها «ذات صباح، فى الأسبوع الأول من شهر أبريل 2002»: «دق هاتفى المحمول بينما كنت أهم بالدخول إلى مكتبى الجديد (..) على الخط كان صوت لم أتعرف عليه. «السلام عليكم يا أخ يسرى. أنا فاعل خير». أتى صوت عطوف بلسان عربى فصيح عبر خط رديء: «نرجو أن يكون قد خطر ببالك أن تعد برنامجا خاصا للذكرى الأولى». لم يشرح أى ذكرى يقصد، لكنه مضى سريعا، «إن كان الأمر كذلك فإن فى استطاعتنا أن نمدك بشيء خاص، سرى للغاية». لم يمض أكثر من عشرين ثانية تقريبا قبل أن يطلب «فاعل الخير»، الذى قررت بعد ذلك، تسهيلا للأمور، أن أسميه «أبوبكر»، رقم جهاز الفاكس الخاص واستأذن فى قطع الاتصال.. اضطررت إلى الانتظار أربعة أيام قبل أن يلفظ جهاز الفاكس رسالة مطبوعة من ثلاث صفحات».
وفى المساء يتلقى فودة مكالمة جديدة من «ابو بكر»: «ما رأيك فى الحضور إلى إسلام آباد (..) سنتأكد من الترتيبات ومن أنه لن يصيبك  ــ  إن شاء الله ــ مكروه ومن أنك ستعود بما تريد».. ويسافر فودة إلى باكستان بالفعل، وبعدما يستقر فى غرفة الفندق ومضى على وصوله نحو اثنتى عشرة ساعة.
: «دق الهاتف. اختطفته فإذا صوت أبو بكر واضحا جليّا هذه المرة. «حمد الله على السلامة». لم ينتظر ردّا، بل استطرد قائلا: «خذ طائرة المساء المتوجهة إلى كراتشى غدا». كان هذا كل ما فى الأمر، وعندها فقط بدأت أسمح لنفسى بتصديق احتمال أن «خبطة» صحفية قد تكون فعلا فى انتظارى. يعلمون إذا أننى الآن فى باكستان، وأننى قد التزمت بما يخصنى فى أول اتفاق، وأننى من الآن فصاعدا أضع نفسى راضيا بين أيديهم».
فى كراتشى
وفى اليوم التالى، وبعدما يصل فودة إلى كراتشى، وقبل دقائق من وصوله إلى فندق ماريوت «دق الهاتف. كانت لدى أبو بكر تعليمات جديدة: «اطلب من السائق أن يغير مساره إلى فندق ريجينت بلازا «Regent Plaza». كان الماريوت أقرب مما ينبغى إلى القنصلية الأمريكية فى كراتشى وكان يرتاده كثير من الدبلوماسيين وأعضاء البعثات الأجنبية، مثلما شرح أبو بكر فيما بعد. بالمصادفة البحتة ــ أو بغيرها».
بعد حوالى نصف الساعة كانت الغرفة رقم 322 مسرحا لأول لقاء لى بأحد أعضاء تنظيم القاعدة (..) لم ينتظر الرجل دعوة وإنما اندفع مباشرة داخل الغرفة وهو يغلق الباب فى الوقت نفسه.
كلمة سر
وفى اليوم التالى «لم أكن فى انتظار اتصال آخر من أبو بكر. لم يكن عليَّ الآن سوى الانتظار حتى الخامسة مساء قبل أن أبدأ فى تنفيذ التعليمات التى أخبرنى الرجل بها قبل مغادرته ليلة أمس».
فى الوقت المحدد تماما خرجت بهدوء من الباب الخلفى للفندق إلى شارع جانبى وأشرت بيدى طالبا سيارة أجرة. كانت تعليمات أبو بكر أن أتجنب السيارات المنتظرة أمام الفندق أو بالقرب منه.. توقفت سيارة كانت مسرعة فطلبت من سائقها أن يأخذنى إلى عنوان بناية بعينها. عندما وصلت إليها صعدت إلى طابقها الثانى وانتظرت على السلم. مرت خمس دقائق ثقيلة قبل أن يصعد إليَّ رجل كثيف اللحية باكستانى الملامح.. قال لى بالإنجليزية: «لقد انتهيت لتوى من توصيل حماتى إلى منزلها، ونستطيع الآن الذهاب!» كانت هذه شفرة اتفق عليها معى أبو بكر.
قادنى صاحب اللحية فى سيارته إلى ميدان مزدحم حيث توقف فجأة لشراء عصير مانجو. استغرب الصحفى داخلى وقد التزم الصمت تماما حتى تلك اللحظة قبل أن أسأل بلهجة متأدبة: «هل تعتقد أن لدينا وقتا لهذا؟» لكن الرجل رد هو الآخر بلهجة أكثر تأدبا: «لا يتعلق الأمر بما إذا كان لدينا وقت. هذه هى التعليمات وحسب يا أخى».
رحلة فى الـ«ريكشا»
كانت التعليمات أن أبقى داخل السيارة التى غرقت فى حرارة كراتشى فى مثل ذلك الوقت من العام. بينما أخذت أرشف عصير المانجو غادرنى صاحب اللحية ثلاث مرات متجها كل مرة نحو صندوق مختلف للهواتف العامة(..) أخيرا، عاد صاحب اللحية من أحد صناديق الهواتف بتعليمات جديدة. المرحلة التالية مما لا بد أنه رحلة «تتويه» ستكون على متن ما يسميه الباكستانيون «ريكشا» (تشبه التوك توك) إلى مكان لا بد من أن يبقى سرّا.. قادنى السائق عبر شوارع وأزقة ملتوية خافتة الأضواء فى رحلة غير مريحة وصل فى أحد منحنياتها إلى طريق مسدود».
وصلت الريكشا فنزلت منها سريعا دون حتى أن أودع صاحب اللحية. «لاهور؟!»، هتف به سائق سيارة صغيرة كانت تنتظر قرب المكان الذى توقفت لديه. كانت تلك كلمة السر التى همس بها فى أذنى صاحب اللحية عندما عاد من صندوق الهاتف العام. دلفت داخل السيارة فانطلق سائقها مسرعا. كان شابّا صغير السن ذا وجه عربى أليف وعينين يشع منهما الذكاء يرتدى قميصا وبنطالا عاديين. قدّم نفسه بلهجة فلسطينية: «أهلا بالأستاذ. أخوك حسن». مد يده مصافحا بحرارة وهو يقود سيارته بسرعة فائقة إلى خارج كراتشى.
فى طريق مظلم منعزل، على بعد حوالى عشرة كيلومترات خارج كراتشى، توقف حسن بالسيارة فجأة إلى جانب سيارة بدت بغطاء محركها المفتوح كأنها معطوبة. خرج منها رجل آخر يرتدى زيّا باكستانيّا قام بعد قليل بمساعدة حسن فى وضع عصابة على عينى. كانت العصابة من نوع طريف: كرتان صغيرتان من القطن الكثيف لُصقت كل منهما على إحدى العينين ثم طُلب منى أن أضع فوقهما نظارة شمسية. كانت الفكرة بسيطة ذكية لولا أن أحدا كان يمكن أن يلاحظ التناقض فى ارتداء نظارة شمسية فى عز الليل. لكن الرحلة الحقيقية كانت على أى حال قد بدأت لدى تلك النقطة.
آخر المشوار
بعد مسار طويل مليء بالمنحنيات والمطبات توقفت السيارة. فتح الرجل بابه من الداخل ثم فتح بابى من الخارج هامسا بلغة عربية بلهجة آسيوية: «هل يمكن أن تساعدنى فى حمل هذا الصندوق؟» أحسست، بينما هممت بالخروج من السيارة، بطرف صندوق ورقى متوسط الحجم يسقط بين يدى فاستجمعت قوتى فى ذراعى لاستقباله. لكن الدهشة عقدت لسانى عندما لم أشعر بأى وزن يُذكر. كان الصندوق الورقى فارغا. لم يكن ثمة شيء يستدعى المساعدة على الإطلاق، لكننى استجبت للطلب دون أسئلة. فجأة، بينما قاد الرجل الطريق ممسكا بالطرف الآخر للصندوق، أدركت عبقرية هؤلاء الناس: كانت تلك حيلة فى غاية الذكاء كى تقود رجلا معصوب العينين فى الاتجاه الذى تريده دون أن تلفت الأنظار.
بعد حوالى خمس عشر خطوات بدأ سلم طويل فيما استنتجت من صدى الصوت ودرجة الحرارة أننى الآن داخل بناية مدنية. خزنت فى ذاكرتى إحساسا بصعود أربعة طوابق قبل أن ينجذب الصندوق من يدى وأسمع صوت جرس داخلى يدق بطريقة متقطعة. لا بد أن تلك هى اللحظة التى كنت أنتظرها من شهور.
وجها لوجه
فُتح الباب وشعرت بيدين تجذباننى إلى الداخل بسرعة قبل أن ينغلق الباب ورائى وتمتد اليدان كى ترفع الغمامة عن عينى. «كل شيء على ما يرام الآن. يمكنك أن تفتح عينيك». تائها للوهلة الأولى وأنا أشعر بلمسات الطمأنة بدأت تدريجيّا أميز أمامى خيالا يميل إلى القصر ممتلئا ذا لحية متوسطة الطول تميل ملامحه إلى العربية. تسارعت اللحظات الأولى لحظة بعد لحظة تترك إحساسا قابضا لديَّ بأننى رأيت ذلك الوجه من قبل. ثم فجأة نزل إدراكى عليَّ كالصاعقة. إنه هو. إنه هو بشحمه ولحمه. إنه خالد شيخ محمد، المولود فى الكويت قبل ذلك بثمانية وثلاثين عاما، يقف أمامى مباشرة على بعد نصف متر. كيف يمكن أن أنسى ذلك الوجه الذى «درست» صورته على موقع مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI؟ حتى قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر، كان الأمريكيون قد رصدوا خمسة ملايين دولار فى مقابل رأسه لتورطه المزعوم فى انفجار مركز التجارة العالمى عام 1993 الذى بسببه يقضى ابن أخته، رمزى يوسف، عقوبة بالسجن مدى الحياة فى أحد سجون أمريكا.
أنا الآن بين يديه، أم أنه هو الآن بين يديّ؟
ابتلعت وقع المفاجأة بينما اقتادنى خالد شيخ محمد عبر شقة بدت خاوية على عروشها (..) كانت مفاجأة أخرى فى انتظارى. على إحدى المقعدين كان يجلس مطمئنّا، محاطا بثلاثة أجهزة كمبيوتر متنقلة وخمسة هواتف محمولة، رمزى بن الشيبة، المولود فى اليمن قبل ذلك بثلاثين عاما، الذى يتهمه الأمريكيون بالضلوع فى تفجير المدمرة (يو إس إس كول) USS Cole عام 2000، ويضعه الألمان على رأس قائمة المطلوبين بعد الحادى عشر من سبتمبر.
«عرفتَنا الآن؟!» ألقى خالد بالسؤال مازحا فيما نهض رمزى ومد يمينه مصافحا إياى بحرارة. التفتتُ إلى خالد وفاجأت نفسى بجواب ظننت لأول وهلة أنه سابق لأوانه، بينما اتخذت مكانى على الأرض بين الرجلين: «يقولون إنكم إرهابيون!».
هادئا، وديعا، مستريح القسمات، رد رمزى بابتسامة متواضعة مرحّبة، لكنّ خالد هو الذى فتح فمه: «طبعا، نحن إرهابيون. هكذا نكسب عيشنا». قطعتْ سعلة مصطنعة من رمزى لحظة صمت مبكرة. «لو كان الإرهاب أن تلقى الرعب فى قلوب أعدائك وأعداء الله، فإننا نحمده ــ عز وجل ــ على أن جعل منا إرهابيين»، تدخّل رمزى بهدوء وهو يهم بالتوجه إلى المطبخ لإعداد الشاى، «إنه أمر مذكور فى القرآن، يا أخ يسري».
استغل خالد الفرصة كى يحدد لى قواعد المقابلة وشروطها.. «ليس لك أن تخوض فى طرق اتصالاتنا، ولا لك أن تذكر أسماءنا الحركية»، بدأ خالد حازما ثم استطرد أمامى وأنا أهز رأسى موافقا، «عندما (لا إذا) يسألونك كيف تبدو هيئتنا الآن ستقول لهم إننا نشبه تماما تلك الصور التى سيعرضونها أمامك». بعد ذلك طلب خالد منى أن أضع كفى اليمنى على مصحف وأن أقسم بالله العظيم أن ألتزم بهذه الشروط.
الصاعقة
حاسما، حازما، جريئا، وسريع البديهة. هكذا كان خالد منذ اللحظة الأولى. عندما أخرجت هاتفى المحمول اختطفه خالد مسرعا وأغلقه ثم استخرج من باطنه البطاقة الذكية والبطارية وألقى بهذه المكونات جميعا منعزلة فى أحد أركان الحجرة.
مرت ساعة كانت كافية لابتلاع صدمة المفاجأة، بدأت بعدها اكتسب إحساسا بالطمأنينة فيما بدأ الرجلان يكتسبان إحساسا بالثقة.. استجمعت كل ما أملك من خبرة ولياقة وثقة، ونظرت إلى خالد فى عينيه نظرة ثاقبة: «أنت الذى قام بتدبيرها!» لكنّ رمشا فى عينيه لم يتحرك. «لا تصوير اليوم»، رد حازما، «ولا تقلق بشأن الكاميرا والمصور. سنوفر لك كل ما تحتاجه غدا». ثم أضاف رمزى ما تبقى من ترتيبات: «بعد الانتهاء، ستخرج من هنا مباشرة إلى الطائرة».
لكنّ خالد لم يكن ليأذن لى بالنوم قبل أن يفجر مفاجأة أخرى نزلت عليَّ نزول الصاعقة: «أنا رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة، ورمزى هو منسق عملية الثلاثاء المبارك، ونعم، نحن الذى فعلها».المكالمة«نوقشت الشروط أثناء الاتصال الذى جمع تينيت بالأمير فيما يخص الكيفية التى ستتعامل بها وكالة الاستخبارات المركزية مع المعلومات.. لا أحد على الإطلاق  ــ ولا حتى داخل إدارة الجزيرة ــ كان على علم بأن الأمير أجرى ذلك الاتصال الهاتفى».


اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=09012015&id=60e04ee5-ea52-4e2e-b863-3b29345d0785

ليست هناك تعليقات: