الأحد، 11 مايو 2014

للمرتبطين فقط

1918

 د. عبدالله المغلوث /
 اُنتدب التركي إبراهيم حميد للعمل في أنقرة لمدة شهر كامل. ترك زوجته وطفله الوحيد في إسطنبول وحدهما. كان شهراً طويلاً على الثلاثة. حاول إبراهيم أن يكفر عن غيابه بشراء هدية ثمينة لزوجته وأخرى لطفله، لكن لم يكن يملك الوقت الكافي. كان يذهب إلى مكتبه صباحاً ولا يخرج إلا عند منتصف الليل. أُوكلت إليه مهمة صعبة تتعلق بتدقيق ومراجعة حسابات شركة كبرى لسنوات عدة خلال أربعة أسابيع. أرجأ شراء الهديتين بسبب ظروفه حتى يصل المطار ويختار ما لذ وطاب من السوق الحرة. لكن خيب المطار آماله. لم يجد في المطار ما يملأ عينه ويسعد زوجته وابنه. وصل إلى منزله بعد شهر كامل من الغياب فارغاً من الهدايا. شعر إبراهيم بتأنيب ضمير جعله لا يشعر بالسعادة في معيتهما. ظل طوال يومين من وصوله مشغولاً في كيفية التكفير عن ذنب غيابه بتقديم هدية مناسبة لزوجته وابنه. كانت كل الهدايا نمطية ومكرورة. فكر في حل آخر يتجسّد في رحلة قصيرة لأحد الأرياف مع برنامج ترفيهي جذاب. تتخلل الرحلة زيارة إلى مدينة ألعاب قريبة من أجل ابنه ترافقه فيها جليسة أطفال، في حين يذهب مع زوجته في رحلة بحرية وحدهما. استعان إبراهيم بصديقه في إعداد الخطة وترتيب البرنامج من الألف إلى الياء. استمتع إبراهيم وأسرته بهذه الإجازة بشكل فاق كل توقعاته.قرر إبراهيم من تلك اللحظة أن يحول تلك الإجازة إلى مشروع تجاري إيماناً منه بأن هناك الكثير ممن يشربون من كأس معاناته نفسها فلا يملكون الوقت والخيارات الملائمة. افتتح “كشكاً” صغيراً في مطار إسطنبول سمّاه (للمرتبطين فقط). يقدم من خلاله خططاً سياحية للمتزوجين والمخطوبين تتكون من رحلات ترفيهية قصيرة وطويلة بمساعدة صديقه. يوفر المشروع جليسات أطفال؛ لتمنح المتزوجين ساعات يختلون فيها بأنفسهم. والفريد في مشروع إبراهيم أن زوجته الصحفية تشرف على فريق يقوم بتصوير جزء من الرحلة وتوثيقها إذا أحبت الأسرة. وتساعد زوجته الزوجين في كتابة رسائل رومانسية إلى بعضهما. تأخذ منهما الفكرة وتقوم بصياغة رسائل تخلد الرحلة وتضفي شاعرية عليها.تحول الكشك الصغير في مطار إسطنبول إلى شركة لها فروع عدة في تركيا.استقال إبراهيم من عمله وتفرغ لإدارة مشروعه الضخم.بعد أن كان يبحث إبراهيم عن وقت يقضيه مع عائلته أصبح يتنزه معها كل أسبوع. ينتقل برفقتها من منتجع إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى؛ ليكتشف فرصاً جديدة يوفرها لزبائنه.عانى إبراهيم تأنيب ضمير لأيام، لكنه صار يعيش حياة أكثر إثارة وتوهجاً. يؤلمك مبضع الجرّاح في البداية ثم يريحك من أوجاعك، وكذلك أزماتنا، تقض مضجعنا مبكراً ثم سرعان ما تهدينا إلى الطريق الأمثل؛ شريطة أن نتعامل معها بجدية واهتمام.إدارتك ظهرك لمشكلاتك تجعلها تفترسك. مواجهتك لها تجعلها تهرب. إن مشكلاتنا كاللصوص تخشى المواجهة. عن الاقتصاديه     

ليست هناك تعليقات: