الاثنين، 3 نوفمبر 2014

الفصل الحادي عشر من رواية الباب الأخضر لصديق الحكيم



(11) عزومة الباب الأخضر
الخميس 27 رمضان
ما هذا الإزعاج علي الصبح قالها محمود وهو يبحث عن الموبايل اللعين الذي يرن بشكل مستمر كأنه سرينة إسعاف في شارع مزدحم
من يكون ؟
بالكاد زحزح جفونه ليفتح عينه اليسري نص فتحة ليري من المتصل المزعج
-إنها سلوي حبيبته 
وفجأة توقف الرن المزعج
-نظر إلي الساعة فوجدها الثالثة  فقال أنا أكيد منمتش 20 ساعة
وراح يسأل نفسه :هو الظهر أذن ولا لسة ؟
هي الساعة اتقدمت ولا اتأخرت
هي الحكومة دي وجعة دمغنا كل شوية قدموا الساعة 60 دقيقة
أخروا الساعة  60 دقيقة
أحسن حاجة في السعودية
لا تقديم ولا تأخير
استقرار بمعني الكلمة
لا سياسة حتي في الساعة
-حاول الاتصال بسلوي لكن لا أحد يرد
ربما تكون مشغولة أو الموبايل صامت أو مطنشة شوية  كمعاملة بالمثل
وأخير ردت  سلوي عليه
صوت غريب متحشرج يخرج من حنجرة محمود قال أولا أهلا حبيبتي
وبعدين تنحنح وأعاد الجملة فخرجت أفضل شوية من المرة الأولي
-ردت سلوي : صح النوم يا أستاذ
-والله أنا نايم الساعة الصبح
-أنا عارفة مديحة حكت لي علي كل شئ عن موضوع حسين
علق في استغراب مديحة !! وتسأل عرفت منين ؟!!
أكيد بابا أذاع الخبر
ونادي يا مديحة يا مديحة
فردت سلوي : مديحة مش عندك كلهم راحوا الباب الأخضر علشان يحضروا للعزومة  متنساش تكلم حسين
أخ حسين ؟ طب سلام دلوقتي ياحبيبتي هكلمك كمان شوية
-نهض علي عجل ليأخذ دش ويغير ملابسه سريعا
-وخرج من الشقة مسرعا وأثناء نزوله في المصعد حاول الاتصال بحسين كان الموبايل مشغولا
-أخد تاكسي وقصد مباشرة إلي شقة حسين وهو في التاكسي حاول الاتصال بحسين مرة أخري مازال مشغول فقال في نفسه : كل الوقت دا مشغول لتكون بتحب يا حسين أفندي
اتصل بمديحة وجد موبايلها مشغول ففهم الفولة
-طرق الباب وهو ينادي يا حسين
سمع وقع أقدام تتقدم من الداخل نحو الباب
إنها تحية أخت حسين فسألها محمود : هوفين الأستاذ فأشارت له علي غرفة النوم
فتح الباب وهو ينادي أنت يا عم حسين موبايلك متراقب
حاول حسين إنهاء المكالمة بسرعة لكن محمود كان نبيها ومنفتح العقل (لارج) بلغة العصر
 ليقول له : يلا يا عم قوم مش فاضيين قلها أنا جاي علي العزوم
سمعت مديحة صوت محمود فأغلقت الخط فجأة
-استغرب  حسين وقال لمحمود وهو يبتسم عرفت إزاي ؟
-الصب تفضحه عيونه يا صديقي
-محمود أريد أن أبوح لك بأمر
-عارف عارف
-موافق ألف مبروك
-بس علي شرط والشرط نور بعد زواجي من سلوي تبدأ مشروع زواجك بمديحة
-اتفقنا يا صديقي المخلص  
إنت عارف المثل بيقول : الشيخ الشاطر يخلص عفريت عفريت
(هذه النوعية من الأمثال تعبر تماما عن عقلية محمود الذي يعتمد مبدأ صراحة التهرب من المسؤولية)
-إنت عارف كنت فاكر هجي ألقيك قافل علي نفسك وبتراجع حياتك وخايف ومرعوب من مراقبة الأمن الوطني لك والملف بتاعك اللي عندهم وحوارات صديقي المخلص
- لا خلاص ماحدث أمس علمني أمور كثيرة أهمها إن مفيش فايدة
-يا سلام علي الدروس العظيمة مكنتش أعرف إنك خواف للدرجة دي
-دا مش خوف ، ده حرص في زمن الفوضي
-طب يلا قوم وهنتكلم في موضوع دروس الحياة في الطريق
-علي فين
-علي عزومة حماتك
-حماتي ؟
-أيوة الحاجة أم محمود والله أنا حاسس إن العزومة عشانك إنت مش علشاني وعموما أنا مش هلاقي شخص أثق فيه ويحافظ علي أختي زيك
-من خارج الغرفة زغرودة مدوية في أرجاء الشقة كلها من تحية وتدخل الغرفة قائلة ألف مبروك عقبالكم في ليلة واحدة
-محمود والله فكرة حلوة توفيرا للمصاريف
ينهض حسين من السرير في تكاسل ، الله يبارك فيك يا حاجة تحية
محمود مستغربا حاجة تحية ؟!
-أيوة هتروح الحج السنة دي فهي حاجة باعتبار ما سيكون
-ألف مبروك مقدما يا حاجة تحية
-عقبال بابا وماما
وكأن جملة تحية الأخيرة نكأت جرحا قديما فتذكر محمود كيف أنه أناني لا يحب إلا ذاته لدرجة أنه لم يستقدم والديه لعمل عمرة علي الأقل طوال هذه السنوات الخمس التي قضاها في مدينة جدة علي مقربة من الحرم المكي متعللا أنه يكون نفسه وبعد ذلك سيتفرغ لتزويج إخواته البنات
والأكثر من ذلك أنه كان يرسل حوالات كل شهر لتجهيز شقته دون أن يخصص ولو جزء بسيط لمساعدة والده الموظف في مكتب بريد مينا البصل  والذي قارب عمره علي الستين فتركه يكافح لتلبية متطلبات الأسرة الأساسية
يا لها من جملة عابرة قالتها الحاجة تحية لكنها علي عفويتها وبساطتها كشفت عن حقيقة نفسه اللئيمة - خصوصا عندما علم أن حسين هو من تحمل مصاريف حج أخته تحية
يا لها من جملة عابرة جعلته ينظر في المرآة ليري وجه القبيح علي حقيقته لأول مرة
لعلها مراجعة لمبدأ الصراحة الذي اعتمده كمنهاج لحياته لكنه في الواقع وقاحة وأنانية
ويجتاج هذا المبدأ النرجسي للمراجعة الشاملة قبل أن يتآكل الحب من قلبه ومن قلوب المحطين بي
قال حسين ويبدل ملابسه: مش لسة بدري شوية علي الفطار
-يدوب نلحق نوصل قبل زحمة الطريق قبل المغرب
تحية :خلي بالك من حسين 
-متوصنيش يا حاجة تحية دا أخويا وصديق عمري ونسيب المستقبل
-حسين :إيه رأيك أفاتح الحاج في موضوعي أنا ومديحة ويبقي خير البر عاجله
تردد محمود في الجواب وربما تلعثم واكتفي بقوله إن شاء الله
تعجب حسين من رده الذي لم يفهمه في ضوء معرفته بمبدا حسين الصراحة راحة
-في السيارة حاول حسين أن يتجاذب أطراف الحديث مع محمود الذي كان ينظر إلي البحر طويلا وذهنه شارد يتسأل :هل ما فعله مع أسرته علي مدار السنوات الخمس الماضية تحت تأثير مبدأ الصراحة المزعوم هو بخل وأنانية وتهرب من المسؤولية وتنازل عن صفات الرجولة والنخوة والشهامة ؟
هل تقديمه لأهدافه علي أهداف الأسرة هو حب للذات ؟
ولماذا صبرت الأسرة عليه كل هذا ؟
 هل لأنهم يحبونه ؟
 أم لأنه وقح في اعتماده هذا المبدأ المقيت وبالتالي فقد تركوه لنفسه وضميره
لكن ضميره ظل نائما أو في غيبوبة كل هذا الوقت
ولم يفق سوي منذ دقائق علي إثر جملة عابرة
"إن الكلمات مهما كانت مؤثرة لاتحدث أثرا إلا إذا وجدت وترا حساسا تعزف عليه جيدا "

علي أي حال ها هي حقيقتك قد ظهرت أمامك واضحة وها هو ضميرك الفاقد للوعي قد بدأ يفيق  فماذا أنت فاعل ؟

ليست هناك تعليقات: