السبت، 27 ديسمبر 2014

نماذج من تأثير الأدب العربي على الأدب الغربي (1)


قصة يوسف، عليه السلام، وزليخا
ذكرت قصة يوسف عليه السلام، في القرآن الكريم (سورة يوسف)، قال تعالى :" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ."  كما وردت في الكتاب المقدس، مع اختلاف في التفاصيل، فقد ذكرت في سفر التكوين، الإصحاح (39) الآيات :من (1) إلى (23)، ويسمى فيها زوج زليخا "بوطيفار"، وتنص على أنه كان مخصيا، ويعمل رئيس شرطة  . ويشير البعض إلى أن هناك قصصا مشابهة تعود إلى تاريخ سابق، فهناك حكاية شعبية مصرية، ترجع إلى تاريخ (1250 ق.م) خمسين ومائتين وألف قبل الميلاد، وتعرف بقصة "أنوب وباطا". ويقول "أ.ل.رانيل"، في كتابه "الماضي المشترك بين العرب والغرب…":"بالإضافة إلى التراث العبري، كان للتراث الإغريقي تأثيره في قصة يوسف ، وانتشرت في العالم الإسلامي، أساسا من خلال حكاية "هيبوليتس وفيدرا" .
ومهما قيل ، في هذا الموضوع عن التأثير العبري، أو اليوناني في الآداب الغربية، فإنه بالنسبة للعالم الإسلامي، لا يمكن التسليم بهذا الرأي  ، ما دام القرآن الكريم قد فصل فيها، وهو المصدر الأول للمسلمين، إلى جانب السنة النبوية الشريفة، رغم ما يمكن الإشارة إليه، من تأثر بعض القصاصين بالإسرائيليات . كما أن المفسرين المسلمين قد أفاضوا في الحديث، وتوسعوا في قصص الأنبياء. ومن أشهر من كتب في الموضوع؛ الكسائي والثعلبي، والأسماء المذكورة عندهما هي: يوسف وزليخا زوجة "العزيز"، أو "الملك"، أو "قوطيفر"، و"ابنة عكاهرة" ، وهما لم يخرجا عما ذكر في القرآن الكريم، مع اختلاف، بينهما، في بعض الدقائق؛ فالكسائي، ينهي القصة بأن يتزوج يوسف بزليخا، ويكون له معها ولدين"إفرام" و"منشا" .
اَنتشرت قصة يوسف وزليخا، في العالم الإسلامي، انطلاقا من القرآن الكريم، فنظم فيها الشعراء والقصاصون. ففيما بين (216-389هـ)، في فارس، "نظم أبو المؤيد البلخي  قصة يوسف وزليخا، فكان ذلك إيذانا بظهور هذا اللون من الروايات المنظومة الذي يشبه القصص الرومانسي  المنظومة في آداب الغرب، إبان القرون الوسطى ، ومن الذين نظموا هذه القصة، أيضا، الفردوسي، وعبد الحميد الجامي. ويذكر الفردوسي في  مقدمة منظومته، أن أبا المؤيد البلخي، هو أول شاعر نظم القصة، ومنظومته مفقودة، ويشير عبدالسلام كفافي، رحمه الله، أن منظومة الفردوسي (أوائل القرن الخامس الهجري)، هي التي "أدخلت موضوع "يوسف وزليخا" ضمن نطاق الشعر القصصي الإسلامي، فأصبح موضوعا شائعا، تناوله عشرات الشعراء، في الآداب الإسلامية المختلفة" . ومن بين من نظمها عمعق النجاري (ت.542 أو 543)، ولا وجود لأثر هده المنظومة، كما تناولها الشعراء الأتراك، وشعراء الأدب الأردي.
انتشرت قصة يوسف وزليخا في "القارة الأربية وانجلترا في العصور الوسطى، نقلا عن النص الإسلامي؛ فقد امتد التأثير العربي من بلاد فارس حتى إسبانيا…فلقد سجل من بلاد الفرس ثماني عشرة رواية..كما سجل في إسبانيا عدد لا يحصى لقصائد مسرحيات وقصص عن يوسف" .
إنه لا يمكن إثبات أو نفي تأثر الشعراء، من المصادر الغير الإسلامية، فمما لا شك فيه هو الاستناد إلى الأصول الإسلامية ، بالنسبة للشعراء المسلمين، وهذا لا ينفي تسرب بعض الإسرائيليات، لكنها لا تمس جوهر القصة كما ردت في سورة يوسف.أما التوراة فلم يكن آنئد قد ترجم إلى العربية، فالفردوسي، "ذكر بنفسه مصادره التي أفاد منها  في صياغة قصته. وذكر بوجه خاص  روايات وهب بن منبه، كعب الأحبار…"  كما أن تاريخ الطبري الذي يتضمن رواية مفصلة للقصة ، كان قد ترجم إلى الفارسية. ويذكر المؤرخون، أن منظومة أبي القاسم الفردوسي، نظمها بعد الانتهاء من "الشاهنامه"، وأراد أن يكفر بها عن ذنبه عن قضاء عمره، في نظم هذه الأخيرة، التي تحتوي على الكثير من الأكاذيب والمغالطات، عن سير ملوك الفرس الأقدمين، يقول:"لقد سئمت من غرس هده البذور، فوضعت خاتما على لساني وقلبي.فلن أنطق الآن بكاذب الأسماء، ولن أضفي على الكلام رونقا بمقالي، ولن أغرس الآن بذور الفتنة والإثم ، فقد حل نور الهداية عندي محل الظلام." . وإذا كان هذا كلام الفردوسي، فإنه لا مجال للشك، في تأثره بالقصة القرآنية، كما فصل فيها المفسرون والطبري، خاصة وقد التزم بترتيبها كما وردت في القرآن الكريم. أما عبدالرحمان الجامي، فإن تناوله للقصة يغلب عليه الجانب الفني، فقد أفاض في أحداث حياة زليخا التي لم يفصل فيها الفردوسي ، الذي ركزعلى شخصية يوسف، مما جعل الجامي يوظف الكثير من الخيال والاختراع، وحذف الكثير من التفصيلات المتعلقة بحياة يوسف ، عليه السلام، وخاصة تلك المتعلقة بصباه، ونشأته الأولى، كما ركز على فكرة الحب، وصوره  بأسلوب صوفي، يقول في المستهل: " تحول بوجهك عن العالم، وتوجه إلى شجون العشق،فعالم العشق هو العالم الجميل.لا حرم الله قلب انسان من شجن العشق، ولا كان في الدنيا قلب خلا من العشق !" .
ومن الشعراء الترك الذين نظموا قصة "يوسف وزليخا" حمد الله جلبي (حمدي) (852-941هـ)، وهو من معاصري الجامي، وقد حقق بمنظومته نجاحا جعلته يسترزق بنسخها وبيعها.ويذكر الشاعر في مقدمة القصة، أن من أسباب نظمه لها، أنه شعر بأن مصيره على أيدي إخوته، يشبه ما لقيه يوسف على أيدي إخوته، فقد كان له أحد عشر أخا . كما يذكر أنه عاد إلى منظومة معاصره عبدالرحمان الجامي.
تبدأ المنظومة بما كان شائعا في المثنويات، وهي حمد الله ومدح الرسول صلىالله عليه وسلم، والثناء على الخلفاء الراشدين، ثم سبب نظم القصة، ودعوة النفس إلى التوبة، والتذكير بما ستلاقيه، إلى أن يصل إلى الحديث عن الأنبياء الذين جاؤوا قبل يوسف ، عليه السلام، وأخيرا تبدأ القصة.
من الشعراء الترك الذين نظموا هذه القصة، أيضا، "أحمد بن سليمان بن كمال باشا"، الذي اشتهر بتأليفه باللغة العربية أكثر من التركية. نظم مثنويه في سبعة وسبعين وسبعمائة وسبعة آلاف بيت(7777). أهداها إلى السلطان "بايزيد". لم تحظ هذه المنظومة بما حظيت به منظومة حمدي.
نجد في الأدب الإسباني  منظومة تدعى "قصيدة يوسف" ( Poema de Yuçuf )، يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي (ق.14م)  "وهي مثال للأدب الإسباني الذي كان موجها للمسلمين الذين يتحدثون الإسبانية." لأنها كتبت بالحرف  العربي


ليست هناك تعليقات: