الأحد، 28 ديسمبر 2014

نماذج من تأثير الأدب العربي على الأدب الغربي (2)



قصة "مجنون ليلى" في الآداب العالمية:
القصة كما يرويها صاحب الأغاني، هو أن قيس بن الملوح، أحب  "ليلى"، وتشبب بها، فرفض أهلها تزويجها إياه، لأن العادات كانت تمنع دلك، فهام قيس في الصحراء، حتى وسم بالجنون، يعاشر الحيوانات ، يحنو عليها، وتحنو عليه، كما يحدث مع الغزال:
     أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني         لك اليوم من بين الوحوش صديق
    
فعيناك عيناها وجيدك جيدها         خلا أن عظم الساق منك دقيــق

وفي قول آخر:
"أيا شبه ليلى   لا تراعي فإنني        لك اليوم من وحشية لصديق
ويا شبه ليلى لو تلبثت ساعـة         لـعـل فؤادي من جواه يفيق
تفر وقد أطلقتها من وثاقـهـا        فأنـت لليلى لو علمت طليق "

فهو يرى ليلى في كل شيء. لقد ملكت عليه فكره وقلبه. وتحدث الكثير من الحوادث، تختلف من رواية لأخرى، ومن لغة للغة أخرى.كما اختلفت الآراء حول اسم المجنون نفسه، يقول صاحب الأغاني: "وأخبرني أبو سعد الحسن بن علي بن زكريا العدوي قال : حدثنا حماد بن طالوت بن عباد أنه سأل الآصمعي عنه فقال: لم يكن مجنونا بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه كان يهوى امرأة من قومه يقال لها   ليلى ،  واسمه قيس بن معاذ .  وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن اسمه قيس بن معاذ .  وذكر شعيب بن السكن عن يونس النحوي أن اسمه قيس بن الملوح . قال أبو عمرو الشيباني: وحدثني رجل من أهل اليمن أنه رآه ولقيه وسأله عن اسمه ونسبه فذكر أنه قيس بن الملوح .  وذكر هشام بن محمد الكلبي أنه قيس بن الملوح ."  
انتقلت قصة "مجنون ليلى"، إلى الأدب الفارسي، فالأدب الأردي والتركي. نجد تجليات لها في قصة "وامق وعذرا"، رغم ما يروى ، من هذه الأخيرة، سابقة في التاريخ. يروي الأستاذ عبد السلام كفافي، رحمه الله، أن أول ظهور لقصة "وامق وعذرا"، كان في عهد الأسرة الطاهرية (205-259هـ)، قدمت لعبدالله بن طاهر أمير خراسان من قبل المأمون، قدمها له شخص على أنها حكاية صنفها الحكماء لكسرى أنوشروان، فأمر عبدالله بغسل الكتاب بالماء
ورغم الأصول الفارسية، كما يقال لهده الحكاية، فإنها تشير إلى "ذلك اللون من الحب الذي يؤدي بصاحبه إلى الجنون، ونشهد كذلك هذا التعاطف بين الانسان والوحوش، وهو من الصور التي ظهرت في قصة "مجنون ليلى" . إلا أن أشهر من نظم قصة "مجنون ليلى" في الأدب الفارسي، هو نظامي الكَنجوي (حوالي:530هـ)، والذي اختلف حول اسمه المؤرخون ، ولم يحفظ التاريخ سوى القليل من حياته. ويرجع بعض الباحثين، إلى أن اسمه هو :"جمال الدين بن يوسف بن مؤيد الكَنجوي. وهو الاسم الذي نقله حاجي خليفة." ، وقد نظمها في أربعة آلاف وسبعمائة بيت في أقل من أربعة أشهر.  وتتضمن القصة بعض الاختلافات مع الأصل العربي، فقيس في هذه المنظومة تعرف على ليلى في "المكتب" أي الكتاب، فكان ذلك بداية العشق والهيام، وقيس ابن ملك من ملوك العرب. يتدخل أمير الصدقات " نوفل" الذي عمل لتحقيق رغبة قيس في الفوز بليلى، ولم يفلح، فحارب أهلها، لكن أباها ، رغم الهزيمة، أبى ولو أدى به الأمر إلى قتل ابنته. ينصرف قيس إلى الصحراء ليعاشر الحيوانات والوحوش. وقد أضفى الشاعرنظامي كَنجوي جوا صوفيا على القصة، كما أضاف إليها وحورها، فالقسم الذي يتدخل فيه |سلام البغدادي" لا وجود له في الأصل العربي، وبغداد لم تكن موجودة آنئذ. هذا الشخص هو الذي سيروي  شعر قيس بعد أن أمضى معه زمنا في الصحراء. تمر الأحداث، ويموت زوج ليلى، فتقيم  في بيتها، لا ترى انسانا ولا يراها إنسان إلى أن لقد حققت القصة نجاحا لا نظير له ، ولاقت إقبالا، مما أدى إلى نسخها ونشرها على أوسع نطاق، كما أضيف إليها الكثير، وحورت على يد الشعراء، ومن الذين نسجوا على منوالها "الكَنجوي وأمير حسرو الدهلوي (ت.726هـ)، وعبدالرحمان الجامي(ت.898هـ)، وابن أخته عبدالله هاتفي. ولقد رسم نظامي ، كما يشير عبدالسلام كفافي،  الطريق أمام غيره من الشعراء، في جوانب متعددة، منها :
1-    نسق المادة العربية، في إطار قصصي متسلسل.
2-    أول من أضفى على القصة طابعا صوفيا.
3-    أورد في شعره الكثير من القضايا الثقافية.
4-    أدى ذيوع القصة وانتشارها إلى الاقبال على نسخها وقراءتها.
إنتشرت القصة من الفارسية إلى الأردية، لغة المسلمين الهنود ، والتركية، فنظم فيها الشعراء الترك، ومن هؤلاء "علي شيرنوائي" و"حمدي"(ت.941هـ)، وفضولي البغدادي(ت.963هـ)، ويعتبر هدا الأخير، من أبرز  من تفوق في منظوته، كما وصفها "جب" بأنها أجمل مثنوي قصصي في الشعر التركي. ولا نجد أدلة على تأثر "روميو وجولييت" بقصة المجنون، إلا أن قصة العشق المذكورة في "أنشودة رولان"، التي وقعت بين "رولان" وابنة ملك الخطا، وهي قبيلة تركية، أقرب من هذا القبيل، إذ يصاب رولان بمرض، لن يشفى منه إلا بعد تدخل الساحر "أستولفو"، وهذا يحيل على نوع من التأثر بقصة المجنون. كما أن قصة "مجنون إلزا" التي تدور أحداثها في جو عربي إسلامي،آخر زمن بني الأحمر، أقرب إلى القصة العربية في الكثير من جوانبها.

ليست هناك تعليقات: