الأحد، 28 ديسمبر 2014

التأثير العربي الإسلامي في شعر الشاعر الألماني "غوتـه"



التأثير العربي الإسلامي في شعر "غوتـه"  (1749- 1832)
يقول غوته: "درست تاريخ الأديان على مدى خمسين عاما، وإن العقيدة التي يُرَبى عليها المسلمون لتدعو لأعظم دهشة!!…إن الإسلام هو الدين الذي سنقر به جميعا إن عاجلا أو آجلا…وأنا لا أكره أن يقال عني إني مسلم."  
لقد كان غوته من أعظم الشعراء الألمان ، تأثر بالإسلام تأثرا شديدا، وكانت معرفته بالقرآن معرفة وثيقة. نظم قصيدة رائعة أشاد فيها بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، و"حين بلغ السبعين من عمره. أعلن أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة…التي أنزل فيها القرآن الكريم على النبي. وبين هاتين المرحلتين امتدت حياة طويلة، أعرب الشاعر خلالها بشتى الطرق عن احترامه  وإجلاله للإسلام." 
في سن الثالثة والعشرين من عمره، نظم "غوته" قصيدة "أغنية محمد"، بإسلوب مناجاة بين علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وفاطمة زوجته، بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. نشرت القصيدة في ديوان"خيال وواقع"، يقول فيها:
" اُنظروا المنبع الصخري
مشعا بالبهجة
كأنه ومضة نجم
وما فوق النجوم
تقترب من شبابه…"

يضم  "الديوان الشرقي  للشاعر الغربي"، الذي نشره عام 1819 م، الكثير من الصور المجسدة، عن حياة العرب والمسلمين، والاستشهاد بأقوال وأوصاف ونماذج من القرآن الكريم، والشعر الجاهلي والإسلامي، حتى أن "هيغل"، اعتبر هذا الديوان تحولا للشاعر إلى الشعر الفلسفي. كما استخدم الأسلوب القصصي متأثرا بـ"ألف ليلة وليلة" . تقول "كاترينا مومزن" : "وفي الفصل الأول من القسم الثاني من فاوست، يوجد كذلك الكثير  الكثير من المؤثرات   التي تعود أصولها إلى ألف ليلة وليلة. فهناك، مثلا موضوع استخراج الكنز المدفون في باطن الثرى… وفي نهاية الفصل الخاص بالمناظر السحرية، التي  رافقت تنكر الأشباح ، أثنى جوته على "ألف ليلة وليلة"، وأشاد بشهرزاد." 
يقول غوته على لسان قيصر
" أي حظ طيب هذا الذي قادك إلى هنا
مباشرة من ألف ليلة وليلة ؟
لو استطعت أن تتشبه بشهرزاد في خصوبة عطاياها،
لوعدتك وعدا صادقا بأسمى الهدايا…"

لم يكتف "غوته" بالتأثر بالتراث العربي الإسلامي، بل ترجم الكثير من شعر المعلقات، يقول في رسالة موجهة لأحد أصدقائه ( كارل فول كنيبل):"…وهذه القصائد في جملتها تدعو للدهشة والاستغراب، كما أنها تشتمل على مقاطع بعضها محبب إلى النفس. ولقد قررنا تقديمها للمجتمع مترجمة، ومن ثم فسوف تطلع أنت أيضا عليها."  فالقصائد التي يتحدث عنها هي المعلقات العربية، والتي كان قد ترجمها "وليم جونز" (1746-1794)، وفي عام 1783 صدرت هذه المعلقات بالحرف العربي المطبوع باللاتينية، مرفوقة بترجمة "جونز"، وهذا ما دفع غوته إلى ترجمتها من  الأنجليزية إلى الألمانية. ومهما كان الخلاف قائما حول صدور هذه الترجمة أو عدم صدورها، فإنه من المؤكد أن غوته قد ترجم بعض أجزاء هذه المعلقات. ومن القصائد التي حاول ترجمها، معلقة امرئ القيس، وهذه بعض الأبيات له، مرفوقة بتلك الترجمة، كما أوردتها "كاترين مومزن":
"1-
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل          بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قفا ودعونا نبك هنا في موضوع الذكريات ، فهناك بمنقطع الرمل المعوج، كانت خيمتها وقد أحاطت بها خيام القوم.
2-
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها          لما نسجتها من جنوب وشمأل
لم يعف رسمها بعد تماما بالرغم مما نسجته عليها ريح الشمال وريح الجنوب من رمال متطايرة.
3-
وقوفا بها صحبي علي مطيهم          يقولون لا تهلك أسا وتجمل
ووقف صاحباي رابطي الجأش يعللانني قائلين لا تهلك من شدة الجزع وتجمل بالصبر…" 
ولا يمكن لغوته ألا يتأثر بهذا الشعر وقد  نال منه كل هذا الإعجاب، كما تأثر ، أيضا، بحافظ الشيرازي، الذي تعرف عليه من خلال ترجمة "هامر" لأشعار هذا الأخير،عام 1814 ، في "كتاب زليخا"، يقول:"علاوة على حافظ، السابق ذكره، فقد أعرنا ، عموما ، الشعر وغيره من الآداب الشرقيةأذنا صاغية، وذلك بدءا من المعلقات، والقرآن الكريم، وانتهاء بجامي والشعراء الأتراك…"  هؤلاء جميعا ، على حد تعبير "مومزن" ، رصدت لهم مؤثرات في قصائد "الديوان الشرقي.
يفتتح الشاعر الألماني ، ديوانه بقصيدة ، يقول في مقدمتها:
" هجرة
الشمال والغرب والجنوب تتحطم وتتناثر،
والعروش تثل والممالك تتزعزع، وتضطرب
فلتهاجر إذا إلى الشرق الطاهر الصافي.
كي تستروخ نسيم الآباء الأولين،
هناك حيث الحب والشرب والغناء،
سيعيدك ينبوع الخضر شابا من جديد،
إلى هنالك ، حيث الطهر والحق والصفاء."

ففي وصفه لأوضاع العالم الذي يعيش فيه، يوضف صورا ، هي أقرب إلى الصور القرآنية "الشمال والغرب والجنوب". يقول عز من قائل:" وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا." الآية.
ويقول أيضا:" وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا" الآية.
فغوته، يحس بغرابة الواقع الذي يعيش فيه، وبأنه هو نفسه، غريب، وكأنه يريد أن يشبه نفسه بأهل الكهف، حين عادت إليهم الحياة، فالغرب مضطرب، ولا مفر من الهجرة إلى الشرق منبع الحب والطهر والحق والصفاء.لا بد من الهرب، من الجحيم (الغرب)، إلى الجنة. كما تحضر النظرة الحالمة إلى الشرق، ذلك الشرق الذي تصوره "ألف ليلة وليلة" ؛ شرق الحب والغناء والشرب.أما الغرب ، فهو لابد سائر للزوال والهلاك .يقول تعالى:" فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" .
 
ويقول الشاعر:
"لله المشرق
 
لله المغرب
رحاب الشمال والجنوب
مستقرة بسلام بين يديه."

وتأثير الآيتين الكريمتين، من سورة البقرة، واضح  في تعبير غوته. يقول تعالى:
الآية الأولى: "وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ." 
الآية الثانية: " سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ." 
أما تأثره بحافظ الشيرازي، فهو بين في كثرة ورود اسمه في أشعاره، يقول:

" أي حافظ ! إن أغانيك لتبعث السلوى
وإنه ليحلو لي، أي حافظي الأقدس، أن أحيي ذكراك
عند الينابيع، وفي حانات الصهباء."

ليست هناك تعليقات: