‏إظهار الرسائل ذات التسميات فهمي هويدي ، كاتب رأي ، الشروق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فهمي هويدي ، كاتب رأي ، الشروق. إظهار كافة الرسائل

السبت، 8 مارس 2014

مع الداخلية «إيد واحدة»



حين خُيِّر مجلسنا الموقر بين الانحياز إلى حقوق الإنسان التى ينتسب إليها أو الانحياز إلى الحكومة التى يعمل عندها فإنه لم يخذل الحكومة، وأعلن أنه معها، خصوصا وزارة الداخلية، «ايد واحدة». على الأقل فتلك كانت الرسالة التى تلقيناها فى ثنايا التقرير الذى أعلنه المجلس يوم الأربعاء الماضى (5/3) بخصوص وقائع فض اعتصام «رابعة» الذى تم فى 14 أغسطس من العام الماضى (2013). وحتى أكون أكثر دقة فإننى أزعم أننا تلقينا رسالتين مما جرى فى المؤتمر الصحفى الذى أعلنت فيه خلاصة التقرير، واحدة تتعلق بمضمونه والثانية تتعلق بدلالاته ومغزاه.

الجمعة، 7 مارس 2014

ليست هذه أم الدنيا – فهمي هويدي

فهمي هويدي 

صحيفة الشرق القطريه   الخميس  5 جمادى الأول  1435 –  6 مارس 2014
ليست هذه أم الدنيا – فهمي هويدي

حماس لم تخسر شيئا، فالطعنة أصابت مصر السياسة كما أصابت مصر القضاء،
إذ صار القرار نقطة سوداء في تاريخ الاثنين، وبمقتضاه انضمت مصر إلى إسرائيل في اعتبار أهم فصيل فلسطيني مقاوم منظمة إرهابية.
لم يجرؤ السادات المتصالح على أن يفعلها. ولا أقدم عليها مبارك كنز إسرائيل الإستراتيجي.
ولكن ذلك حدث ــ صدق أو لا تصدق ــ في ظل ثورة انقلبت على تراث الاثنين،

وليس ذلك أعجب ما في الأمر، لأن ما هو أعجب أن حماس التي لم يثبت عليها تدخل لها قبل الثورة ولا بعدها أصبحت محظورة في مصر،
في حين أن إسرائيل التي تضبط متلبسة بالتجسس على مصر بين الحين والآخر، صارت مؤمَّنة فيها ومحظوظة.

 ليس في المشهد بمفارقاته المذهلة أي هزل، ولا يتصور عاقل في البلد أنه ينتمي إلى الجد.
من ثَمَّ لا بديل عن اعتباره عبئا خارج المعقول ومنتميا بالكامل إلى اللامعقول.

أتحدث عن الصدمة التي تلقيناها في ذلك الصباح (الثلاثاء 4/3)، حيث نعى إلينا الناعي أن محكمة للأمور المستعجلة في القاهرة أصدرت قرارا بحظر حركة حماس في مصر والتحفظ على أموالها.

وفي خلفية الخبر أن أحد المحامين تقدم بدعوى إلى المحكمة بهذا الخصوص، وأنه قدم حافظة مستندات أيد بها دعواه، ذكر فيها أن حماس شاركت في الأعمال الإرهابية. واقتحمت السجون وقتلت ضباط الشرطة بمشاركة الإخوان إبان ثورة 25 يناير،
وأرفق الرجل بدعواه أسطوانة مدمجة بينت الجناح العسكري للحركة وهو يتدرب على الأعمال الإرهابية(!!).

لم يكن الكلام مفاجئا تماما، لأن أجواء التسميم والكراهية التي خيمت على الفضاء المصري خلال الأشهر الماضية تخللتها ادعاءات من ذلك القبيل، تعددت مصادرها والتقت عندها مصالح أطراف عدة.

وهذه تكفلت بإطلاق حملة ضارية من الشيطنة روجت لها الأبواق الإعلامية طوال تلك الفترة، ونجحت في قلب الصورة وتشويه إدراك قطاع عريض من الناس، بعدما صورت حماس باعتبارها عدوا وخطرا يهدد أمن مصر ويتطلع إلى التمدد في سيناء.

فالذين كرهوا الثورة وأرادوا التشكيك في دوافعها بدعوى أنها مؤامرة حاكتها قوى خارجية أشاروا إلى حماس.

والذين أرادوا أن يغسلوا أيديهم من جرائم القتل والقنص التي وقعت أثناء الثورة (عام 2011) وجهوا أصابع الاتهام إلى حماس،
 بعدما أشار تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أعد بإشراف قضائي نزيه (ترأس اللجنة المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق) إلى مسؤولية الأجهزة الأمنية عن تلك الجرائم،
ولم يشر التقرير بكلمة إلى دور حماس فيها ولكن تلك الأجهزة تجاهلت التقرير وأعادت كتابة تاريخ تلك المرحلة على هواها،
ومن ثم علقت جرائم على «شماعة» الحركة.

والذين كرهوا الفلسطينيين لأن مجرد وجودهم شاهد على جريمة اغتصاب وطنهم، كانت لهم أيضا مصلحة أكيدة في توجيه الطعنات إلى حماس.

والذين كرهوا المقاومة واعتبروا أن وجودها يعطل مشروعهم الاستسلامي أدركوا أن شيطنة الفصيل المقاوم تفسح الطريق لتحقيق مسعاهم.

والذين أزاحتهم الحركة من القطاع في عام 2006 لم ينسوا ثأرهم ولم يتوقفوا عن الكيد لها بحصارها ومحاولة الإطاحة بها وتصويرها باعتبارها خطرا على مصر.

 والذين حرصوا على أن تنفض القاهرة أيديها من القضية الفلسطينية عملوا على توسيع الشقة وإذكاء الخصومة بينها وبين المقاومة، ومن ثم شجعوا الجفاء مع أهم فصائلها.

أخيرا فإن الذين كرهوا الإخوان لم يغفروا لحماس صلاتها الفكرية والتاريخية بهم، فضموها إلى حملة الاستئصال والإبادة السياسية.

كل هؤلاء يقفون وراء الحملة التي كان الحكم الأخير إحدى حلقاتها ومثَّل سهما أصاب سمعة مصر بأكثر مما أضر بحماس.

 ذلك أن الحركة ليست لها أنشطة ولا أي مقار في مصر، الأمر الذي يعني أن القرار الصادر كان مجرد فرقعة سياسية ليس أكثر.

تستمر الدهشة ــ الصدمة إن شئت الدقة ــ حين تلاحظ أن الحكم صدر عن محكمة للأمور المستعجلة، الأمر الذي يمثل إهدارا لأبسط قواعد القانون ومقتضياته.
حتى أزعم أن مجرد نظر القضية على ذلك المستوى أساء إلى القضاء أيما إساءة.
 ذلك أن الموضوع برمته ليس من اختصاص القضاء المدني وإنما هو من اختصاص القضاء الإداري.

وحتى إذا صح الاختصاص فالقضية لا تنطبق عليها شروط الاستعجال المقررة قانونا.
 ذلك أن أي طالب في كلية الحقوق يعرف أن القضاء المستعجل يختص بالطلبات الوقتية التي تتعلق بحق متنازع عليه يخشى ضياعه أو اقتضاؤه.

 يعرف طالب الحقوق أيضا أن ذلك القضاء ليس له أن ينظر في الموضوع،
وإنما هو يقضي فقط في الطلبات الوقتية استنادا إلى ما هو ظاهر من الأوراق المقدمة إليه.

ما جرى عصف بكل ذلك، فالمحكمة قضت في أمر لا ولاية لها عليه، ولا وجه للاستعجال فيه،
ثم إنها ذهبت إلى ما هو أبعد وأصدرت حكما في الموضوع.
 وهو ما يمثل إهدارا للقانون وإساءة إلى القضاء أيضا، ويعد نموذجا للتداخل بين القضاء والسياسة تمنيت أن يستثير غيرة نادي القضاة، ويستحق منه موقفا حازما إزاءه.

ليست هذه هي الشقيقة الكبرى ولا أم الدنيا،
وإذا كنت لا أعرف الجهة المسؤولة عن تلك الإساءات التي أهانت مصر وقضاءها، إلا أنني أعرف أننا لا يمكن أن ننسبها للثورة أو إلى الضمير الوطني الذي يعرف قيمة هذا البلد ويدرك مسؤولياته الوطنية والقومية.

الحضور في زمن الفرجة – فهمي هويدي



صحيفة الشرق القطريه الأربعاء  4 جمادى الأول  1435 –  5 مارس 2014
الحضور في زمن الفرجة – فهمي هويدي

أخشى على حكومة مصر الجديدة من غواية الصور وسياط الإعلام،
ذلك أنني لاحظت أن بعض الوزراء ما إن حلفوا اليمين حتى نزلوا إلى الشارع لكي يثبتوا أنهم في الميدان ويتابعوا ويديروا بأنفسهم عجلة العمل في محيط اختصاصهم.

في الوقت ذاته وجدت أن بعض المعلقين سارعوا إلى توجيه سهام النقد إلى تشكيلها واتهموا رئيس الحكومة «بالمنظرة» بعدما أصدر عدة قرارات سريعة تعلقت بمنع شرب المياه المعدنية ومنع المواكب والهدايا والتهاني، ودعوته إلى استمرار الوزراء في العمل 15 ساعة يوميا.


أرحب بالحماس والهمَّة والرسالة القتالية التي أرادت الحكومة أن تنهض بها،
ولا أستريح للدور الوصائي الذي أصبحت وسائل الإعلام تفرضه على المجتمع، بعدما تحول مقدمو البرامج إلى زعماء ومصلحين يوجهون الرأي العام ويعطوننا دروسا فيما يجوز وما لا يجوز.

مع ذلك فإنني أدعو الجميع إلى التريث، فربما أدرك الوزراء مثلا أن وجودهم بشخوصهم في مواقع العمل أو أن بقاءهم أطول مدة في مكاتبهم ليس أفضل سبل الإدارة.

وربما أدرك الإعلاميون أنهم تسرعوا في إصدار الأحكام وبالغوا كثيرا في ممارسة دورهم، ولو أن كلا منهم صبر قليلا ورتب أوراقه جيدا لاختلف أداؤهم ولكان النفع من وراء ذلك أكبر.

الأربعاء، 5 مارس 2014

الاقتصاد المريض

عماد الدين أديب

لا أحسد المهندس إبراهيم محلب على مهمته التاريخية الثقيلة!
وفى يقينى أن هذا المهندس الكفء، والإدارى المتمكن، هو رجل شجاع ومحب للوطن حتى يقبل تولى حقيبة رئاسة أصعب حكومات مصر على وجه الإطلاق.
ومبلغ صعوبة هذه الحكومة تحديداً لأنها تجمع 3 مهمات كلها أصعب من بعضها البعض، وكل واحدة قد تتصادم فى طرق الحل مع الأخرى!
هذه المهمات هى:
1- تحقيق تطلعات البسطاء فى حياة أفضل فى زمن محدود.
2- إصدار قرارات شجاعة وصعبة قد تنال من الالتزامات الاجتماعية للدولة.
3- تحقيق ذلك كله فى ظل موازنة عامة للدولة مرهقة بالدين العام وتتناقص فى ذات الوقت فى مواردها.
هذه المعادلة الثلاثية تزداد تعقيداً إذا علمنا أن سيف الوقت المحدود موضوع منذ اليوم الأول على رقبة هذه الحكومة، التى يتعين عليها أن تنجز كل ما سبق فى مدى زمنى لا يتجاوز الأربعة أشهر، التى يعتقد أنها عمر الحكومة، التى يجب أن تتغير أو يتم المد فى عمرها عقب اختيار رئيس جديد أو برلمان جديد.
إذن نحن إزاء مطالب تاريخية مزمنة مطلوب أن يتم التعامل معها فى زمن قياسى محدود من قبل سلطة تنفيذية تدرك أن مهمتها مؤقتة للغاية. ولعل أخطر القضايا المزمنة التى يواجهها الاقتصاد المصرى هى مسألة الدين العام الذى يبلغ 1553 مليار جنيه، والذى يستحوذ على قرابة ثلث الموازنة فى مسألة تغطية فوائده السنوية التى تبلغ 182 مليار جنيه. من المخيف أن نعلم أن عجز هذا الدين العام قد تزايد بشكل مخيف حتى بلغ 550 ملياراً فى ثلاث سنوات، أى منذ يناير 2011. هذا العجز مرشح للصعود حينما تضطر أى حكومة حالية أو مقبلة إلى تنفيذ الاستحقاقات الدستورية التى تنص على الالتزام بالاتفاق على بنود محددة فى الصحة والتعليم وشراء المحاصيل من المزارعين. لا بد أن تكون هناك حلول غير تقليدية ونحن نتصدى لهذه التركيبة المعقدة والمزمنة التى تزداد صعوبة مع كل حكومة. نحن بحاجة قبل أى شىء إلى القيام بمصارحة مع النفس ومع الرأى العام حتى يعلم خطورة الاقتصاد المريض.

الاثنين، 3 مارس 2014

دعه يحكم.. دعه يفشل.. دعه يمر

14876580-large

أحمد سمير - الشروق
"الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة قامت بالتخطيط لتنفيذ [854] مشروعًا اعتبارًا من أغسطس 2012، تم إنجاز [473] مشروعًا من المستهدف منها، وتمثل كمية الأعمال المنفذة ستة أمثال الهرم الأكبر".
هذا ما كتبه المتحدث العسكري على صفحته بتاريخ 22 فبراير 2014..
للحظة لم أستوعب العبارة فأعدت قراءتها مرات لأتاكد..
ستة أمثال الهرم الأكبر؟؟.. ستة أمثال الهرم الأكبر؟؟
ما وجه المنافسة بين خوفو والأشقاء في القوات المسلحة لتصر أنها أنجزت ستة أمثال الهرم الأكبر؟
"الصاروخ.. أطلقنا صاروخًا مداه 600 كيلو متر..
صاروخ عربي يستطيع إصابة إسرائيل إذا أطلق من القاهرة"
هكذا جاءت عناوين جريدة الأخبار في يوليو 1962 حول صاروخ سمي «القاهر»، وآخر اسمه «الظافر» قبل هزيمة 5 يونيو بخمسة أعوام كاملة.
مخترع علاج «سي» و«الإيدز»: اختراعي مثل سر بناء الأهرامات".
هكذا جاء عنوان «المصري اليوم» يوم 26 فبراير 2014..
الأهرامات.. مرة ثانية.. مرتين في أسبوع واحد.
في حوار آخر قال اللواء طبيب إبراهيم عبد العاطي، الذي يوصف بأنه مخترع جهاز علاج فيروس سي ومرض الإيدز «عُرض عليَّ 2 مليار دولار، لكي أنساه، لكني رفضت».

هزار استراتيجي

فهمي هويدي

حين يقال لنا إن مصر والخليج يواجهان خطر تركيا وإيران، فذلك كلام كبير وخطير. كبير لأنه يطرح معادلة استراتيجية جديدة فى المنطقة تضع مصر والخليج فى معسكر الضد لأكبر وأهم جارين للمحيط العربى. وخطير لأنه يتجاهل حقيقة أن الخطر الاستراتيجى الحقيقى الذى يهدد الأمن القومى العربى هو الاحتلال الإسرائيلى وليس غيره. المقولة التى أعنيها كانت عنوانا نشرته جريدة الأهرام على ثمانية أعمدة يوم السبت الماضى (1/3) نصه كالتالى: مصر والخليج يواجهان مصيرا واحدا وخطر تركيا وإيران. والكلام المنشور تحته كان خلاصة لحوارات ندوة مشتركة بين مركزى الأهرام للدراسات والخليج والأبحاث، حضر فيها خبراء وأكاديميون يمثلون الجانبين.
صدمنى العنوان لأننى أنتمى إلى جيل تشكل إدراكه انطلاقا من رؤية تختلف جذريا مع الرسالة التى تضمنها. سواء فيما خص الموقف من إسرائيل أو إزاء الجارتين الكبيرتين اللتين اعتبرهما الدكتور جمال حمدان مع مصر العربية «مثلث القوة» فى المنطقة. وارتأى أنه باتصال أضلاعه تنهض الأمة، وباختلالها تنكسر وتنهزم. من ثم فقد اعتبرت رسالة العنوان بمثابة انقلاب سلبى يشوه الوعى ويهدر بعض أسس المسلمات التى استقرت فى الأذهان منذ عصر المد القومى، الذى استعاد فيه العرب هويتهم وكبرياءهم. وقد أدهشنى أن تكون تلك الرسالة عنوانا لندوة تحدث فيها خبراء استراتيجيون وأساتذة فى العلوم السياسية، يفترض أنهم أكثر وعيا من غيرهم باستراتيجيات المنطقة.
دفعنى الاهتمام الخاص بالموضوع إلى مطالعة النص المنشور، واستلفت نظرى فيه الملاحظات التالية:

الخميس، 27 فبراير 2014

مشكلتى الاقتصاد والأمن


فهمي هويدي


تبدو المسألة أكثر تعقيدا إذا نظرنا إلى مشكلتى الاقتصاد والأمن، لأن التداخل بينهما شديد للغاية، حيث لا يتصور أحد أن تدور عجلة الاقتصاد دون أن يستقر الأمن، وقد اقنعتنا خبرة الأشهر الثمانية الماضية بأن المؤسسة الأمنية عاجزة عن ان تستجلب الاستقرار الذى يطلق عجلة الاقتصاد. وان السياسة هى الرافعة الحقيقية لحل المشكلة الأمنية، وفى غيبتها ستظل العقدة بغير حل. وحين يحاول رئيس للوزراء حل المشكلة الاقتصادية ويده مغلولة فى الشأن السياسى، فإنه لن يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وسيكون بحاجة إلى معجزة تتنزل من السماء لكى ينجز شيئا على ذلك الصعيد، ولا أعرف ان كان دعاؤنا له سيفيده فى هذه الحالة أم لا.

اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=27022014&id=956f7c79-4159-4135-be3a-a85a795c01e5

الأربعاء، 26 فبراير 2014

الدولة الموازية فى مصر

فهمي هويدي

طول الوقت كنا ندافع عن حق الناس فى أن يعرفوا ما يجرى فى البلد، لكننا اكتشفنا أخيرا أننا كنا مبالغين فى الطموح وأن علينا أن نتواضع فى تطلعاتنا فى ظل النظام الجديد. إذ لا يليق أن نطالب بذلك الحق للناس إذا كانت الحكومة ذاتها لا تعرف. على الأقل فتلك هى الرسالة التى تلقيناها فى ثنايا إعلان استقالة حكومة الدكتور حازم الببلاوى، الذى لم يفاجئنا نحن فقط، ولكنه فاجأ الوزراء أنفسهم، وأغلب الظن أنه فاجأ رئيس الحكومة شخصيًا.
صباح يوم الاثنين 24/2 الذى أعلن خبر الاستقالة بعدة بساعات، نشرت صحيفة «المصرى اليوم» على صدر صفحتها خبرا كان عنوانه: «الببلاوى: لا مشاورات حول التعديل الوزارى حتى الآن». وتحت العنوان ورد النص التالى: «شدد الدكتور حازم الببلاوى رئيس مجلس الوزراء على عدم إجرائه مشاورات حول التعديل الوزارى حتى الآن. وقال إن الحقيقة الوحيدة حاليا هى وجود وزارتين شاغرتين هما الإنتاج الحربى والتعاون الدولى. ومن المحتمل أن تكون هناك وزارة ثالثة شاغرة (يقصد وزارة الدفاع فى حالة ترشح المشير السيسى للرئاسة).»
ذكرت الصحيفة فى التصريحات «الخاصة» التى أدلى بها أن الحكومة تعمل بشكل مستمر، وقد أقرت تعديلات القوانين التى سيكون لها مردود إيجابى على تدفق حركة الاستثمار قريبا.
معلومات الدكتور الببلاوى كانت فى حدود ما شاع بيننا طول الأسابيع الماضية من أن الرجل باق فى منصبه حتى إجراء الانتخابات الرئاسية (فى شهر أبريل فى الأغلب)، من ثم فإن التعديل سيكون فى حدود شغل المناصب الشاغرة، وليس فى الحكومة كلها بما فيها رئيسها. إلا أن ما حدث معه كان مماثلا لما حدث فى دستور 2013، حين نصت خارطة الطريق على تعديل بعض مواده، ثم اكتشفنا أن الدستور كله تغير وجىء لنا بدستور جديد.
كان الدكتور الببلاوى مطمئنا إلى بقائه فى منصبه، بدليل أن جدول أعماله للأسبوع الحالى تضمن رحلة كان مقررا أن يقوم بها اليوم (الأربعاء) إلى نيجيريا لحضور اجتماع السلم والأمن فى إفريقيا (وفد ترتيب الزيارة سافر قبل ساعات من إعلان الاستقالة). وبسبب تعارض رحلته المقررة مع موعد الاجتماع الأسبوعى لمجلس الوزراء الذى يقعد فى نفس التوقيت، فقد تم التبكير بعقد الاجتماع يوم الاثنين.
وبدلا من ان يبدأ الاجتماع باستعراض جدول أعمال الجلسة، فإن الدكتور الببلاوى افتتحها بكلمة قال فيها إن الظروف الطارئة التى تمر بها البلاد باتت تفرض على الوزارة أن تقدم استقالتها بصورة جماعية. وهو ما فوجئ به الجميع، ليس فقط لأنه لم تكن هناك أية مقدمات توحى بذلك، وإنما أيضا لأنه لم يشرح للوزراء طبيعة تلك الظروف الطارئة. ولأن كلامه كان لإبلاغ الوزراء وليس لمناقشة الموضوع، فإن الاجتماع لم يستمر لأكثر من 15 دقيقة، عاد بعدها كل وزير لكى يجمع أوراقه من مكتبه.
المفاجأة لم تكن من نصيب الوزراء وحدهم ولكنها كانت أيضا مفاجئة للمجتمع المعنى بالموضوع، حيث لم يتوقع أحد أن يطالع فى الصباح ما نشر عن التعديل الوزارى وبرنامج سفره إلى نيجيريا، ثم يتغير كل شىء عند الظهر، دون أى تفسير أو تبرير.
منذ أذيع الخبر والناس يضربون أخماسا فى أسداس، ولا أحد فهم شيئا مما حدث، الأمر الذى فتح الباب واسعا للتأويلات. وفى حدود علمى فإن الأمر حسم مساء الأحد فى لقاء جمع بين المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية وبين الدكتور حازم الببلاوى. أما ما الذى تم فى ذلك اللقاء، فذلك لغز لا سبيل إلى تفسيره، حتى الآن على الأقل، من ثم فإننا لا نعرف على وجه الدقة ما إذا كان الدكتور الببلاوى قد قدم استقالته فعلا، أم أنه أقيل من منصبه، ولكل احتمال أنصاره الذين أكدوه. وإن كانت أغلب الآراء التى عبر عنها المشاركون فى البرامج التليفزيونية الحوارية التى جرت فى مساء اليوم ذاته قد مالت إلى فكرة الإقالة وليس الاستقالة.
لم تتوقف المفاجآت عند ذلك الحد، وإنما لاحظنا أن اسم رئيس الوزراء الجديد قد ظهر بعد ساعات قليلة من إعلان استقالة الحكومة، حيث لم يعلن عن مشاورات أو ترشيحات، الأمر الذى يعنى أن الأمر كله كان مرتبا من قبل، وأن الدكتور الببلاوى وأعضاء حكومته كانوا ــ مثلنا ــ آخر من علم بالموضوع.
ما جرى يسوغ لنا أن نسجل الملاحظات الثلاث التالية:
• إن المشهد كله بدا غامضا وناعيا إلينا موت الشفافية، الأمر الذى يكرس انفصال المجتمع عن القرار السياسى. فلا نحن عرفنا من أصدر القرار ولا فهمنا طبيعة الظروف الطارئة التى اقتضته. ولا كيف تمت المشاورات، ولكن مبلغ علمنا أن ذلك كله أعد فى السر وأن الطبخة كانت جاهزة قبل بداية الأسبوع، الأمر الذى يثير أكثر من علامة استفهام حول الجهة التى تدير مصر فى الوقت الراهن، وعن صحة الادعاء بأن فى البلد دولة موازية إلى جانب الدولة العميقة واحتمال اندماجها مع بعضهما البعض.
• إننا بصدد تغيير فى الوجوه وليس فى السياسات. ولئن تمت إقالة الحكومة أو استقالتها بعد انتشار الإضرابات العمالية وانفضاح أمر التعذيب والانتهاكات فى السجون المصرية، فلم تظهر فى الأفق بادرة توحى بأن ثمة سياسات جديدة فى الطريق، بدليل التأكيد على استمرار وزير الداخلية فى منصبه أو استبداله بأحد رجاله رغم كل الدماء التى سالت فى عهده والانتهاكات التى وقعت.
• إن ما جرى يعد إعلانا مجددا عما وصفته من قبل بموت صحافة الخبر فى مصر، بعدما أصبحت الأخبار مقصورة على التسريبات الأمنية. ذلك أن الإعلام المصرى كله فوجئ بالاستقالة، بما فى ذلك الصحف التى تتباهى طول الوقت بانفراداتها وقدرتها على اختراق المستحيل، كما تقول.
لقد عاد المجتمع المصرى إلى السياسة بعد ثورة 25 يناير، لكنها عودة من طرف واحد، لأننا اكتشفنا أن السياسة لم تعد إلى المجتمع.


اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=26022014&id=24b39f42-552c-4484-88ff-c4aac811e67f

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

المعركة والأزمة

فهمي هويدي

المعركة والأزمة

الخلاصة الأخيرة هى أكثر ما يهمنا فى مصر لأن العسكر يديرون معركة فى حين أن السياسيين يديرون أزمة. والفرق كبير بين المسارين. فالمعركة تفترض فى الآخر أنه عدو وينبغى هزيمته وسحقه. فى حين أن الأزمة تتعامل مع الآخر باعتباره معارضا أو منافسا أو حتى خصما سياسيا، لكنه فى كل أحواله ليس عدوا. والفوز فى المعركة يتحقق بالقضاء على ذلك العدو وكسر إرادته، الأمر الذى يفترض أن وجود الآخر هو المشكلة. أما الإدارة المدنية والسياسية للأزمة فإن الفوز فيها يتحقق بإزاحة الآخر من موقعه انطلاقا من ان النفوذ هو المشكلة وليس الوجود. وعقل إدارة المعركة يستهدف تركيع الآخر وإخراجه تماما من الساحة لأن الشعار المرفوع هو: نحن أو هم. أما عقل إدارة الأزمة فإنه يستهدف الحفاظ على اليد العليا ولا يمانع فى الاتكاء على الآخر فى تحقيق المصالح العليا للوطن تحت شعار كلنا معا. ولأن الأمر كذلك فإن السلاح والمؤسسة الأمنية يصبحان عُدَّة المعركة فى ذلك الوقت، فى حين يظل الحوار والتنافس السلمى هما الركيزتان الأساسيتان فى السعى لإدارة الأزمة.
فهمي هويدي
الشروق

رسالة أوكرانية محظور استلامها

فهمي هويدي

رسالة الأسبوع التى تم تجاهلها فى مصر تتلخص فى أن وقوف القوات المسلحة بعيدًا عن الصراع السياسى أسهم بقسط كبير فى الانفراج الذى شهدته أوكرانيا.
(1)
أدرى أن المشهد فى أوكرانيا تداخلت فيه عوامل عدة، يتعلق أهمها بالتنافس الحاصل بين روسيا من جانب وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من جانب آخر. كما يتعلق بعضها بالضغوط التى مارستها الدول الأوروبية والتفاهمات التى تمت مع موسكو لفرض الحل السياسى للأزمة. وفى تحليل ما جرى سنجد أيضا دورًا لتباينات التركيبة السكانية التى تضم خليطا من الروس والسلاف والتتار وغيرهم ممن يشكلون مجتمعا من 45 مليون نسمة، وستعثر على دور آخر لثورة الاتصال التى كان لها إسهامها فى تأجيج الغضب واستمرار الاعتصامات فى العاصمة كييف، مع ذلك أزعم أن وقوف القوات المسلحة على الحياد ورفض رئاسة الأركان التدخل فى الصراع السياسى كان من أهم العوامل الداخلية التى سمحت للعراك السياسى أن ينتهى بالتوصل إلى اتفاق بين السلطة والمعارضة.
أفهم أيضا أن ثمة حساسية خاصة إزاء هذه النقطة فى مصر، بسبب الدور الذى قامت به قيادة القوات المسلحة حين قادت حملة عزل الدكتور محمد مرسى من رئاسة الجمهورية وإسقاط نظامه، وإقامة نظام آخر بديل، تشير الدلائل إلى أن المؤسسة العسكرية ستؤدى فيه دورا محوريا، إلا أننى أزعم أن تلك الحساسية ليست مبررة. لأن رصد الأثر الذى أحدثه حياد القوات المسلحة فى أوكرانيا لن يغير شيئا من واقع الحال فى مصر، ولا يخطر على البال أن يستصحب دعوة إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. ولكن أثره لن يتجاوز إتاحة الفرصة لنا لكى نتفهم ما جرى ويجرى على نحو أفضل. وربما ساعدنا ذلك على أن نستوعب الدرس بحيث نراجع خياراتنا بما يمكننا من تصحيح بعض الأخطاء التى وقعنا فيها.
(2)
حين أعلنت رئاسة الأركان الأوكرانية على الموقع الإلكترونى لوزارة الدفاع أنها لن تتدخل فى الصراع السياسى فى البلاد، وأكدت على أن القوات المسلحة ستظل محتفظة بحدود التزاماتها الدستورية (فى الدفاع عن البلاد) فإن هذا الموقف لم يكن بعيدا عن اعتبارين، أولهما الضغوط القوية الرافضة لتدخل الجيش فى الشأن السياسى التى مارسها الاتحاد الأوروبى. الاعتبار الثانى تمثل فى وجود برلمان منتخب مثلت فيه المعارضة إلى جانب حزب السلطة، الأمر الذى يعنى أن الساحة السياسية لم تكن فارغة تماما، وإنما كانت هناك مؤسسة تحولت إلى ساحة للصراع الذى عبرت عنه الحشود المعتصمة فى ميدان الاستقلال بالعاصمة.
طوال الأشهر الثلاثة الماضية ظل المعتصمون الذين نصبوا خيامهم فى الميدان يصرون على مطلبهم فى ضرورة إقالة الرئيس فيكتور يانكوفيتش وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. وخلال تلك الفترة تعرض المعتصمون المتظاهرون إلى غارات من الشرطة تخللتها اشتباكات أسفرت عن سقوط نحو 80 قتيلا. وهذه الاشتباكات لها خلفيتها التى تمتد إلى عام 2004 الذى أجريت خلاله انتخابات يقول المعارضون إنها تمت بالتزوير وظلت البلاد تعيش فى توتر استمر منذ ذلك الحين إلى ان انفجر غضب الرأى العام أخيرا بسبب انحياز الرئيس يانكوفيتش إلى روسيا ورفضه معونة الاتحاد الأوروبى. فى حين أن الجماهير تعلقت بأمل الخروج من الفلك الروسى والالتحاق بالمنظومة الغربية.
أيا كان تقييمنا السياسى لموضوع الصراع فالشاهد ان البرلمان المنتخب هو الذى أدار المواجهة. وظلت المعارضة الممثلة فيه معتمدة على قوة الحشود المعتصمة فى ميدان الاستقلال. فقد قرر البرلمان إقالة الرئيس وإقالة وزير الداخلية الذى حمل بالمسئولية عن قمع المتظاهرين، كما أقيل النائب العام. وعين البرلمان رئيسا جديدا له وقائما بأعمال رئيس الجمهورية. وكان زعماء المعارضة فى البرلمان هم الذين قاموا بالتفاوض مع الرئيس يانكوفيتش قبل إقالته، وتوصلوا إلى اتفاق تضمن بنود الخروج من الأزمة (الرئيس اختفى ولجأ إلى عشيرته فى الشرق ذى الأغلبية الروسية بما يستدعى احتمال انفصال الإقليم).
الشاهد انه حين ابتعد الجيش عن المسرح ولم يتدخل طرفا فى المعادلة، فإن ذلك حمل السياسيين بمسئولية إدارة الأزمة. فنهضوا بمهمة التفاوض وتفاعلوا مع الوسطاء الأمر الذى مكن الجميع من التوصل إلى حل سياسى مكنهم من تجاوز الأزمة، وهذا التطور يمكن اختزاله فى عبارة واحدة هى: حين غاب العسكر انتعشت السياسة وقامت بمهمتها فى صياغة الخروج من المأزق.
(3)
الخلاصة الأخيرة هى أكثر ما يهمنا فى مصر لأن العسكر يديرون معركة فى حين أن السياسيين يديرون أزمة. والفرق كبير بين المسارين. فالمعركة تفترض فى الآخر أنه عدو وينبغى هزيمته وسحقه. فى حين أن الأزمة تتعامل مع الآخر باعتباره معارضا أو منافسا أو حتى خصما سياسيا، لكنه فى كل أحواله ليس عدوا. والفوز فى المعركة يتحقق بالقضاء على ذلك العدو وكسر إرادته، الأمر الذى يفترض أن وجود الآخر هو المشكلة. أما الإدارة المدنية والسياسية للأزمة فإن الفوز فيها يتحقق بإزاحة الآخر من موقعه انطلاقا من ان النفوذ هو المشكلة وليس الوجود. وعقل إدارة المعركة يستهدف تركيع الآخر وإخراجه تماما من الساحة لأن الشعار المرفوع هو: نحن أو هم. أما عقل إدارة الأزمة فإنه يستهدف الحفاظ على اليد العليا ولا يمانع فى الاتكاء على الآخر فى تحقيق المصالح العليا للوطن تحت شعار كلنا معا. ولأن الأمر كذلك فإن السلاح والمؤسسة الأمنية يصبحان عُدَّة المعركة فى ذلك الوقت، فى حين يظل الحوار والتنافس السلمى هما الركيزتان الأساسيتان فى السعى لإدارة الأزمة.
إذا حاولنا تنزيل هذا التحليل على الواقع المصرى فسنجد أن المواجهة الحاصلة أديرت بعقل المعركة الفاصلة وليست الأزمة السياسية. للدقة فإنها بدأت أزمة طرح خلالها (فى 30 يونيو) مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكنها انتهت معركة استهدفت عزل الرئيس وإلغاء الدستور وحل مجلس الشورى وتطورت إلى تطهير أجهزة الدولة من الجماعة، ثم محاولة إخراجها من السياسة تماما، من خلال تصنيفها جماعة إرهابية وإيداع الآلاف من أنصارها فى السجون والمعتقلات، إضافة إلى تقديم كل القيادات والرموز إلى المحاكمة بناء على قائمة طويلة من الاتهامات التى انبنت على تقارير جهاز الأمن الوطنى.
لمزيد من الدقة أضيف ان جهودا بذلت فى البداية للتعامل مع المواجهة باعتبارها أزمة، تدخل فيها الوسطاء الأوروبيون كما حدث فى أوكرانيا. وقد تعددت زيارات أولئك الوسطاء للقاهرة خلال العام الأول الذى أعقب حركة الجيش فى 3 يوليو، وكان فى مقدمتهم السيدة آشتون مفوضة الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبى، كما شارك فيها وزراء يمثلون بريطانيا وألمانيا والنرويج وغيرهم. ولايزال الدبلوماسيون الغربيون إلى الآن يتحدثون عن اتفاقات تم التوصل إليها مع الجانبين كان من بينها مثلا إطلاق سراح اثنين من أنصار الدكتور مرسى المعتدلين هما رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد سعد الكتاتنى والمهندس أبوالعلا ماضى رئيس حزب الوسط، لكى يشتركا فى الحوار الذى يستهدف الخروج من الأزمة. وتحدد بالفعل موعد للإفراج عنهما، ولكن ذلك الاتفاق تم التراجع عنه فى اللحظة الأخيرة، وبدلا من ذلك أقحم الرجلان فى قضايا عدة، الأمر الذى أدى إلى توقف المساعى الأوروبية، إذ بدا واضحا ان الخيار الأمنى فرض نفسه واستبعد الحل السياسى، الأمر الذى يعنى أن المواجهة انتقلت من مربع الأزمة إلى ساحة المعركة.
جدير بالملاحظة فى هذا الصدد أنه فى حين أن الوسطاء الأوروبيين حاولوا التدخل لإنهاء الأزمة سياسيا، فإن التدخلات الخليجية سارعت بالحضور إلى المسرح ملوحة بقدراتها الاقتصادية العالية تبنت الدعوة إلى خوض المعركة وضرورة حسمها لتعزيز قبضة السلطة الجديدة، وإذ عبر كل طرف من الوسطاء عن خلفيته وبيئته السياسية، فالشاهد أن الحل الأمنى وجد هوى لدى العقلية العسكرية، فكان ما كان. الأمر الذى انتهى بتوسيع نطاق المعركة، التى لم تعد مقصورة على جبهة الإخوان وحلفائهم فحسب، ولكنها امتدت بحيث شملت جماعات المعارضة السياسية أيضا التى استهدفها القمع خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا بعد صدور قانون منع التظاهر وفى ظل التوسع فى عمليات الاعتقال والتعذيب. وبدا لنا فى نهاية المطاف أن المؤسسة الأمنية التى تولت إدارة المعركة طورت أداءها بحيث تجاوز محيط الإسلام السياسى وانتقل إلى مواجهة المعارضة السياسية.
(4)
ثقافة المعركة التى استهدفت الإقصاء والإبادة السياسية ورفعت شعار نحن أو هم، تحالفت مع بعض عناصر النخبة الانتهازية ذات النوازع الفاشية والنازية للترويج لمشروع الإبادة. فى الوقت ذاته فإنها استثمرت الفراغ الراهن الناشىء عن غيبة المؤسسات الدستورية واختراق وتطويع أغلب مؤسسات المجتمع المدنى لإشاعة جو من الشعبوية التى لا تعترف بقانون أو دستور. كما أنها تتوسل بدغدغة مشاعر الجماهير وإيهامها بأنها باتت صاحبة الأمر والنهى فى مصير البلاد، والادعاء بأن «الشعب صار القائد الأعلى للقوات المسلحة».. إلى غير ذلك من العناوين الطنانة التى تستدعى التصفيق وتشحذ الحناجر، فى حين أنها بمثابة نوع قوى المفعول من المخدرات السياسية.
حين جرى تسميم الأجواء وتعميق الكراهية من خلال إعلام الفتنة فإن الآخر لم يعد فقط عدوا أو طابورا خامسا، وإنما تفتقت أذهان من يديرون المعركة على إخراج المواجهة تحت عنوان فضفاض هو الحرب ضد الإرهاب الذى لم يعرَّف. الأمر الذى فتح شهية المؤسسة الأمنية لمزيد من التغول وأطلق يدها التى دفعت بآلاف الأبرياء إلى غياهب السجون. وهو ما استنفر الحقوقيين المستقلين الذين أصدروا بيانا وقعته 16 جهة استهجن الفظائع التى ترتكب باسم الحرب على الإرهاب.
لم تنتبه الإدارة العسكرية للمعركة إلى أن ممارساتها إلى جانب أنها أشاعت الانقسام وعمقت الكراهية، فإنها خلفت ثأرات وأحدثت جروحا غائرة فى بنية المجتمع. وإذا صح ان 40 ألف شخص كانوا ضحايا الأشهر السبعة الماضية، ما بين قتيل وجريح وسجين وهؤلاء ينتمون إلى أسر تضم نحو 200 ألف شخص، فإن أى عقل سياسى لابد أن يتوقع ردا من المجتمع، خصوصا بعدما سقط جدار الخوف بعد الثورة فازدادت جرأة الناس وعلا صوتهم. وإزاء انسداد الأفق السياسى أمام الجميع انفتحت طاقة العنف، خصوصا بعدما أصبح بمقدور كل أحد أن يتلقى دروسا فى ممارسة العنف من خلال شبكة الإنترنت. وهو ما صرنا نقرأ عنه فى صحف الصباح التى تنقل إلينا أقوال الشبان الذين يلقى القبض عليهم كل يوم. ويصرحون فى التحقيقات بأنهم لم يكونوا إرهابيين يوما ما، ولكنهم صاروا كذلك بعدما استبد بهم الغضب وتعلموا تصنيع القنابل والمتفجرات من خلال الإنترنت.
الآن ما عاد يمر يوم إلا ونقرأ أخبارا عن مقتل ضابط أو جندى، أو مهاجمة الملثمين لكمين أو حرق سيارة شرطة، أو ضبط قنابل وعبوات معدة للتفجير. أو استهداف معسكر للشرطة أو تعطيل محطة للكهرباء.. الخ. كأن العنف الذى تمت به إدارة «المعركة» استدعى ــ للأسف ــ أجيالا جديدة وجدت فى العنف مجالات عبرت من خلاله عن ثأراتها.
لقد توقعنا بعد إجازة الدستور الجديد ان نمضى باتجاه تهدئة المعركة والتفكير فى إدارة الأزمة، لكن المؤشرات التى نراها لا تشجع على التفاؤل بذلك الاحتمال، الأمر الذى يحجب الضوء الذى توقعناه أو تمنيناه.
فى أوكرانيا تجاوزوا الأزمة لأنهم تفاهموا، وحدث ذلك أيضا فى تونس لأن الأطراف المدنية المتخاصمة قبلت بأن تجلس حول طاولة وتتحاور فيما بينها. أما عندنا فالعقلية العسكرية المتحكمة لا تعترف بطاولة الحوار وتصر على الاحتكام إلى المدرعة والدبابة والخرطوش، إلى غير ذلك من العلامات التى ترسم طريق الندامة الذى أرجو أن ينتبه الجميع إلى مخاطره ومآلاته قبل فوات الأوان.


اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=25022014&id=49b5e19e-14c2-4fa3-889b-a2b76a361217

ملاحظات وتعقيبات

فهمي هويدي

فهمي هويدي 

وجدت فى أوراقى مجموعة من الملاحظات والتعقيبات المتناثرة التى سجلتها تفاعلا مع الأحداث الأخيرة فى مصر، وخطر لى أن أشرك القارئ فى مطالعتها من باب توسيع نطاق التفاعل، وتمثلت الحصيلة فى الملاحظات التالية:
• السؤال الذى يحيرنى حين أتابع أداء الذين يسوقون المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا هو: مّن مِن حساده وخصومه سلطهم عليه؟
• الرسالة التى نقرؤها فى حملة إغراق البلد بصور السيسى بثيابه العسكرية تتلخص فى التأكيد على الجميع بأن الأمل صار معقودا على العسكر فى إقامة الدولة المدنية المنشودة.
• الذين يسعون إلى منافسة السيسى فى الانتخابات أعينهم على منصب الرجل الثانى وليس الأول.
• أرجو ألا يكون صحيحا أن ثوار أوكرانيا بعد الانتصار الذى حققوه رفعوا شعار: لسنا مصريين.
• حين فضح المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات ملفات الفساد فى الدولة، فإن سهام التجريح انهالت عليه من كل صوب، وأصبح هو المتهم والفاسدون مجنيا عليهم!
• حين سلطت الصحف الأضواء على المخالفات التى سجلها الجهاز على رئاسة الجمهورية خلال وجود الدكتور مرسى فإنها امتدحت الرجل من حيث لا تحتسب، لأنها المرة الأولى التى سمح فيها للجهاز بأن يدخل إلى الرئاسة ويحاسبها، وربما كانت الأخيرة.
• طالما قبلنا من الداخلية نفيها للتعذيب وإطلاق الخرطوش على المتظاهرين، فينبغى ألا نستغرب ان تدعى الجهات الأخرى أن مصر لا يوجد بها فساد.
• لنحمد ربنا أن التعذيب الحاصل فى أقسام الشرطة والسجون تم فى وجود مساعد لوزير الداخلية لحقوق الإنسان، ولنتخيل ما الذى كان يمكن أن يحدث لو أن الرجل لم يكن موجودا.
• ينبغى ألا يشكو الشباب المعتقلون من تغطية أعينهم فقط أثناء التحقيق معهم، لأن آخرين من رجال الأمن حلوا المشكلة بطريقة أخرى حين أطلقوا الخرطوش على أعين المتظاهرين فحرموهم من النظر إلى الأبد.
• إذا صحت المعلومات عن وجود 200 سيدة و300 حدث فى السجون، فهل يفسر ذلك أن الداخلية قررت تطوير رسالتها الإنسانية من خلال تطبيق سياسة «لم الشمل» فى سجونها؟
• محاكم الإرهاب الجديدة اسوأ من محاكم أمن الدولة، لأن الأولى صنَّفت المتهمين وأدانتهم قبل محاكمتهم وألغت المبدأ القائل بأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته.
• أفهم الحكم بالسجن ومصادرة أموال بعض الموتى فى القضايا الأخيرة باعتباره تنفيذا لسياسة ملاحقة الخلايا النائمة، حتى إذا كان ذلك النوم أبديا.
• حين يحتج البعض على تعذيب الشباب بدعوى انتمائهم إلى حركة كفاية أو 6 أبريل أو شايفنكم فإن ذلك يعد تصريحا وتسويقا ضمنيا للاستمرار فى تعذيب الآخرين ممن يصنفون تحت عناوين أخرى.
• هل هى مجرد مصادفة أن يصدر فى يوم واحد الحكم بتبرئة مدير أمن الإسكندرية وخمسة من قيادات الشرطة من تهمة قتل متظاهرى ثورة 25 يناير، وان يتزامن ذلك مع تصريح وزير الداخلية الأسبق بأن خارطة الطريق وحدها برنامج المستقبل.
• إذا صدقنا أن نظام يوليو الجديد امتداد لثورة 25 يناير، فينبغى أن نصدق أن السادات ومبارك كانا امتدادا لثورة 23 يوليو 52، وبالمناسبة فإن استدعاء عبدالناصر الآن يعد إهانة له وإحراجا للآخرين.
• تزف إلينا الصحف بين الحين والآخر تقارير تؤكد اختراق أجهزتنا السيادية لاجتماعات يعقدها فى أوروبا ممثلو مخابرات الدول الغربية مع آخرين فى منطقتنا للتآمر على مصر، فى حين أن الأجهزة ذاتها لاتزال عاجزة عن أن تعرف الذى يحدث فى محيط أولتراس النادى الأهلى.
• هناك فرق فى معاناة صاحب الرأى فى الدول الديمقراطية بالمقارنة مع نظيره فى جمهوريات الخوف. فمشكلة الأول ان يكتب، أما الثانى فمشكلته أن ينشر. والأول يكافأ على أدائه فى حين أن الثانى يدفع الثمن دائما.
• لا أوافق على توقف الكاتب المستقل عن الكتابة لأى سبب طالما أن بوسعه الاستمرار، وإذا فعلها فإنه لا يحقق للمنافقين غرضهم فحسب، ولكنه أيضا سيصبح مثل المحامى الذى ينسحب من الدفاع عن قضيته.
• ينطبق على السياسة ما قاله بطل الملاكمة محمد على كلاى من أن الفائز فى أى اشتباك ليس من يوجه الضربة ولكنه من ينجح فى تفاديها.
• البلاغات التى قدمها البعض واتهمت باسم يوسف بالإساءة إلى السيسى غير مستغربة فى الأجواء الراهنة. وإذا استمر سير «العدالة» على النحو الذى نشهده، فقد تتم إدانته فى ارتكاب جرائم «الافتئات على ولى الأمر والخروج عليه وتشويه سمعة البلاد». وهى الجرائم التى حوسب عليها صاحب قناة الفجر السعودية وجدى العزاوى حين انتقد بعض أوضاع المملكة فى برنامجه «فضفضة». وبسببها حكم عليه بالسجن 12 عاما ومنع من الظهور على الشاشة ومن مغادرة البلاد، طوال 20 عاما.
• لم أفهم لماذا شكلت لجنة لكتابة تاريخ ما بعد 30 يونيو، حيث يعد ذلك نموذجا لازدواجية الجهد وتبديد الموارد. لأن رجال الأمن الوطنى يعكفون على تلك المهمة طول الوقت.
• شىء طيب ان تنطلق حملة شعبية لمساندة القوات المسلحة والشرطة، لأن ذلك يعطينا أملا فى ان تستمر جهود التضامن بحيث يحل الدور على مساندة الشعب المصرى يوما ما.
• خلال شهر يناير فتحت السلطات المصرية معبر رفح لخمسة أيام فقط. أما السلطات الإسرائيلية فإنها أغلقت معبر كرم أبوسالم لمدة ثمانية أيام. معلومة ذكرها تقرير منظمة التعاون الإسلامى فى جدة.
• عار علينا أن تنظر المحاكم المصرية دعوى تطالب باعتبار حماس حركة إرهابية، لأن الحكم أصدرته إسرائيل بحق الحركة منذ تأسيسها فى عام 1987، ولايزال ساريا حتى الآن، من صفات المنافق فى الأحاديث النبوية أنه إذا خاصم فجر.
• يتضاعف العار حين نجد أن حملة مقاطعة إسرائيل تتزايد فى العالم الغربى فى حين تشدد السلطات المصرية من أحكام حصارها لقطاع غزة


اقرأ المزيد هنا:http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=24022014&id=2c94d9e3-678a-4406-b6da-3c83e7a8eee0