الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

بهاريز الكتب (14) قراءة في كتاب الإسلام بين الشرق والغرب



قراءة في كتاب: الإسلام بين الشرق والغرب

لقد جاء كتاب الإسلام بين الشرق والغرب لمؤلفه الرئيس البوسني (علي عزت بيجوفيتش) ليناقش أبرز الأفكار العالمية في تاريخ البشرية المعاصرة، وللإجابة على كثير من الأسئلة التي تهم الجيل الجديد، والهدف من الكتاب هو إنارة الطريق للبشرية التي تتجه إلى مُرَكَّب جديد وموقف وسطي جديد في عصر المعضلات الكبرى والخيارات، وقد أصبحت الأيديولوجيات المتضاربة بأشكالها المتطرفة لا يمكن فرضها على الجنس البشري، ومن هنا فإن الإسلام هو مستقبل الإنسان، لأنه يدعو إلى خلق إنسان متسق مع روحه وبدنه، وكما كان الإسلام في الماضي الوسيط الذي عبرت من خلاله الحضارات القديمة إلى الغرب فإن عليه اليوم مرة أخري أن يتحمل دوره كأمة وسط في عالم منقسم، وذلك هو معنى الطريق الثالث - طريق الإسلام - الذي يحتل موقعًا وسطًا بين الشرق والغرب.

وعن طبيعة هذا الكتاب يقول مؤلفه في مقدمته أن هذا الكتاب ليس في اللاهوت ولا مؤلفه من رجال اللاهـوت إنه على الأرجح محاولة لترجمة الإسلام إلى اللغة التي يتحدث بها الجيل الجديد ويفهمها؛ إنه كتاب يتناول عقائد الإسلام ومؤسساته وتعاليمه بقصد اكتشاف موقع الإسلام في إطار الفكـر العــالمي... 

ومن خلال الكتاب، ناقش (بيجوفيتش) عددا من الأفكار العالمية التي تهم البشرية من خلال دراسة متعمقة وموسوعية موجزة. فكتاب الإسلام بين الشرق والغرب هو في حقيقته كما قال البعض موسوعة علمية أو عدة كتب كبيرة في مجلد صغير... ونظرا لكثرة الموضوعات التي ناقشها المؤلف فسوف نقتصر على إلقاء الضوء على بعض القضايا العلمية التي تتعلق بقضية أصل الإنسان بين المادية والإسلام وقضية التفسير العلمي لآيات القرآن الكريم ويشتمل الكتاب على قسمين رئيسين: القسم الأول: يحمل عنوان المقدمات ويتناول نظرات حول الدين بصفة عامة من خلال مناقشة موقف كل من الدين والإلحاد من قضية أصل الإنسان والقضايا الأخرى المتعلقة بها, ومنها: الخلق والتطور، الثقافة والحضارة، ظاهرة الفن، الأخلاق، الثقافة والتاريخ، والدراما والطوبيا. 

الإسلام ليس مجرد دين:

أما القسم الثاني من الكتاب، فإنه مخصص للإسلام، فالإسلام كما يقول المؤلف ليس مجرد دين أو طريقة حياة فقط، وإنما هو بصفة أساسية مبدأ تنظيم الكون، فكما أن الإنسان هو وحدة الروح والجسد، فالإسلام وحدة بين الدين والنظام الاجتماعي، وكما أن الجسم في الصلاة يمكن أن يخضع لحركة الروح، فإن النظام الاجتماعي يمكن أن يخدم بدوره المثل العليا والأخلاق هذه الوحدة الغريبة عن المسيحية وعن المذهب المادي معا، ميزة في الإسلام، بل هي من أخص خصائص الإسلام. 

أصل الإنسان بين المادية والإسلام: 

يبدأ الرئيس (علي عزت بيجوفيتش) في الفصل الأول من كتابه مناقشة قضية أصل الإنسان ؟ وماهية الحياة ؟ وهي القضية التي تعد حجر الزاوية لكل أفكار العالم، فأية مناقشة تدور حول كيف ينبغي أن يحيا الإنسان ؟ تأخذنا إلى الوراء إلى حيث مسألة أصل الإنسان، وفي ذلك تتناقض الإجابات التي يقدمها كل من الدين والعلم، كما هو الشأن في كثير من القضاي.

يقول الماديون: إن الإنسان هو الحيوان الكامل (L’ Homme Machine) وأن الفرق بين الإنسان والحيوان إنما هو فرق في الدرجة وليس في النوع، فليس هناك جوهر إنساني متميز، بينما يقول (دارون): الإنسان مجرد حيوان نشأ عبر عملية تطور طويلة، ويقول (جوليان هكسلي) إن الإنسان مجرد حيوان متفرد..

إن علم الحفريات وعلم هيئة الإنسان وعلم النفس، كلها علوم تصف من الإنسان فقط الجانب الآلي الذي لا معنى له. الإنسان مثله كمثل اللوحة الفنية والمسجد والقصيدة، أكثر من مجرد كمية ونوعية المادة التي تكونه، الإنسان أكثر من جميع ما تقوله عنه العلوم الحديثة.

ويمضي الرئيس (علي عزت بيجوفيتش) إلى محاورة مع علماء البيولوجيا يستنطقهم في مقولة كيف تطور الإنسان ؟ ولماذا توقف عن التطور بعد أن أصبح إنسانا بزعمهم؟

ماهية الحياة: 

ويكشف علي عزت بيجوفيتش كيف أن العلماء على جهل بحقيقة ماهية الحياة وبدخائل النفس البشرية إلى حد لا يمكن معه أبدًا الجزم بشئ على أية درجة من المصداقية... في سـنة 1950م، وضـع (أندريه جورج) (Andre Geoges ) سؤالا واحدًا لعلماء البيولوجيا والأطباء وعلماء الطبيعة هو: ما هي الحياة ؟ وكانت جميع الإجابات التي تلقاها حذرة وغير محددة. ولنأخذ في ما يلي إجابة كل من (بيير لايان) و( جان روستاند) كنموذجين: (يظل السر كاملا، فنقص معلوماتنا تجعل كل تفسير للحياة أقل وضوحا من معرفتنا الغريزية بها )... ( حتى الآن لا نعرف على وجه التحديد ماهية الحياة نحن لا نستطيع حتى الآن أن نقدم تعريفا كاملاً دقيقا لظاهرة الحياة.

ويصل (علي عزت) إلى حقيقة مهمة وهي أن آفة من تعرضوا لهذا السؤال هي الوقوف بعيدا عن نقطة الوسط. فمما لا مراء فيه أن في الإنسان جانبًا حيوانيا في احتياجاته المادية وفي رغائبه الجسدية، ولكنه من الخطأ تمامًا اعتبار الجزء كلاً، فالإنسان أكثر من الجانب الجسدي، ثم إن دعاة التصوف يزعمون أن الإنسان على حد المقولات الكنسية ما هو إلا ضمير معنوي روحي، وهذا أيضا يصدق بشكل جزئي ولكن الذي يصدق بشكل كلي هو أن الإنسان توليفة من هذه وتلك..

ويؤكد (بيجوفيتش) أن الإنسان ليس مفصلا على طراز (داروين) ولا الكون مفصلا على طراز (نيوتن)، و يقول: الإسلام هو الاسم الذي يطلق على الوحدة بين الروح والمادة، وهو الصيغة الأسمى للإنسان نفسه. الإنسان في منظور الإسلام مخلوق كرمه الله، إنه الإنسان المكون من جسد وروح والمسيطر بمنهج إلهي على الطبيعة التي سخرها الله له، وهو في كل هذا يسجد لله وحده، فهو سيد في علاقته مع الله، ولا تقتصر الرؤية الإسلامية الوسطية في فكر (بيجوفيتش) على ما ذكر من قبل ولكنه يرى أن هناك منظومة فكرية تحرك القدرات العقلية للإنسان إلى ما هو أبعد من العلاقات الطبيعية البسيطة المنظورة لبحث ما وراء الطبيعية والغرض ليس فك هذه الرموز وإنما اكتساب التواضع والوعي بالجهل بمعنى أن تحول الجهل الذي لا ندركه. إلى الذي ندركه. 

وسطية الإسلام: 

كما يؤكد (علي عزت بيجوفيتش) على أن وسطية الإسلام يمكن إدراكها من خلال حقيقة أن الإسلام كان دائما موضع الهجوم من الجانبين المتعارضين الدين والعلم، ومصطلح دين يشير به المؤلف إلى معنى محدد وهو المعنى الذي تنسبه أوربا إلى الدين وتفهمه على أنه تجربة فردية خاصة لا تذهب أبعد من العلاقة الشخصية بالله، والدين بهذا المفهوم الأوربي اتهم الإسلام بأنه أكثر لصوقا بالطبيعة والواقع مما يجب، وأنه متكيف مع الحياة الدنيا، واتهم الإسلام من جانب العلم المادي أنه ينطوي على عناصر دينية وغيبية ويفند المؤلف هذا الهجوم بقوله في الحقيقة يوجد إسلام واحد فحسب، ولكن شأنه كشأن الإنسان له روح وجسم، فجوانبه المتعارضة تتوقف على اختلاف وجهات النظر نحو الإسلام، فالماديون لا يرون في الإسلام إلا أنه دين وغيب أي اتجاه يميني بينما يراه المسيحيون فقط كحركة اجتماعية سياسية، أي اتجاه يساري. 

الإسلام وإقامة التوازن في حياة البشر: 

ويوضح الرئيس (علي عزت بيجوفيتش) حقيقة مهمة من حقائق الإسلام بقوله من أجل مستقبل الإنسان ونشاطه العلمي، يعني الإسلام بالدعوة إلى خلق إنسان متسق مع روحه وبدنه، ومجتمع تحافظ قوانينه ومؤسساته الاجتماعية والاقتصادية على هذا الاتساق ولا تنتهكه، إن الإسلام هو البحث الدائم عبر التاريخ عن حالة التوازن الجواني والبراني أو الداخلي والخارجي هذا هو الإسلام اليوم، وهو واجبه التاريخي المقدر له في المستقبل، إن الإسلام لم يكن مجرد أمة إنما هو على الأرجح دعوة إلى أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أي تؤدي رسالة أخلاقية. 

الإسلام جوهر الحياة: 

وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول معجزة الإسلام كوحدة ثنائية القطب، ويتناول جوانب من إعجاز كتاب الإسلام في صيغته المكتوبة، وهو القرآن الكريم، ويصف القرآن بأنه حياة ويوضح ذلك قائلا: إن التعليق الوحيد الأصيل عن القرآن هو القول بأنه حياة وكما نعلم كانت هذه الحياة في نموذجها المتفرد هي حياة النبي محمد صلي الله عليه وسلم، إن الإسلام في صيغته المكتوبة أعني القرآن قد يبدو بغير نظام في ظاهره، ولكنه في حياة محمد صلي الله عليه وسلم قد برهن على أنه وحدة طبيعية من الحب والقوة، المتسامي والواقعي، الروحي والبشري، هذا المركب المتفجر حيوية من الدين والسياسية يبث قوة هائلة في حياة الشعوب التي احتضنت الإسلام، في لحظة واحدة يتطابق الإسلام مع جوهر الحياة. 

القرآن والحقائق العلمية: 

وحول موقف القرآن من العلم يقول (علي عزت): لا يحتوي القرآن على حقائق علمية جاهزة، ولكنه يتضمن موقفا علميا جوهريا... اهتماما بالعالم الخارجي، وهو أمر غير مألوف في الأديان، يشير القرآن إلى حقائق كثيرة في الطبيعة، ويدعو الإنسان للاستجابة إليها، فالأمر بالعلم ( بالقراءة ) لا يبدو هنا متعارضا مع فكرة الألوهية، بل إنه قد بدأ باسم الله (
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ
) [سورة العلق] آية 1 الإنسان، بمقتضي هذا الأمر لا يلاحظ ويبحث ويفهم ( طبيعة خلقت نفسها ) ولكن الكون الذي أبدعه الله. وليست الملاحظة بلا هدف أو لا مبالية أو خالية من الشوق، وإنما هي مزيج من العلم وحب الاستطلاع والإعجاب الديني. وكثير من أوصاف الطبيعة في القرآن على درجة عالية من الشاعرية ويستشهد الرئيس (علي عزت) بالعديد من الآيات القرآنية التي تحتوي على ( موقف علمي جوهري ) كما عبر هو ومنها الآيات التالية: (
إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السّمَآءِ مِن مّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَآبّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
) [البقرة 164] (
إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَىَ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ. فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُم مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ، وَهُوَ الّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مّتَرَاكِباً وَمِنَ النّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مّنْ أَعْنَابٍ وَالزّيْتُونَ وَالرّمّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوَاْ إِلِىَ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذَلِكُمْ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
) [الأنعام 95-99 ] (
وَسَخّرَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالْنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَذّكّرُونَ. وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ
) [سورة النحل 12-14 ] (
أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَىَ الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
) [الغاشية 17-20 ]. 
يقول (علي عزت) معلقا على تلك الآيات: في هذه الآيات التي اتجهت بكليتها إلى الطبيعة نجد فيها تقبلا كاملا للعالم ولا أثر فيها لأي نوع من الصراع مع الطبيعة، فالإسلام يبرز ما في المادة من جمال ونبل كما هو الحال بالنسبة للجسم في موقف الصلاة، والممتلكات في الزكاة، إن العالم المادي ليس مملكة للشيطان، وليس الجسم مستودعًا للخطيئة، حتى عالم الآخرة، وهو غاية آمال الإنسان وأعظمها، صوره القرآن مغموسا بألوان هذا العالم، ويرى المسيحيون في هذا حسية تتنافى مع عقيدتهم ولكن الإسلام لا يرى العالم المادي مستغربا في إطاره الروحي ويضيف الرئيس (علي عزت) إن آيات القرآن توقظ الفضول الفكري وتعطي قوة دافعة للعقل المكتشف. قال الله تعالى: (
وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ فِي الاُكُلِ

) [الرعد 4 ] هذه الآية الكريمة تستفز الفكر، فهي تطرح مشكلة تكمن في أعماق علوم الكيمياء والنتيجة أن المسلمين هم الذين وضعوا النهاية للجدل الذي دار حول قضايا جوهرية استحوذت على المسيحية عندما اتجهوا إلى الكيمياء، وكان هذا تحولا من الفلسفة الصوفية إلى العلم العقلاني. وفي جميع الآيات التي سبق اقتباسها من القرآن عنصر مشترك وهو الدعوة إلى الملاحظة، وهي فاعلية بواسطتها بدأت قدرة الإنسان على العالم والطبيعة. 

أسباب القوة الغربية مستمدة من تراث المسلمين: 

ولقد أثبت البحث في أساس القوة الغربية، أن هذه القوة لا تكمن في أسلحتها واقتصادها، فهذا هو المظهر الخارجي للأشياء فقط، وإنما يكمن في الملاحظة والمنهج التجريبي، في التفكير الذي ورثته الحضارة الغربية عن( بيكون) الذي استمد هو بدوره المنهج التجريبي من المسلمين. 

تأثير القرآن في تطور العلوم: 

ويرى (علي عزت بيجوفيتش) أن المواقف العلمية الجوهرية التي تضمنتها آيات القرآن قد أثرت في تقدم العلوم لدى المسلمين في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية ويعبر عن هذا قائلا: هذا الاهتمام الفذ بعلم الفلك وبالعلوم الطبيعية خلال القرون الأولى للإسلام؛ كان نتيجة مباشرة لتأثير القرآن. لقد تحول الدين نحو الطبيعة فبدأت مرحلة عظيمة في تطور العلوم، وكان هذا من أعظم الإنجازات التي تحققت في التاريخ ويضرب مثالا على ذلك فيقول: لقد كان هذا أكثر وضوحا، فيما يتعلق بتطوير علم الفلك، حيث نجد في كتاب (جنسر) تاريخ العلوم الطبيعية حقائق تؤكد فاعلية العالم الإسلامي وإنجازاته في مجال هذا العلم..

ويقول (بيجوفيتش) موضحا: وجد المسلمون في وادي الفرات علم التنجيم مزدهرا وقد جمع معرفة هامة عن الظواهر الفلكية عبر ثلاثة آلاف سنة، ولكن لأن الاعتقاد بارتباط مصير الإنسان بالنجوم – وهو ميدان اهتمام علم التنجيم – كان غريبا عن الإسلام، فإن التوحيد الإسلامي والعقلانية الإسلامية استطاعت أن تحول علم التنجيم إلى علم فلك، وقد أنشئت لهذا الغرض مدرسة بغداد لعلوم الفلك وسميت باسم مرصدها الشهير، ويتحدث (سيديلوت) (sedillet) عن ذلك فيقول: كان من أخص خصائص مدرسة بغداد لعلم الفلك منذ نشأتها روحها العلمية بأن تنتقل من المعلوم إلى المجهول عن طريق الملاحظة.

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

بهاريز الكتب (15) قراءة في كتاب تاريخ المجاعات في مصر للمقريزي



تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها

 

المجاعة أو الفاقة هي حالة أشد من الفقر الجماعي المنتشر بنسب متفاوتة في دول العالم ونسبته في مصر حول 40% لكن المجاعة هي فقر مدقع يشمل غالبية سكان قطر ما وقد حدثت في تاريخ مصر القديم والحديث مجاعات مشهورة كتب عنها المؤرخون ومنهم المقريزي  الذي عاش بالمحروسة في النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي معاصراً لدولة المماليك البحرية كما عاش شطرها الآخر في عهد المماليك البرجية، احتل المقريزي مركزاً عالياً بين المؤرخين المصريين في النصف الأول من القرن التاسع الهجري، حيث أن معظم المؤرخين الكبار كانوا تلاميذ المقريزي، مثل أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي مؤلف الكتاب التاريخي النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، والسخاوي وغيرهم.
وبعد هذه المقدمة الموجزة عن المجاعة والمقريزي تعالوا معي نتعرف علي  كتاب  تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها
 أراد المقريزي في كتابه " إغاثة الأمة بكشف الغمة " أو " تاريخ المجاعات في مصر"، الحديث عن الأزمات الاقتصادية والمجاعات التي عاشتها مصر، ليصور لنا ما لاقته معظم فئات الشعب والجماهير المصرية من ضروب المحن والمآسي، في غفلة من الحكام، الذين فضل معظمهم الابتعاد عن الجماهير، وجعلوا كل همهم في جني الأموال وتحصيلها والإكثار منها، والاحتفاظ بالسلطة والحكم بمختلف الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية، ومهما حل بالشعب من آلام ومصائب.
استطاع المقريزي أن يحدد الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه المآسي والمجاعات ووصفها واحداً واحداً لتلافيها وعدم الوقوع فيها مرة ثانية. لقد عدد الكثير من المجاعات التي ألمت بمصر وأوضح صورها وأسبابها وحمّل مسؤولية هذه المجاعات للحكام الغافلين عن مصالح العباد، والغارقين في ملذات الدنيا وعبثها (ذكر منها قرابة ستاً وعشرين مجاعة). لقد كانت وسائل الإنتاج بسيطة، حيث كان يسود في المدينة الإنتاج الحرفي مع أدواته البسيطة، وتمركزه الضعيف ورأسماله القليل،
 أما في الأرياف فلم تكون وسائل الإنتاج تعدو المألوف من محاريث يدوية وأوائل زراعية تقليدية
يوضح المقريزي بأن المصائب والمحن تعاظمت على الناس في مصر بحيث ظن الناس أن هذه المحن لم يكون فيما مضى مثلها ولا مر الزمان في شبهها، حتى أنهم قالوا لا يمكن زوالها، وغفلوا أن ما بالناس هو ناتج من سوء تدبير الزعماء والحكام، وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد، وما هذه الأزمة التي تمر بها مصر حالياً إلا كما مر من الأزمات والمصائب والمحن التي مرت بها فيما مضى من الأزمات
حاول المقريزي أن يذكر من الأزمات والمحن والمجاعات التي مرت بها مصر فيما مضى، ما يتضح به أنها كانت أشد وأصعب من هذه المحن التي نزلت بالناس في هذا الزمان بأضعاف مضاعفة، حتى ولو كانت الأزمة الحالية مشاهدة والماضية خبراً.
أكد المقريزي على أن المحن والأزمات تتعاقب على هذا الكون منذ بداية الخليقة وفي سائر الأقطار والبلدان، وهو يحاول أن يوضح في كتابه هذا ما حل بمصر وشعب مصر من المجاعات منذ آدم وإلى الزمن الحاضر " الذي عاشه " وهو يعود إلى التاريخ ويحاول أن يوضح ويذكر أهم ما حدث لشعب مصر من المصائب على مر العصور.
الجزء التالي من كتاب المقريزي أنا شخصيا أول مرة أعرف به  ولا أستطيع قبوله دون دليل علمي محقق وعلي كل حال أردت أن أذكره هنا
 (يذكر المقريزي على لسان الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتابه أخبار مصر لما قبل الإسلام، (أن أول غلاء وقع بمصر كان في عهد الملك السابع عشر من ملوك مصر قبل الطوفان. واسمه افروس بن مناوش الذي كان طوفان نوح في زمنه، على قول ابن هرجيب بن شلهوب، وكان سبب الغلاء ارتفاع الأمطار وقلة ماء النيل، فعقمت البهائم، ووقع الموت فيها لما أراده الله سبحانه وتعالى من هلاك العالم بالطوفان.)
وفي الختام
كتب المقريزي كتاب تاريخ المجاعات في مصر منتقدا فيه الحكام رغم أنه كان مقربا منهم حيث أنه أرجع أسباب المجاعات إلي الحكام لكنه في طيات الكتاب ذكر الجمهور أن المجاعات هي قدر مصر وقد مر علي مصر من قبل مجاعات كثيرة وعليهم الصبر وبذلك يكون قد أمسك العصا من المنتصف انتقد الحكام أول الأمر ثم عاد فخفف من سخط الشعب عليهم

وهذا متكرر في أعمال المؤرخين القدامي حينما يقعون في الصراع بين قول الحقيقة ومحاباة الحكام الذين قد تغضبهم الحقائق 

معجم المدن المصرية (15) مدينة إدكو البحيرة




معجم المدن المصرية - مدينة أخميم

صورة معبرة عن الموضوع أخميم

                                   (14) مدينة أخميم (سوهاج)
الموقع :
أخميم، مدينة مصرية، تتبع محافظة سوهاج إدراياً، والمدينة عاصمة مركز أخميم.
التاريخ وسبب التسمية :
هى قاعدة مركز أخميم ، وهى من أقدم المدن المصرية ، ذكر لها جوتييه في قاموسه عدة أسماء منها الأسماء المقدسة وهى: Khen Min أو Khenme Mik أو Khenti Min أو per Min اوMin ، وكلها تنسب إلى الاله (من) وهو إله الفلاحة عندهم.
وإسمها المدنى Apou والرومى Panopolis ، بانوبوليس نسبة إلى الاله Pan وهو إله الفلاحة عند الرومان ، ومن إسم Khen Min المصرى تكونت أسماء رومية أخرى وهى: Khemmou Khenim
وإسمها القبطى Chemin أو Khmin ومنه اشتق إسمها العربى أخميم .
وكانت قاعدة القسم التاسع بالوجه القبلى الذى يسمى Taqah khmin.
وذكرها أميلينو في جغرافيته فقال: إنها وردت في كتب القبط بإسم Schmin ,Schmim, Eschmim, وقد حرفت الشين إلى خاء ، وهو تغيير مألوف ، فصار أخميم وهو إسمها العربى ؛ ثم قال: إن إسمها الرومى Panoplies ويقال لها Tpanyos .
ووردت أخميم في كتاب المسالك لإبن خرداذبة ، وفى كتاب البلدان لليعقوبى من كور مصر بالصعيد ، وذكرها المقدسى في كتاب أحسن التقاسيم فقال: أخميم مدينة كثيرة النخيل ذات كروم ومزارع ،
ثم ذكرها الإدريسى في نزهة المشتاق فقال: مدينة أخميم في شرق النيل وبها البناء المسمى بريا ، وهى الأن باقية ثابتة (أى في القرن الخامس الهجرى قبل أن تهدم
ووردت في معجم البلدان , أخميم من قرى صعيد مصر , وفى قوانين ابن مماتى وفى تحفة الإرشاد من أعمال الاخميمية ، ووردت في الانتصار فقال: أخميم بلدة قديمة واقعة في شرق النيل وبها آثار مبانى قديمة , وهى مدينة الإقليم , وكان بها مقام الوالى , لأنها كانت مفرده بالولاية والآن يسكنها نائب الوجه القبلى وبها قاض وجامع قديم وعدة مدارس وبها أسواق وقياسر وفنادق وغير ذلك .
ووردت في تربيع سنة 933 هــ بإسم أخميم ، وفى تاريخ سنة 1231هـ بإسمها الحالى القديم
المعالم والأثار
توجد بها آثار مدينة بانوبوليس الإغريقية القديمة.
اشتهرت في العصر المسيحي بأديرتها الكثيرة.
 كانت في العصر العربي الأول عاصمة منطقة منفصلة عرفت منذ الفتح العربي بكور أخميم أي المدينة الرئيسية التي يتبعها اخريات وكان يحدها شمالأً كورة قهقوة طهطا وجنوباً كورة قوص
. واشتهرت اخميم حديثا بصناعة السكر والنسيج
 وهي من المواقع السياحية الهامة في مصر.
وتحتوي أخميم على الكثير والكثير من الآثار الفرعونية، أهمها على الإطلاق تمثال ميريت امون بمدينة اخميم
جامع الأمير محمد علي
جامع الأمير حسن
كنيسة الشهيدة دميانة
كنيسة أبي سفين


مشاهير مدينة أخميم:

جاري البحث 

معجم المدن المصرية - مدينة أجا دقعلية


(13) مدينة أجا (محافظة الدقهلية)
الموقع والسكان:
أجا هي إحدى مراكز بجنوب محافظة الدقهلية. على الرغم من كبر مساحة أجا فإن أغلب أراضيها زراعية. حيث تفوق الأراضى الزراعية المساحة العمرانية بنسبة 63% 
وعدد سكانها 92800 نسمة حسب تعداد 2002
التاريخ :
أجا مدينة فرعونية قديمة وكان لها أهمية كبيرة في مصر الدولة الفرعونية شأنها شأن معظم مدن شمال مصر والدلتا وخاصة في عهد الدولتين الوسطى والحديثة
المعالم :
يوجد بمركز أجا عدة مصانعمتخصصة في المواد الغذائية مثل:
·         تعليب الخضر والفاكهة.
·         صنع المربى بجميع أنواع الفاكهة.
·         العصائر.
كما توجد أيضا مصانع للزجاج وللملابس الجاهزة، وتوجد الصناعات الخشبية بكثرة، لذا يتكاثر صنع الموبيليات في مدن وقرى مركز أجا.

الأعلام:

محمود الخطيب
الاسم :محمود إبراهيم الخطيب
تاريخ الميلاد : 30 أكتوبر 1954
تاريخ الأعتزال 1 ديسمبر 1988
الطول : 184 الوزن : 84 كجم
انجــــــــــــازات الاسطــــــورة " بيبو "
- احـــــرز محمود الخطيب 550 هدف في الدورى المحلى وقطاعات الناشئين والبطولات الأفريقية. - 37 هــــــــدف افريقى. - احســــــــــــــــن لاعب في الوطن العربى عام 82 متفوقا على كل نجوم الوطن لعربى بمونديال اسبــــانيا. - صاحــــب 180 هــدف في الدورى المحلى واول لاعب في تاريخ النادى الاهلى ينضم إلى نادى المئة. - احسن لاعب في أفريقيا عام 83 وكان عن طريق جريدة فرانس فوتبول. - 5 بطولات أفريقية. - 15 بطولة محلية مع النادى الاهلى. - هــــدف عالمى في تصفيات كأس العالم 87 امام المنتخب التونسى. - هـــداف المنتخب المصري من 75 الــــى 86 واحرز معة بطولة الأمم الأفريقية عام 86 وهداف المنتخب المصري في بطولة موسكو ولظروف سياسية لم نشارك في هذة البطولة. - ســـاهم في وصــول امنتخب المصري لبطولة لوس انجلوس 84 وهدف رائع في مرمى كوستاريكا وكـــانت أول مرة يصل المنتخب المصري إلى دور الـ 8 بعد بطولة توكيو عـــام 64
رقم الفانلة : 10
نجوم يعتز بها :بيليه في قيادته للبرازبل في كأس العالم عام 1958، و1962، 1966، 1970.. ودى ستيفانو الذي شاهد مباراته مع ريال مدريد أمام الزمالك وكان يتمنى الاتنتهى.. ويعجبه من النجوم العرب السعودى ماجد عبدالله، والكويتى جاسم يعقوب
المنصب: نائب رئيس مجلس إدارة النادى الاهلى
حياة الأسطورة كابتن محمود الخطيب (بيبو)
الحالة الاجتماعية : متزوج وله ثلاث بنات.. رنا وندى ونور.

الأحد، 28 ديسمبر 2014

مقدمة كتاب بصمات الضاد




مقدمة
أريد أن أبدأ هذه المقدمة بمجموعة من الأسئلة
السؤال الأول : لمن هذا الكتاب ؟ أو ما هو الجمهور المستهدف ؟
السؤال الثاني :من أين جاءت فكرة الكتاب ؟
السؤال الثالث :ماذا تعني بالعنوان "بصمة الضاد"؟
السؤال الرابع :ما هو الأمر الجديد الذي يقدمه كتابك ؟
السؤال الخامس : من أنت لتكتب هذا الكتاب ؟
والأجوبة علي الترتيب
هذا الكتاب لعموم القراء ،وخصوصا محبي لغة الضاد
وقد جاءت  فكرة الكتاب عندما دعيت لعضوية صفحة "لغة الحضارة الإنسانية" علي فيسبوك والتي دشنها الأخ الكريم عامر يس الباحث المصري في مجال العلوم العربية والإسلامية وقد كتب وفقه الله في صدر الصفحة الهدف من إنشاءها :
لقد رأيت إنشاء صفحة بعنوان : " لغة الحضارة الإسلامية " في عصرنا هذا أمرا ضرورياً في معركة إعادة اللغة العربية إلى سابق مجدها وزمان عزها وتملكها زمام اللسان المجتمعي لتكون بحق جديرة بالبقاء والاحتفاء .
أهم أهداف المجموعة : 
1- التعريف باللغة العربية أصولها وقواعدها . 
2- التعريف بجوانبها البلاغية ومقدرتها على احتواء كل الجوانب النفسية والحياتية للفرد والمجتمع . 
3- التعريف بسالف عهود العرب والمسلمين وما أنتجوه من حضارة إنسانية لا زالت البشرية تنتفع بها إلى يومنا هذا . 
4-كشف وتعرية الجاحدين لفضل العرب والمسلمين على الإنسانية كلها . 
وتوقفت عند الهدف الثالث للصفحة وهو ما شجعني علي نشر مشاركة علي الصفحة عن كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب "للمستشرقة الألمانية زيغرد هنكة وهو كتاب عمدة في مجال التعريف بفضل العرب في نهضة أوروبا في جميع المجالات ولما كنت من المهتمين بالأدب العربي قراءة وكتابة فقد رأيت أن أقصر الحديث في هذا العمل على أثر الأدب العربي والإسلامي على الآداب العالمية
ولقد سئلت مراراً : ماذا تعني بالعنوان "بصمة الضاد"؟
دعونا نفكك الجملة :فالبصمة هي علامات مميزة لا تشابه أي علامات أخرى وهي تطلق على الاشياء المعنوية والمحسوسة أيضاً يجوز أن نقول:
بصمة الإبهام ويقصد بها العلامات المميزة على اصبع الابهام.
بصمة الفنان ويقصد بها أسلوبه المميز.
البصمة الوراثية ويقصد بهاالعلامات الوراثية لكل إنسان
والضاد هو الحرف الخامس عشر من حروف الهجائية في اللغة العربية، كما ان اللغة العربية يشار لها بحرف الضاد بسبب الاعتقاد الشائع أن العربية هي اللغة الوحيدة التي تحوي هذا الصوت في أبجديتها.
وبذلك يكون  قصد العنوان (بصمة الضاد ) هو العلامات أو الآثار المميزة للغة العربية علي غيرها من اللغات الحية
وأعتقد أن عملي هذا يقدم بصمة أو بصمات الضاد في صورة جديدة بحيث تكون قريبة للقارئ العادي بعيدا عن لغة الأبحاث حبيسة المكتبات الأكاديمية والمفردات المطلسمة التي يحار فيها الباحث أحيانا
وطريقة العرض التي اعتمدتها هي طريقة المختصر المفيد وهي سمة عصرنا الحالي مثل التغريدات والمقالات القصيرة التي لاتتعدي ألف كلمة وأرجو أن أكون قد وفقت في هذا النهج  لتقديم ما يفيد القارئ
وأنا العبد الفقير إلي ربه أكتب هذا العمل أولاً :حبا للغة الضاد ثانيا:أزعم أنني لصيق الصلة بالضاد منذ نعومة أظفاري منذ ذلك اليوم الذي التحقت فيه بالأزهر الشريف وأنا ابن ست سنوات وحتي تخري في كلية الطب ولم تنقطع علاقتي باللغة العربية بعد ذلك بل مارستها في كتابة القصة والرواية والمقال لمدة عقدين من الزمن وماذا القلم ينبض
وعن علاقتي بللغة العربية فلا يمكن أن أنسى صفحة بنو الضاد والتي تعلمت منها الكثير والكثير من فنون وعلوم لغتنا الجميلة  وتعرفت من خلالها على زمرة من خيرة البشر المخلصين والغيورين على لغة الضاد
وعلى رأسهم السيدة الفاضلة ابنة الضاد كريمة سندي مؤسسة الصفحة وأخي عامر يس والزملاء الأعزاء في فريق عمل حملة الضاد الفصيحة

وأخيرا هذا هو جهد المقل وحسبي أنني عاشق للضاد فما كان من صواب فمن الله الواحد المنان ، وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان والله برئ منه ورسوله ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) 

التأثير العربي الإسلامي في شعر الشاعر الألماني "غوتـه"



التأثير العربي الإسلامي في شعر "غوتـه"  (1749- 1832)
يقول غوته: "درست تاريخ الأديان على مدى خمسين عاما، وإن العقيدة التي يُرَبى عليها المسلمون لتدعو لأعظم دهشة!!…إن الإسلام هو الدين الذي سنقر به جميعا إن عاجلا أو آجلا…وأنا لا أكره أن يقال عني إني مسلم."  
لقد كان غوته من أعظم الشعراء الألمان ، تأثر بالإسلام تأثرا شديدا، وكانت معرفته بالقرآن معرفة وثيقة. نظم قصيدة رائعة أشاد فيها بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، و"حين بلغ السبعين من عمره. أعلن أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة…التي أنزل فيها القرآن الكريم على النبي. وبين هاتين المرحلتين امتدت حياة طويلة، أعرب الشاعر خلالها بشتى الطرق عن احترامه  وإجلاله للإسلام." 
في سن الثالثة والعشرين من عمره، نظم "غوته" قصيدة "أغنية محمد"، بإسلوب مناجاة بين علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وفاطمة زوجته، بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. نشرت القصيدة في ديوان"خيال وواقع"، يقول فيها:
" اُنظروا المنبع الصخري
مشعا بالبهجة
كأنه ومضة نجم
وما فوق النجوم
تقترب من شبابه…"

يضم  "الديوان الشرقي  للشاعر الغربي"، الذي نشره عام 1819 م، الكثير من الصور المجسدة، عن حياة العرب والمسلمين، والاستشهاد بأقوال وأوصاف ونماذج من القرآن الكريم، والشعر الجاهلي والإسلامي، حتى أن "هيغل"، اعتبر هذا الديوان تحولا للشاعر إلى الشعر الفلسفي. كما استخدم الأسلوب القصصي متأثرا بـ"ألف ليلة وليلة" . تقول "كاترينا مومزن" : "وفي الفصل الأول من القسم الثاني من فاوست، يوجد كذلك الكثير  الكثير من المؤثرات   التي تعود أصولها إلى ألف ليلة وليلة. فهناك، مثلا موضوع استخراج الكنز المدفون في باطن الثرى… وفي نهاية الفصل الخاص بالمناظر السحرية، التي  رافقت تنكر الأشباح ، أثنى جوته على "ألف ليلة وليلة"، وأشاد بشهرزاد." 
يقول غوته على لسان قيصر
" أي حظ طيب هذا الذي قادك إلى هنا
مباشرة من ألف ليلة وليلة ؟
لو استطعت أن تتشبه بشهرزاد في خصوبة عطاياها،
لوعدتك وعدا صادقا بأسمى الهدايا…"

لم يكتف "غوته" بالتأثر بالتراث العربي الإسلامي، بل ترجم الكثير من شعر المعلقات، يقول في رسالة موجهة لأحد أصدقائه ( كارل فول كنيبل):"…وهذه القصائد في جملتها تدعو للدهشة والاستغراب، كما أنها تشتمل على مقاطع بعضها محبب إلى النفس. ولقد قررنا تقديمها للمجتمع مترجمة، ومن ثم فسوف تطلع أنت أيضا عليها."  فالقصائد التي يتحدث عنها هي المعلقات العربية، والتي كان قد ترجمها "وليم جونز" (1746-1794)، وفي عام 1783 صدرت هذه المعلقات بالحرف العربي المطبوع باللاتينية، مرفوقة بترجمة "جونز"، وهذا ما دفع غوته إلى ترجمتها من  الأنجليزية إلى الألمانية. ومهما كان الخلاف قائما حول صدور هذه الترجمة أو عدم صدورها، فإنه من المؤكد أن غوته قد ترجم بعض أجزاء هذه المعلقات. ومن القصائد التي حاول ترجمها، معلقة امرئ القيس، وهذه بعض الأبيات له، مرفوقة بتلك الترجمة، كما أوردتها "كاترين مومزن":
"1-
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل          بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قفا ودعونا نبك هنا في موضوع الذكريات ، فهناك بمنقطع الرمل المعوج، كانت خيمتها وقد أحاطت بها خيام القوم.
2-
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها          لما نسجتها من جنوب وشمأل
لم يعف رسمها بعد تماما بالرغم مما نسجته عليها ريح الشمال وريح الجنوب من رمال متطايرة.
3-
وقوفا بها صحبي علي مطيهم          يقولون لا تهلك أسا وتجمل
ووقف صاحباي رابطي الجأش يعللانني قائلين لا تهلك من شدة الجزع وتجمل بالصبر…" 
ولا يمكن لغوته ألا يتأثر بهذا الشعر وقد  نال منه كل هذا الإعجاب، كما تأثر ، أيضا، بحافظ الشيرازي، الذي تعرف عليه من خلال ترجمة "هامر" لأشعار هذا الأخير،عام 1814 ، في "كتاب زليخا"، يقول:"علاوة على حافظ، السابق ذكره، فقد أعرنا ، عموما ، الشعر وغيره من الآداب الشرقيةأذنا صاغية، وذلك بدءا من المعلقات، والقرآن الكريم، وانتهاء بجامي والشعراء الأتراك…"  هؤلاء جميعا ، على حد تعبير "مومزن" ، رصدت لهم مؤثرات في قصائد "الديوان الشرقي.
يفتتح الشاعر الألماني ، ديوانه بقصيدة ، يقول في مقدمتها:
" هجرة
الشمال والغرب والجنوب تتحطم وتتناثر،
والعروش تثل والممالك تتزعزع، وتضطرب
فلتهاجر إذا إلى الشرق الطاهر الصافي.
كي تستروخ نسيم الآباء الأولين،
هناك حيث الحب والشرب والغناء،
سيعيدك ينبوع الخضر شابا من جديد،
إلى هنالك ، حيث الطهر والحق والصفاء."

ففي وصفه لأوضاع العالم الذي يعيش فيه، يوضف صورا ، هي أقرب إلى الصور القرآنية "الشمال والغرب والجنوب". يقول عز من قائل:" وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا." الآية.
ويقول أيضا:" وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا" الآية.
فغوته، يحس بغرابة الواقع الذي يعيش فيه، وبأنه هو نفسه، غريب، وكأنه يريد أن يشبه نفسه بأهل الكهف، حين عادت إليهم الحياة، فالغرب مضطرب، ولا مفر من الهجرة إلى الشرق منبع الحب والطهر والحق والصفاء.لا بد من الهرب، من الجحيم (الغرب)، إلى الجنة. كما تحضر النظرة الحالمة إلى الشرق، ذلك الشرق الذي تصوره "ألف ليلة وليلة" ؛ شرق الحب والغناء والشرب.أما الغرب ، فهو لابد سائر للزوال والهلاك .يقول تعالى:" فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" .
 
ويقول الشاعر:
"لله المشرق
 
لله المغرب
رحاب الشمال والجنوب
مستقرة بسلام بين يديه."

وتأثير الآيتين الكريمتين، من سورة البقرة، واضح  في تعبير غوته. يقول تعالى:
الآية الأولى: "وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ." 
الآية الثانية: " سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ." 
أما تأثره بحافظ الشيرازي، فهو بين في كثرة ورود اسمه في أشعاره، يقول:

" أي حافظ ! إن أغانيك لتبعث السلوى
وإنه ليحلو لي، أي حافظي الأقدس، أن أحيي ذكراك
عند الينابيع، وفي حانات الصهباء."